سلّطت صحيفة «ميدل إيست مونيتور» الضوء على الدور الذي تقوم به جامعة الدول العربية والدول العربية في القضايا التي تمرّ بها المنطقة، وخصوصًا القضية الفلسطينية والأحداث الأخيرة، مؤكدة أنه من الصعب إقناع الدول العربية بفشل الجامعة بكل هياكلها الأساسية ومؤسساتها، في ظل حالة الضعف والخمول أمام العواصف والهزات والأزمات في المنطقة؛ إذ إنها عاجزة عن اتخاذ قرارات فعالة أو خلق حقائق بديلة على الأرض، أو إطلاق مبادرات يمكن أن تحد من الأزمات أو تقارب وجهات نظر الأطراف المتصارعة.
وأضافت أنه منذ إنشاء الجامعة كانت تعمل بمنطق مؤسسي تقليدي وعقلية تفتقر إلى الواقعية والبرجماتية السياسية، وبدلًا من تطوير طريقة عملها والتفكير في تكييف وظائفها وأدوارها مع التحولات والتغيرات التي حدثت في المنطقة والعالم؛ لا تزال متمسكة بالنهج الذي يناسب تفضيلات النظم الحاكمة، وتخضع إلى أرصدة السلطة، التي ينبغي أن تكون المراجع والأدوات المستخدمة لضمان الحد الأدنى من الانسجام والتوافق، على حساب المصالح الاستراتيجية الرئيسة للمجتمعات العربية والأولويات الحيوية التي تعتبرها هذه المجتمعات أساسية وحاسمة.
وقالت إنّه عندما تصبح المؤسسات جامدة وتتحول لمجرد إنشاءات دون أيّ روح أو وظائف واضحة وملموسة فذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى وفاتها وزوالها، ولا يمكن لأحد أن يعتقد بقدرته على أداء دور في مثل هذه الظروف والاستجابة للاحتياجات أو التفاعل بشكل إيجابي مع أي قضية.
واستطردت الصحيفة بأنّ ما حدث في القدس، وتحديدًا المسجد الأقصى، يمثّل تحديًا قويًا واستفزازيًا لجامعة الدول العربية، موضحة أنه في مختلف الأزمات الإسرائيلية، كالهجمات والخطط التي تقودها لتقويض رمزية المسجد؛ يجب أن يكون التدخل بكل الوسائل الممكنة، ويتطلب وضع استراتيجية واضحة للجهود الدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي المستويات وفقًا لجدول أعمال وأهداف المحددة.
ولفتت الصحيفة إلى أن ما تفعله جامعة الدول الآن -وكالمعتاد- إثبات بلاغتها في إصدار تصريحات الشجب والإدانة، المليئة بالتهديدات، ووصفتها الصحيفة بـ«الضعيفة والخاضعة».
وقالت إنّ «إسرائيل» تدرك تمامًا الوزن الحقيقي لجامعة الدول العربية ومدى تأثير خطبها، وتدرك جيدًا أن العمل العربي المشترك لا يتخطى حدود الكلام، وتهدف به إلى تخفيف غضب الشارع العربي، وتساءلت الصحيفة: «هل يمكن لبيان مكتوب بلغة متوترة ومهزومة، مع إشارات إلى التاريخ والجغرافيا والرموز المقدسة، وقرارات الأمم المتحدة ومسؤولياتها، إضافة إلى الممارسات المرفوضة أخلاقيًا وسياسيًا وتاريخيًا، أن يفعل أي شيء لمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي من مواصلة سياساتها الاستفزازية؟».
ومن الواضح تماما، بحسب الصحيفة، أن «إسرائيل» لم تكن لتقيم بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى إذا لم يكن هناك شعور بأن العالم العربي في حالة من التجزؤ الكامل والأزمات التي تخدم مصالحه، ولم تتخذ هذه الخطوة لولا أنّ الوحدة الفلسطينية محطمة، ولا يشوب العلاقات بين الدول العربية توتر.
ولفتت الصحيفة إلى أن التبادلات بين الدول العربية محملة بالكراهية والاتهامات بالخيانة، لا سيما في غياب المؤسسات الديمقراطية والتنفيذية والتشريعية المنتخبة القائمة على الشرعية الشعبية وتعمل وفقًا للنظم القانونية والدستورية التي تضمن فصل السلطات وتحديد الأدوار والمؤسسات الفردية وضمان الحرية واحترام حقوق الإنسان.
فرصة تاريخية
وأضافت أنّ القدس الشريف له مكانة خاصة عند العرب والمسلمين، وهم يعرفون أنه أولى قبلة للصلاة وثالث أقدس مسجد، ومنه بدأ النبي ﷺ رحلة الإسراء والمعراج، وهي أيضًا مدينة الأنبياء ومدينة التسامح ومعقل الرموز الدينية والتاريخية، وتسعى «إسرائيل» إلى السيطرة عليها بادعاء أنها جزء من تاريخها.
ولفتت إلى أنه في كل مرة تُقْدِم فيها «إسرائيل» على مشروع محفوف بالمخاطر وغير محسوب، مثل إنشاء نقاط تفتيش إلكترونية للتأكد من نوايا المقدسيين وغيرهم من المصلين من المناطق المجاورة؛ تواجه الدول العربية والإسلامية تحديًا كبيرًا يتطلب منها اتخاذ قرار حاسم وصريح.
وأوضحت أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو تسعى دائمًا إلى إحباط أي محاولة أو مبادرة لحل القضية الفلسطينية، وعندما تكون هناك دلائل على أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن إحياؤه فإنها تثير عمدًا التوترات وتخلق أحوالًا متوترة لمنع أي تقدم نحو تسوية عادلة ومنصفة، وتدمر حتى جهود حليفها الاستراتيجي والولايات المتحدة.
وأكّدت أنّ هناك فرصة تاريخية للحركات الفلسطينية، خاصة فتح وحماس، للتغلب على الحواجز النفسية والعقلية وإنهاء صراع وصفته بالسخيف وليست له قيمة تاريخية أو سياسية أو استراتيجية، مؤكدة أنّها لا تستطيع استغلال حالة الإرباك والتخبط التي تنتاب حكومة نتنياهو.
وهم إسرائيلي
فوفقًا لصحيفة «لوموند» الفرنسية، كان قرار إنشاء البوابات الإلكترونية شخصيًا اتخذه نتنياهو؛ وهو ما واجهته أجهزة الاستخبارات المحلية والمؤسسة العسكرية، في حين أيدته المؤسسة الأمنية التي تسعى إلى استرضاء الجناح المتشدد لائتلاف نتنياهو الذي يميل إلى اتباع سياسة متشددة تجاه الفلسطينيين.
وتميل الحكومة الإسرائيلية، بحسب «ميدل إيست مونيتور»، إلى التقليل من شأن مستوى الغضب الفلسطيني، في ظل الوهم بأن الحالة المتدهورة في العالم العربي ستمكّنها من تنفيذ خططها. ومع ذلك، أساءت الحكم على الوضع؛ إذ فشلت في التنبؤ بدقة بغضب الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص ردًا على أي تدنيس للمسجد الأقصى.
الصحيفة أكّدت أيضًا أنّ المسألة ليست دينية فحسب، بل تتعلق أيضًا بالهوية؛ إذ يرمز القدس إلى المكان الذي يمكن أن يشعر الفلسطينيون بأنهم يتمتعون بالسيادة عليه. وهكذا، في هذه الحالة، عنصر الرمزية السياسية هو أكثر أهمية من المشاعر الدينية.
وبالإضافة إلى ذلك، الأزمة التي تسببت فيها السلطات الإسرائيلية مع الأردن عندما قتل ضابط أمن في السفارة الإسرائيلية في عمان مواطنين أردنيين في تجاهل تام للاتفاقات الموقعة ومشاعر الشعب الأردني، وتنفيذ القتل على أراضيهم، مؤكدة أن ذلك لو حدث في تل أبيب لكان من الممكن أن يسبب زلزالًا في «إسرائيل»؛ وهكذا وجد نتنياهو نفسه في مأزق، تسارع لطمأنة الملك عبدالله وتهدئة الوضع في القدس.
انتصار فلسطيني
ونتيجة لهذه الأخطاء مجتمعة، تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أمام جمهور فلسطيني غاضب، في غياب محاور أو سلطة وسيطة قادرة على تهدئة التوترات. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته قناة «إسرائيل» الثانية في 25 يوليو الماضي، فإن 77% من الإسرائيليين يعتبرون قرار إلغاء البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى خسارة لحكومتهم وانتصارًا للمتظاهرين الفلسطينيين.
والمطلوب أن تستغل الدولة الفلسطينية ونظيراتها العربية والإسلامية هذه الأخطاء وتحوّلها إلى مصدر قوة وضغط لجعل السلطات الإسرائيلية ترى أن ما تعتبره فرصة لانتهاك الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بعد سقوطه من أنظمة عربية وانهيار دول بأكملها هو سوء الحكم من قبل جميع المعايير. إن إرادة الشعب الفلسطيني وثباته وإيمانه بعدالة مطالبه وقضيته هي العوامل الرئيسة التي ستحدد مسار الأحداث، وستكون قادرة على تغيير ميزان القوى وتحدي جميع المؤامرات.