شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

«ميدل إيست آي»: تعذيب مستمر وتهديد بالقتل لمواطن قطري في سجون الإمارات

كشفت «ميدل إيست آي» تفاصيل احتجاز مواطن قطري دون تهمة وتعذيبه في السجون الإماراتية وتهديده بالقتل؛ بسبب المشكلات بين قطر والإمارات، موضحة أنه تعرض إلى تهديات بالقتل والدفن في مكان لن يعلم أحد عنه شيئًا.

تقول الصحيفة إنّ المواطن يعمل في شركة قطر للبترول، وقُبض عليه في فبراير 2013 من دبي. وإلى نص التقرير:

من منزله المكيف بالهواء، البعيد عن حرارة الصيف الشديدة، تحدّث «محمود الجعيدة» عن محنته التي استمرت عامين وأصبح فيها بيدقًا سياسيًا وسط صراعات بين دول الشرق الأوسط على نفوذها الإقليمي، وعانى فيها أيضًا من الإيذاء البدني والسجن الانفرادي على يد سلطات «دبي».

قُبض على «محمود» من دبي في فبراير 2013، أثناء عودته من رحلة إلى تايلاند يزور فيها شقيقه الذي أصيب بالسكتة الدماغية. وعاد بعدما تلقى أخبارًا تفيد بأن زوجته في حاجة إلى إجراء عملية جراحية بالبحرين، وجاء إلى الخليج لرؤيتها عبر مطار دبي، وهو طبيب يعمل بشركة «قطر بتروليوم».

وأثناء نزوله المطار، توجه إلى المسجد لأداء صلاة المغرب. وعند عودته إلى المطار أوقفه حارس أمن من إدارة مراقبة الهجرة، وبعد تفتيشه واستجوابه طلبوا منه أن يذهب معهم إلى قسم الشرطة للتوقيع على وثيقة تفيد بأن السلطات في المطار تحدثت معه.

لكنه طلب التحدث إلى سفارته ومحاميه الخاص، فأخبروه أنه محق؛ لكن عليه أولا الذهاب معهم إلى مركز الشرطة وبإمكانه التحدث إلى سفارته من هناك، ثم نُقل إلى سيارة بعد ذلك معصوب العينين ومقيد اليدين، واقتيد إلى مكان مجهول وبُدّلت ملابسه، واقتيد ثانية عبر ممر وهو معصوب العينين وتعرض إلى الاستجواب، وتركزت جميع الأسئلة على الحكومة القطرية وعلاقاتها بالإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية.

وقال «محمود» إنّ المحقق سأله: «لماذا تتدخل قطر في كل شيء؟»، فأجابه بأنه لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال وينبغي توجيهه إلى الحكومة القطرية.

كما سُئل عن شخص وما إذا كان يعرفه، فقال إنه قابله مرة؛ لكنه لا يعرفه شخصيًا. وقالت «ميدل إيست» إنّ محمود لم يتحدث عن هوية هذا الشخص.

ويضيف «محمود»: «عندما قلت لا أعرفه فوجئت بصفعة من المحقق على وجهي، لقد صُدمت. لم يسبق أن صفعني أحد منذ صغري».

ثم سأله الحراس عما إذا جلب معه أي أموال إلى الإمارات، واتهموه بإحضار مائة ألف درهم (ما يعادل 27 ألف دولار) معه، فأجابهم بأنه لا يحمل معه أي أموال، مضيفًا: «ثم بدؤوا في ضربي بعصى».

واُحتُجز المواطن القطري في زنزانة صغرى، تعرّض فيها إلى الضرب المستمر لمدة ثلاثة أيام وحرم من النوم، وتسبب ضربه في كدمات متعددة في ظهره وعنقه وساقيه. وفي مرة أُجبر على تناول ماء فيه مواد مخدرة دفعته إلى الضحك المتواصل دون سبب.

وحاولت «ميدل إيست» التواصل مع السلطات الإماراتية لسؤالها عن ادعاءات محمود؛ لكنها لم ترد حتى وقت نشر التقرير.

وتعرّض «محمود الجعيدة» إلى اللكم في المعدة والضرب بالعصى على قدميه في آن واحد؛ ما سبّب له آلامًا في البطن وسائر جسده، وهُدّد بإطلاق النار عليه واقتلاع أظافره ودفن رأسه وسط الرمال.

وأخبره حارس بأنّ لديهم سلطة القتل، وأنه إذا قُتل لن يعرف أحد؛ فلديهم مقابر لمثل هذه الحالات.

الحملة الإماراتية على الإخوان المسلمين

قضى «محمود» ستة أسابيع في مركز الاحتجاز السري دون اتصال بأفراد الأسرة أو محام أو ممثل. وتحت التعذيب البدني، أعطى المحققين أسماء وهمية قال إنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وحماس، بما في ذلك اسم جارة فلسطينية توفيت قبل سنوات.

حدث ذلك في الوقت الذي قادت فيه الإمارات حملة على مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2012. وفي مارس 2013، حكمت على 94 شخصًا يعتقد أنهم جميعًا أعضاء في حزب الإصلاح اليمني المعروف بمهاجمته للإمارات وانتقادها دائمًا، واتهمتهم ببناء شبكة سرية للتخطيط لانقلاب في الإمارات العربية المتحدة.

من جانبه، قال حزب الإصلاح إنه يريد رؤية الإمارات دولة ديمقراطية توفّر مساحات أكبر للأحزاب.

وتكهّن «محمود» بأن اعتقاله كان مدفوعًا بالقمع ضد جماعة الإخوان؛ على الرغم من كونه مواطنًا لدولة مجاورة، وأضاف: «أعتقد أن الإمارات تريد إشراك منطقة الخليج كلها في هذه المشكلة»؛ فقد «أرادوا من كل دول مجلس التعاون الخليجي القيام بما تفعله».

وحافظت قطر منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، ودعمت علنًا ​​وماليًا رئاسة محمد مرسي المدعومة من الإخوان المسلمين في مصر؛ ما أزعج بشدة الإمارات ودولًا خليجية أخرى.

وتوجد في الإمارات أيضًا قادة حركة حماس، على الرغم من أن قطر تحافظ أيضًا على اتصالات مفتوحة نسبيًا مع «إسرائيل».

ونفى «محمود» علاقته بحزب الإصلاح أو جماعة الإخوان؛ على الرغم من أنه اعترف بأنه من المعجبين بهم، وأنه يؤيد يوسف القرضاوي الذي يتخذ من الدوحة مقرًا له.

يقول محمود: «أنا شخص إسلامي، أنا شخص ديني، أحب حقًا الشيخ يوسف القرضاوي، وأحب ما يكتبه؛ لكن لا تجمعني به علاقة، أعرفه لأنه مشهور، ومن الذي لا يعرفه؟ وحضرت له محاضرات من قبل؛ لكنني لم أزره قط».

في نهاية المطاف، قال محمود إنه نُسي من الحراس وظلّ في الحجز ستة أسابيع دون استدعائه مرة واحدة للاستجواب. بعدها أحيل إلى النيابة العامة، وسمح له أخيرًا برؤية السفير القطري واثنين من أبنائه (حسن وعبدالرحمن).

وعلى الرغم من سعادته البالغة لرؤية عائلته والضمانات التي أعطاها له السفير القطري، نُقل مرة أخرى بعد عشر دقائق إلى زنزانته.

وقضى «محمود» بعد ذلك ثمانية أشهر أخرى في الحجز قبل تقديمه إلى المحاكمة، وفي هذا الوقت تبنّت منظمة العفو الدولية قضيته، وبعد ذلك طُلب منه التوقيع على مذكرة من 34 صفحة تتضمن اعترافات لم يستطع قراءتها؛ لأن عينيه كانت معصوبة عندما طلبوا منه التوقيع.

وفي جميع الأحوال، لم يكن لدى «محمود» أي صحبة سوى مصحف، يقول: «كنت أبكي وأقرأ وأصلي، هذه هي الأشياء الوحيدة التي استطعت القيام بها».

مشكلة سياسية

في الفترة التي قضاها قيد الاحتجاز، تدهورت العلاقات بين قطر والإمارات بشدة، وأطيح بالحكومة التي تدعمها جماعة الإخوان في مصر بعد انقلاب عسكري مدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين سحبوا سفراءهم من قطر في مارس 2014.

وفي الشهر نفسه، أحيل «محمود» إلى المحاكمة في دبي واُتُّهم رسميًا بدعم جماعة الإخوان المسلمين ماليًا ودعائيًا.

وقبل فترة وجيزة من بدء المحاكمة، أُرسل إلى «سجن الريزين» الشهير في الإمارات، حيث يُحتجز سجناء الرأي هناك.

وعلى الرغم من أن ظروف احتجازه تحسنت عما قبل، ما زال ممنوعًا من الوصول إلى الهواء الطلق، ومُنع حتى من أداء صلاة الجمعة. وقال إنه كان يتناول مضادات اكتئاب في هذه الفترة، وبعد نقله إلى «الرزين» لم يستطع توفير الدواء، وعانى من أعراض الانسحاب، التي سببت له أرقًا.

فيما بعد، كان عليه أن يخضع إلى جراحة لإزالة ورم، واستغرق 52 يومًا لعلاجه.

تقول «ميدل إيست آي» إن محاكمة محمود الجعيدة استمرت عامًا، وفي تلك الفترة أبلغ النيابة العامة أن قضيته «مشكلة سياسية».

وقالوا له: «لا توجد اتهامات ضدك؛ لكن الإفراج عنك مرهون بتحسن العلاقة بين الشيخ تميم والإمارات».

وبالرغم من كل شيء، قال «محمود» إنه شعر بأن المحكمة ستبرئه، لكن بعدما سمع القاضي يحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات لم يصدق نفسه، يقول: «لم أفكر في هذا مطلقًا؛ لكنني ابتسمت بالرغم من ذلك، لم أكن مصدومًا».

وفي نهاية المطاف، في مايو 2015، نُقل محمود من سجن الزرين وهو معصوب العينين واقتيد إلى سيارة استمرت في السير لمدة تقارب الساعة. في البداية اعتقد أنه سيعود إلى زنزانته الأولى، وهو ما كان يخشاه. لكن غادر الحراس السيارة وتركوا المذياع بأعلى صوته، وسمع خبر «إطلاق سراح اثنين من القطريين المحتجزين لدى الإمارات، وهذه كانت أولى إشارة له بأنه سيُطلق سراحه.

يقول: «صِحت: الله أكبر؛ فأسرعوا ثانية إلي وقالوا ماذا تقول، فقلت لهم: لا شيء؛ فقط أصيح بالله أكبر».

نُقل محمود بعد ذلك إلى مطار دبي، ووضع على طائرة ركاب بصحبة سجين قطري آخر، وقبل أن يُسمح له بركوب الطائرة أخبره محاميه الإماراتي ألا يتحدث عن مشكلته؛ فقال محمود له إنه ليس نشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه سيشكوهم إلى الله، فقال له المحامي: «اشتكِ لربنا بس ما تشتكي لتويتر».

ندوب لن تشفى

منذ إطلاق سراحه، تمكّن محمود من استعادة عمله القديم، وعلى الرغم من محنته؛ قال إنه حاول التحلي بروح المرح، ومعنوياته ظلت مرتفعة لقربه من ربه وعلاقته القوية وإيمانه به.

ومع ذلك، عانى من صعوبات في النوم بعد الإفراج عنه. وبينما كان مسرورًا بجهود الحكومة القطرية لضمان الإفراج عنه؛ أدى انحسار العلاقات بين الدولتين إلى طلب التكتم على وقته في السجن.

وفي عام 2017، وصلت العلاقات بين قطر والإمارات العربية المتحدة إلى أدنى مستوياتها؛ بعدما قطعت الإمارات والسعودية والبحرين علاقتهم بقطر، لدعمها جماعة الإخوان المسلمين.

وقال محمود: «لم أتخيّل أبدًا أن يصل الوضع إلى ها الحد في دول مجلس التعاون الخليجي. لدي إخوة في البحرين، وعمتي في الكويت، ولدي أقارب في السعودية».

وأضاف: «أنا ضد ما يحدث، وأتمنى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه وأن تُحلّ المشاكل في نهاية المطاف، وأعتقد أنها ستحل؛ لكن عادة الجرح لا يُشفى، وحتى لو شفي فسيترك ندوبًا».

المصدر



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023