لجأ سماسرة وأصحاب أراضٍ إلى عمل دعايا مضيئة على الجسور والطرق الرئيسة للترويج إلى بيع المقابر، بعد ارتفاع أسعارها حتى وصلت إلى 100%؛ نتيجة تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية في نوفمبر 2016.
وفي عام 2016، سجّل عدد الوفيات في مصر 556.1 ألفًا مقابل 573.9 ألفًا عام 2015، بانخفاض قدره 3.1%، وفق إحصائيات حكومية.
ويزيد الارتفاع في أسعار المقابر الضغط على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ولا يتمكن كثير منهما من توفير المال اللازم لشراء مدفن ملائم يجمع رفات ذويهم؛ خاصة بعد تحرير صرف الجنيه وما صاحبه من إجراءات قاسية من خفض دعم الوقود مرتين في ثمانية أشهر، والكهرباء مرتين في عام، ورفع أسعار مياه الشرب للاستخدام المنزلي، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 14%؛ ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي التي يباشرها صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضًا بقيمة 12 مليار دولار.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، زادت وتيرة تضخم أسعار المستهلكين لإجمالي مصر بنسبة 1%، مقابل 1.2% في أغسطس الماضي. واحتلّت القاهرة المرتبة الأولى بين المحافظات من حيث حالات الوفيات؛ بعدد 85.7 ألف حالة في عام 2016 مقابل 89.8 ألفًا في 2015، بانخفاض قدره 4.5%، وفق الإحصاءات الحكومية.
أسعار مرتفعة
وتتباين أسعار المدافن من محافظة إلى أخرى، وتكون مرتفعة أكثر في المدن بعكس القرى، التي لا يجد سكانها صعوبة في توفير أراضٍ لاستخدامها في بناء المقابر، بحسب عاملين في المجال.
ووصل متوسط سعر المقبرة الجاهزة والمرخصة البالغة مساحتها 40 مترًا في مدينة السادس من أكتوبر إلى أكثر من 145 ألف جنيه، مقارنة بنحو 75 ألفًا قبل تحرير سعر صرف الجنيه.
بينما يبلغ سعر المقبرة التي تتراوح مساحتها بين 60 مترًا و80 ما بين 195 ألفًا و215 ألف جنيه؛ حسب درجة تشطيب المقبرة، مقارنة بنحو 95 ألف جنيه قبل تحرير سعر صرف الجنيه.
رقابة غائبة
وقال عاطف فتحي (50 عاما) للأناضول: «اضطررت إلى بيع بقرة واستخدمت جزءًا من ثمنها لسداد مستحقات أفراد أسرتي؛ لضمان استمرار الدفن في مقابر العائلة الكبيرة».
بدوره، أعرب محمد أحمد (60 عامًا)، باحث في العلوم السياسة، عن غضبه من ارتفاع ثمن المقبرة وعجزه عن السداد؛ وقال إنه «أوصى بالتبرع بجثته، بعد الوفاة وأداء صلاة الجنازة، لصالح طلاب كلية طب في جامعة القاهرة».
وقال المهندس داكر عبد اللاه، عضو الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، إنّ السوق المصري «يعاني من عشوائية في تحديد الأسعار؛ فالأجهزة الرقابية ليست فعالة بالقدر الكافي، وغير قادرة على ضبط الأسعار في السوق؛ لا سيما بعد تحرير سعر صرف الجنيه».
وأوضح أنّ «غياب دور الجهات الرقابية ونقص البيانات والإحصائيات دقيقة أوجدا تفاوتًا كبيرًا في أسعار المدافن من مكان إلى آخر».
تجارة مربحة
وقال عبدالله حمدي، سمسار، إنّ «المقابر تحوّلت إلى تجارة، خاصة في المدن الجديدة، وأصحاب الأراضي اتجهوا مؤخرًا إلى الاستثمار في بناء المقابر وبيعها؛ لتحقيقها أرباحًا أعلي بكثير من أي استثمار آخر».
وأوضح للأناضول أنّ سعر المقبرة يختلف من منطقة إلى أخرى، وحسب درجة تشطيبها؛ فقد يصل سعر الواحدة بين 40 مترًا و60 في مناطق مثل القاهرة الجديدة إلى 350 ألف جنيه، و«مدافن تصل أسعارها إلى 500 ألف جنيه؛ إذا جاورت مدافن مشاهير من فنانين وإعلاميين».
وأضاف عبدالله أن هناك «شركات متخصصة فقط في إنشاء المدافن، دون تدخل أي جهة حكومية في تحديد أسعار البيع، وهناك حانوتية تحوّلوا إلى سماسرة للمتاجرة في المدافن؛ خاصة مع وجود مصريين يعيشون في المقابر».
وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير عام 2014 إنّ نحو 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر بالقاهرة.