منذ اليوم الأول للأزمة العراقية، التي خلفها الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر، تعددت الأطراف فيه، بين إدانات وتصريحات، إلى تدخلات شملت الحظر الجوي، وغلق المعابر للإقليم في اتجاه إيران وتركيا.
ولكن يبقى الطرف الأكثر تأثيرا وتوغلا في الأزمة هو الطرف الإيراني، لما يشكله الإقليم والعراق ككل، من أهمية كبرى لدولته سواء على مستوى الأمن القومي، أو في مسار تحقيق أهداف مستقبلية.
إيران تحاول جني ثمار في العراق
وبدخول الأزمة العراقية، منعطف التحركات العسكرية، بدأت تلوح في الأفق مؤشرات لاتفاقية غير معلنة، جاء على إثرها انسحاب قوات البشمركة من مواقعهم في المناطق المتنازع عليها، تلتها تصريحات واتهامات متبادلة بين الأحزاب الكردية، بالدخول في مؤامرة وعقد صفقة مع بغداد لمكاسب سياسية.
وأشارت تقارير إلى أن الصفقة بين القوات العراقية وحزب الاتحاد الوطني، تم برعاية إيرانية، وهو ما أكده علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى بإيران، علي خامنئي، أمس الجمعة، بقوله أن «مخطط البارزاني أحبط من دون إراقة دماء من خلال حكمة الحكومة العراقية واستشارة الجمهورية الاسلامية الإيرانية».
وقال مستشار الأمين العام، وعضو المكتب السياسي للجبهة الدیمقراطیة الشعبية اﻷحوازية، طاهر التميمي إن «جناح جلال طالباني الكردستاني المقرب من ايران، نسق مع مخابرات ايرانية و قاسم سليماني والحشد وانسحب من الجهات اللي تحت سيطرتهم في كركوك لصالح حكومة بغداد، ودخلت قوات بغدا كركوك وسيطرت على مرافق نفطية وحيوية».
وأضاف التميمي، في تصريح لـ«رصد» أن «كركوك مهمة جدا بنسبة لإقامة دولة كردستان، فكركوك هي مصدر النفط الرئيسي لكردستان، وبدونها كردستان تظل رهينة التوافق التركي والإيراني والعراقي»، موضحا «صعوبة إقامة أي دولة كردية دون نفط كركوك، ودون تجارة مع تركيا وإيران».
ولفت التميمي إلى أن «شعب الكوردي و على مر التاريخ، كان يعيش دوما تحت تاثير التهديد و ابادة الجماعية و الظلم ، وكانت حقوقه مسلوبة، دافع شعب الكوردي طيلة هذا التاريخ عن هويته، وتعرض للابادة و ابشع الجرائم وكانت اخر الجرائم التي تعرض لها شعب الكوردي الهجمة الوحشية الارهابيية من داعش ضد كوردستان».
وفي الوقت الذي تتراجع الولايات المتحدة في الصراع بين الأكراد والحكومة العراقية، تعزز إيران نفوذها في العراق وتحاول تشكيل نتائج لها على أرض الواقع، أهمها منع إقامة دولة كردية تهدد أمنها القومي، بحسب ما صرحت به إبان استفتاء 25 سبتمبر.
وأوضح عضو المكتب السياسي للجبهة الدیمقراطیة، أن المناطق المتنازع عليها، تُعد حيوية بالنسبة إلى إيران و مشروعها (الهلال الشيعي) المعروف لدي الكل، موضحا، أن «إيران ومن خلال سيطرة القوات العراقية على المناطق المتنازع عليها، تريد عبرها الوصول عن طريق كردستان الي سوريه و لبنان وتكون تلك الخطوط تحت سيطرتها».
وفي ذات السياق، أوضح الخبير الروسي البروفيسور غريغوري كوساتش لصحيفة «كوميرسانت» الروسية: إن إيران ومن خلال دعمها للقوات العراقية في مواجهة الاكراد، استطاعت أن تجني عددًا من المكاسب، أولا تقليل نفوذ الولايات المتحدة في المواقع الكردية المتنازع عليها، وثانيا توطيد علاقات مع بغداد يضمن لها مصالحها، بحسب سبوتنك.
الموقف الأميركي المعلن
وعلى الرغم من التعويل الأميركي على دعم الأكراد في مواجهة الدولة العراقية، إلا أن موقفها جاء مناقضا لكل التوقعات، من خلال تصريحين أطلقتهما خلال الأزمة، بدا الأول وكأنها تنفض يدها من الأزمة مطلقا، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين الماضي، أن بلاده ستكون على الحياد إزاء التوتر بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق.
وأتى التصريح التاني لا يحمل أي ضمانات للوقوف بالجانب الكردي، عبر بيان لوزارة الخارجية، أمس الجمعة، أعربت فيه عن قلقها إزاء تقارير عن اشتباكات عنيفة حول بلدة ألتون كوبري، مطالبة بتجنب الاشتباكات مع الأكراد في شمال البلاد، وقصر حركة القوات الاتحادية على المناطق التي يتم التنسيق بشأنها مع حكومة الإقليم.
وكان موقف الولايات المتحدة الأميركية من الاستفتاء غير واضح، حيث أشارت في بيان لها أن توقيت إجراءه غير موفق في ظل التهديدات التي تواجه العراق من تنظيم الدولة، وعدم الانتهاء من محاربته والقضاء عليه.
أميركا تدعم تحركات بغداد
وفي هذا الشأن، أكد السياسي الكردي عدالت عبدالله، بأن دخول القوات العراقية، المناطق المتنازع عليها، جاء بناءا على اتفاقية أميركية عراقية كردية، لافتا إلى أن القوات العراقية كانت موجودة في تلك المناطق سابقا، قبل احتلال «تنظيم الدولة» للموصل ولبعض مناطق كركوك واليوم عادت الى هذه المناطق.
ولفت عبدالله في تصريح لـ«رصد»، إلى أن وعود الدول الغربية بدعم الأكراد مازالت قائمة، ولكنها تخص حدود اقليم كردستان، وليس المناطق المتنازع عليها موضحا، أن «عملية سحب تلك القوات، بدأت اليوم خارج المدن وانسحب جزء كبير منها الى الأنبار وحاليا تدار المناطق من قبل الشرطة الفيدراليه والمحلية وبالتعاون مع قوات كردية خاصة بالاتحاد الوطني الكردستاني».
ويرى التميمي، أن أميركا تصمت على زيادة النفوذ الإيراني في العراق، نتيجة مصالح مشتركة بين الطرفين، ففي مقابل «تمهيد الطريق للأميركان، لبسط سيطرتهم على المنطقة والخليج العربي ونهب ثرواته وبناء «شرق أوسط جديد»، تغض الولايات المتحدة الاميركية الطرف عن قضايا الشعوب غير الفارسية « بلوشستان و تركمنستان الجنوبية و اذربيايجان الجنوبية و كردستان»، لافتا إلى أن « إيران تريد إبعاد الغرب الشأن الإيراني، للمضي قدما في مشروعها «إمبراطورية إيران»».