في عام 2014، بالكاد استقر الدبلوماسي الأميركي «ماثيو تولر» في منصبه الجديد في صنعاء، عاصمة اليمن، عندما بدأت الحرب الأهلية، ولا يزال السفيرَ الأميركيَّ لديها؛ إلا أن سفارته تقع الآن على بعد أكثر من 500 ميل، في جدة بالمملكة العربية السعودية، بعيدًا عن القتال والأزمات الإنسانية المندلعة في اليمن.
حاولت صحيفة «بري ذا وورلد» الإجابة عن هذا السؤال بحديثها إلى السفير الأميركي في اليمن.
يقول ماثيو: «كان علينا إغلاق سفارتنا ونقل موظفيها الأساسيين في المقام الأول إلى المملكة السعودية، ومن هناك نواصل المشاركة في تهدئة الأمور».
تقول الصحيفة إنّ «ماثيو» وغيره من الدبلوماسيين كانوا يحاولون إقناع الناس في اليمن بالتحدث مع بعضهم بعضًا والعمل على حل خلافاتهم؛ لكن من مسافة بعيدة.
ويضيف «ماثيو»: «ما نقوم به بشكل كبير المشاركة والحوار مع جميع أفراد المجتمع اليمني في المنفى، إضافة إلى العمل على خلق وسائل اتصال بأطراف الأزمة داخل اليمن»، مؤكّدًا أنّهم يعملون أيضًا مع دول التحالف التي تقود حربًا في اليمن، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات.
وتلفت الصحيفة إلى أن اليمن لديه تاريخ طويل من الاضطراب، لكنّ القتال الدائر الآن يعود إلى عام 2014؛ بعدما فشلت المبادرة الديمقراطية برعاية الأمم المتحدة في توحيد البلاد بعد الربيع العربي، وانضمت جماعة دينية مسلحة وشاركت في زعزعة وجود الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
وفي مارس 2015، دعا «هادي» المملكة العربية السعودية إلى المساعدة في استعادة حكومته السلطة في البلاد، وشكل السعوديون تحالفًا من الدول العربية، بدعم من الولايات المتحدة؛ في محاولة لإجبار من وصفتهم بـ«المتمردين» على الخضوع. وبعد قرابة 28 شهرًا وموت عشرة آلاف شخص، لم تظهر الحرب أي علامات على التراجع.
وفي الوقت نفسه، يواصل «ماثيو» العمل في محاولة لتوجيه اللاعبين الرئيسين في الحرب نحو المفاوضات المتجددة؛ فيقول: «الحلّ السياسي بمشاركة جميع الأطراف هو المطروح، سواء الحكومة الشرعية أو أولئك الذين يسعون إلى الإطاحة بها؛ ومن أجل مواطني اليمن يجب أن تتعامل جميع الأطراف مع هذا».
وحاولت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا التوسط في اتفاق سلام بين المقاتلين الرئيسين: حكومة الرئيس هادي «التي تعمل من المملكة العربية السعودية بدعم عسكري من السعوديين والولايات المتحدة»، والجماعة المتمردة الشمالية المعروفة باسم الحوثيين «المتحالفين مع علي عبدالله صالح» ويتلقون دعمًا من إيران.
وفقًا للصحيفة، ترى حكومة هادي أنّ الحرب نضال لاستعادة السلطة وقيادة الحكومة المركزية في اليمن، ويراها السعوديون صراعًا وجوديًا مع منافستها الاقتصادية والسياسية والدينية الإقليمية إيران، مضيفة أن جزءًا من عمل «ماثيو» تحديد دور أميركا في هذا الصراع الغامض والدفاع عن مصالح حليفها الرئيس في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية.
يقول «ماثيو»: «نحن بالتأكيد شريك رئيس للمملكة العربية السعودية ونقدم لها الأسلحة»، مضيفًا: «لكن الصراع في اليمن ليس بين السعوديين واليمن، إنه نزاع بين اليمنيين والسعوديين الذين تدخلوا نيابة عن اليمنيين الذين يشعرون بأنهم في وضع عسكري أضعف ويريدون أن يستأنفوا هذا الانتقال السلمي».
أوضحت الصحيفة أن جماعات حقوق الإنسان أثارت إنذارات بشأن الظروف في اليمن، بما في ذلك وباء الكوليرا والمجاعة المحتملة، وتدهور الاقتصاد بسبب الحرب؛ ويدعو البعض، بما في ذلك لجنة الصليب الأحمر الدولية، الأطراف المتحاربة إلى تخفيف حدة القتال حتى يمكن تسليم الغذاء والوقود وغير ذلك من أعمال الإغاثة إلى اليمنيين الذين يعانون من الأمراض والجوع والفقر المدقع.
لكن «ماثيو» يقول إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بتطبيق وقف إطلاق النار.
ويضيف: «نحن ببساطة لا نملك نفوذًا على الجماعات التي تقاتل على الأرض»، مضيفًا أنّ هذه حرب أهلية ليمنيين يقاتلون يمنيين، لافتًا إلى أن الوقت سيطول حتى تستطيع الولايات المتحدة إجبارهم على التوقف عن القتال.
لكن، بحسب الصحيفة، لا يوافق الجميع على أنّ الولايات المتحدة لا تمتلك النفوذ؛ فتقول «كاثرين زيمرمان»، الباحثة في مؤسسة «أميركان إنتربرايز» التي تتابع الحرب عن كثب في اليمن، إنّ الولايات المتحدة اختارت الرضوخ للأطراف المتحاربة في اليمن، مضيفة أنها تقيد نفسها من حيث من تتحدث معه ومن تتعامل معهم.
لكنّ «ماثيو» يصرّ على أن الأمر صعب؛ فهناك كثير من المتاعب والمشاكل في الطريق، والأمر ليس بهذه السهولة. وبحسب الصحيفة، يقول إنّه يتشاور عن كثب مع زملائه من روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان، إضافة إلى تركيا؛ لكن «كاثرين» ترى أنها جهود دبلوماسية غير مكتملة، مضيفة أنه يجب أن يُتفاعل مع جميع الاطراف وفهم ما يريدون.
وتوضح «كاثرين» أنه باعتبار أن مقر السفارة الأميركية في السعودية فقط، فهذا يلفت إلى أنها تدعم جانبًا واحدًا فقط في حرب أهلية قسّمت البلاد بشكل كبير، مضيفة أن هذا يشوه طريقة تعاملها مع الأزمة.
وتريد «كاثرين» من الولايات المتحدة أنّ تتحدث بشكل مباشر مع أطراف الصراع جميعهم، مضيفة أنه إذا رُكّز على استعادة حكومة الرئيس هادي لسلطتها فقط فإنه لا يوجد أي حل قريب، مؤكدة أنّ هذا ما يفعله السفير الأميركي؛ فبالرغم من أنّ هذه النقطة سبب اندلاع الحرب، فحتى لو حُلّت فالحرب الأهلية لن تنتهي؛ فهناك مظالم أخرى ينبغي النظر إليها.
وختمت الصحيفة تقريرها بقول «ماثيو» إنّ المصالح الأميركية مهمة للغاية، وإذا لم تشارك الولايات المتحدة بالتأكيد لأصبح الوضع أسوأ، وتسعى الولايات المتحدة إلى أن يكون هناك يمن موحد.