شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

التحرّش في مصر كارثة مجتمعية بشهادات دولية.. والحكومة تصر على الرفض

حملات للتنديد بالتحرش بالمرأة

قبل عامين، تعرّضت سمية طارق، المشهورة إعلاميًا بـ«فتاة المول»، إلى التحرّش داخل مول تجاري في مصر الجديدة؛ وعندما طاردت الفاعل لتوبيخه هاجمها واعتدى عليها جسديًا، قبل أن ينقذها أمن المول؛ وبعد تفريغ كاميراته قُبض على المتهم واسمه «طارق».

استضافت الإعلامية «ريهام سعيد»، سمية للتحدّث عن الواقعة، لكنّها فوجئت بعرض ريهام صورًا لها وهي ترتدي زي السباحة؛ بعدما سرقتها من هاتفها المحمول دون إذنها.

واتّهمت ريهام سمية بأنها تتعرض إلى التحرش بسبب ملابسها الاستفزازية، وأثارت هذه الكلمات غضب المدافعين عن حقوق المرأة ونشطاء السوشيال ميديا، وخرجت دعوات تطالب بإيقاف البرنامج. وفي أعقاب هذه الحملة رضخت القناة وأوقفت البرنامج شهورًا، وحُكم على ريهام سعيد بالسجن شهرًا وغرامة مائة جنيه، قبل أن تستأنف على الحكم وتحصل على براءة.

لكنّ القصة لم تنته بعد.

في وقت سابق من هذا الشهر، عاد المتهم الذي تحرش بـ«سمية» واعتدى عليها مرة أخرى بـ«سكين حاد» في وجهها، مسببًا لها عاهة مستديمة، ثم هرب وتركها تنزف على الرصيف، ونقلت إلى المستشفى، وقالت في مقابلة صحفية بعد إنّ الجرح تتطلب 50 غرزة، وإنّ ما فعله به رسالة واضحة للفتيات: «لا تبلغن عن حوادث التحرش وإلا تعرضتن إلى المثل».

وأضافت سمية: «ما تعرّضت إليه جعل كثيرين يفكرون في جدوى الإبلاغ عن وقائع التحرش، وماذا يمكن أن يتعرّضوا إليه في حال أبلغن؛ فقد ينتهي الأمر بندبة على وجوههن كما حدث معي، وإذا عاد بي الزمن إلى الوراء فلن أفعل ذلك ثانيةً».

تحوّل ما بعد الثورة

مؤخرًا، خرجت النساء المصريات عن صمتهن، متحدثات عن وقائع العنف الجنسي. وقبل ثورة يناير 2011 كان هناك عدد قليل منهن يبلغن عن هذه الوقائع، ونادرًا ما تُناقش في وسائل الإعلام.

تقول «عليّة سليمان»، مديرة الاتصال بمؤسسة خريطة التحرش، إنّ معظم النساء يخفن من إلقاء اللوم عليهن، أو جلب العار لأسرهن؛ لذا يفضلن الصمت. مضيفة أنّ قليلًا منهن شاركن قصصهن عن المضايقات الجنسية التي تعرّضن إليها؛ وغالبا ما كن يرفضت الكشف عن هويتهن.

لكن، مع الثوّرة تغير الوضع، مضيفة أنّ تحولًا كبيرًا حدث عقب ثورة يناير 2011 وكسر حاجز الخوف، بجانب المطالبات التي نادت بالحرية والعدالة الاجتماعية، وأصبحت النساء أكثر وعيًا بحقوقهن ويتحدثن بشكل متزايد عن الأمر؛ بينما شجّعت التغطية الإعلامية المتزايدة لهذه الحوادث النساء على مشاركة قصصهن.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في مكافحة التحرش الجنسي، لا تزال ناجيات تخشين من إلقاء اللوم عليهن أو مواجهة النبذ إذا أبلغن عن حوادث التحرش؛ خصوصًا في مكان العمل، حسبما أوضحت «عليّة».

خطوة نحو السلامة

تعرّضت 99% من سيدات مصر إلى أشكال مختلفة من التحرّش، و47% منهن تعرّضن إلى العنف المنزلي، خاصة المطلقات. ووفقًا لدراسة خرجت من الأمم المتحدة في 2013، ووصفت حوادث العنف الجنسي في مصر بـ«الوباء»؛ ودفعت الضغوط المتزايدة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني إلى سنّ قانون يجرّم حوادث التحرش في يوليو 2014، ووصفت الأمم المتحدة الأمر بأنه خطوة نحو ضمان سلامة النساء المصريات في الأماكن العامة، وشجع مزيدًا منهن على الإبلاغ عن هذه الحوادث.

وقالت «عليّة» إنّ كثيرًا من الرجال ما زالوا غير مدركين بأنهم قد يواجهون عقوبات جنائية.

وفي منتصف أكتوبر الجاري، أجرت مؤسسة «تومسون رويترز» استطلاعًا؛ وجد أن القاهرة من أكثر المدن عنفًا ضد النساء، ما أثار جدلًا واسعًا في مصر. وشمل عشرة ملايين شخص في 19 مدينة ومقابلات مع 20 خبيرًا، وتناول جوانب عدة؛ أبرزها العنف الجسدي والأوضاع الاقتصادية والثقافية والرعاية الصحية والتعليم.

ادّعاءات الحكومة

ووفقًا لخبراء حقوق المرأة، فإن المعاملة السيئة للنساء في القاهرة تفاقمت منذ ثورة يناير 2011؛ لأنّ الحكومة أعطت الأولوية للاقتصاد المتعثر على حساب قضايا أخرى (كالمرأة)، معربين عن أسفهم لهذا الوضع. بيد أنّ مسؤولين في المجلس القومي للمرأة قالوا إنّ أوضاع المرأة في مصر تحسّنت بشكل كبير وتمكّن المجلس من معالجة قضايا خاصة بهن، وأعلن عبدالفتاح السيسي أنّ 2017 عام المرأة.

وقالت سناء الشريف، عضو بارز في المجلس القومي للمرأة، إنّ المرأة تتمتع الآن بالتمكين السياسي والاقتصادي، ووصلت إلى مناصب عليا في جميع المجالات، مضيفة أن لدينا قاضيات الآن ونساء نائبات لجنرالات في الجيش، مضيفة: «مين اللي بيقول إن المرأة المصرية ما أخدتش حقوقها؟».

وانتقد المجلس القومي للمرأة، في بيان صادر في 18 أكتوبر، الاستطلاع الذي أجرته رويترز، وقال إن نتائجه تتناقض مع نتائج دراسات أخرى أجريت في هذا الشأن وذات مصداقية عالية، وقال البيان: «ندرك تمامًا حجم التحديات التي تواجهها المرأة المصرية، وتعمل الدولة على التغلب عليها؛ عبر استراتيجية موضوعة بعناية، تهدف لتمكينها تمامًا بحلول عام 2030، مستشهدًا بمشاريع القوانين التي وصفها بالصديقة للمرأة، وتهدف لزيادة الوعي بحقوقها ومحاولة تغيير عقليات الرجال ومواقفهم تجاه قضايا المرأة بصفة عامة».

وتزامن بيان المجلس القومي للمرأة مع الحملة العالمية التي أطلقت مؤخرًا تحت هاشتاج «#METoo» لحثّ النساء في جميع أنحاء العالم على التحدث عن قضايهن؛ ومع الانتشار السريع للحملة شرعت مصريات في كتابة المواقف التي تعرّضن إليها وتجارب الاعتداء الجنسي.

وبينما لا تزال حملات مثل «مي تو» و«خريطة التحرش» في مصر وغيرها توفّر لهن طريقًا للتحدّث عما يتعرّضن إليه، أو إضفاء الطابع الديمقراطي على الحركة النسائية، على حد تعبير المحللين؛ ما زال هناك كثير يتعين القيام به تجاههن.

ويجب على الجميع، رجالًا ونساء، تحمّل المسؤولية في هذا؛ فنادرا ما يأتي شهود للإدلاء بأقوالهم بخصوص وقائع التحرش، وغالبًا ما يلقى اللوم على الفتيات ووصفهن بأنهن خبيثات، كما يحتاج الموقف إلى سنّ مزيد من القوانين التي تحمي المرأة بعد الاعتراف بحجم الكارثة في مصر، كما تقول رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض المرأة وتنميتها.

هذا مقال للصحفية المصرية شهيرة أمين، النائبة السابقة لرئيس تلفزيون النيل الذي تديره الدولة، واستقالت من عملها في ذروة انتفاضة ثورة يناير؛ احتجاجًا على الرقابة على عملها. تعمل كاتبة مستقلة، ومخرجة أفلام وثائقية لوكالات الأمم المتحدة، وتكتب لـ«المونيتور» منذ يناير 2016.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023