سلّط الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، والزميل البارز في معهد «إ«س. راجاراتنام» للدراسات الدولية بسنغافورة، الضوء على الحملة الأخيرة التي يقودها «محمد بن سلمان» على أمراء من داخل الأسرة الحاكمة ورئيس الحرس الوطني ورجال أعمال، بينهم الوليد بن طلال؛ مؤكدًا أنّ الحملة غرضها تعزيز قبضته والقضاء على أيّ حركة معارضة لسياساته الجديدة.
وكتب في مقاله لموقع «ذا جلوباليست»، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ ما فعله ولي العهد السعودي دليل واضح على أنّ الآراء داخل الأسرة الحاكمة غير متوافقة، وكل ما يدور داخلها على مدار السنوات الماضية شابته السرية الشديدة؛ ما يشير إلى أنّ خط المعارضة أكبر وأوضح، ويهدّد مصير «ابن سلمان».
استهدفت الحملة قائد الحرس الوطني وقادة عسكريين، تزامنًا مع إطلاق صاروح على العاصمة السعودية «الرياض» من الحوثيين؛ ويشير هذا إلى أنّ استراتيجية السعودية في حرب اليمن، المستمرة منذ عامين ونصف، فشلت حتى الآن في تحقيق هدفها المعلن، وهو «ضمان أمن المملكة».
حملة اعتقالات
وسارع ولي العهد باحتجاز 11 أميرًا وكبار المسؤولين الحكوميين وكبار ضباط الجيش، وعدد غير محدود من رجال الأعمال البارزين المرتبطين بشكل كبير بالأفرع المختلفة داخل الأسرة الحاكمة.
وجاءت الحملة بعد مدة من اختفاء ثلاثة معارضين بارزين معروفين في العائلة السعودية الحاكمة، نُفيو إلى أوروبا ثم اختفوا؛ من بينهم الأمير «تركي بن بندر»، وهو ضابط سابق في الشرطة ومدير شعبة السلامة للأسرة الحاكمة، إضافة إلى الأمير «سلطان بن تركي» زوج ابنة الملك الراحل عبدالله.
وأمر ابن سلمان باعتقال عشرات العلماء والقضاة والمفكرين المسلمين المتنوعي الفكر والآراء؛ من بينهم سلمان العودة وعائض القرني وعلي العمري والشاعر زياد بن ناهت والاقتصادي عصام الزامل.
إسكات المعارضة
وتهدف الحملة الأخيرة إلى إسكات الأصوات المعارضة للأزمة الخليجية التي افتعلتها السعودية مع قطر، بجانب تزايد الانتقادات ضد حرب اليمن، وكذلك إجراءات ابن سلمان التي أعلن عنها.
ومن بين الذين رفضوا واحتجزوا في الموجة الأخيرة رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، ووزير الاقتصاد وعمدة جدة السابق عادل بن محمد فقيه، والقائد البحري عبدالله السلطان، وتفيد التقارير أيضًا بأنّ رجال الأعمال مثل الأمير الملياردير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز، الذي ينظر إليه في جميع انحاء العالم على أنه ليبرالي.
وهناك رجل الأعمال الآخر وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، شقيق الملك فهد، وعبدالعزيز بن فهد ابن الملك الراحل صاحب مجموعة قنوات إم بي سي. أيضًا، التحرّك ضد الحرس الوطني أمر كبير للغاية؛ لأنه وحدة عسكرية أُسّست جنبًا إلى جنب مع الجيش لحماية الأسرة الحاكمة، وكان ينظر إليه منذ وقت طويل على أنه معقل للملك عبدالله وأقربائه.
إنّ حملة القمع الأخيرة هذه تتناقض مع الأعراف والتقاليد داخل الأسرة الحاكمة، التي قضت بتوافق الآراء، وحكمتها السرية. ومع ذلك، فإنّ إجراءات الفصل والاحتجاز تشير إلى أن ابن سلمان، بدلًا من إقامة تحالفات، يحاول توسيع قبضته الحديدية على الأسرة الحاكمة والجيش والحرس الوطني؛ لمواجهة ما يبدو أنه معارضة أكثر انتشارًا داخل الأسرة، لإصلاحاته وسياساته؛ وخصوصًا حرب اليمن.
إعادة كتابة العقد الاجتماعي للمملكة
إنّ «الإصلاحات» التي يقوم بها ابن سلمان تحاول إعادة صياغة العقد الاجتماعي للمملكة من جانب واحد فقط، وليست على نحو توافقي؛ وهو الأمر الذي يثير تساؤلات عنها.
وأضاف أنه بعيدًا عن الخطط الضخمة، لم يقدّم الأمير محمد بعد الجوانب الاقتصادية لخططه الإصلاحية الموضحة في رؤيته 2030، وما فعله حتى الآن تغييرات اجتماعية محدودة للغاية؛ بالرغم من استحواذها على العناوين الرئيسة في صحف العالم، بدءًا من رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة إلى السماح بدخولها الاستاد.
حتى الآن، بالرغم من خططه وإعلاناته، لم ينجح ابن سلمان في رفع المظالم التي يعاني منها الشباب داخل السعودية، ولم ينجح في إيجاد فرص عمل لهم؛ وهو أمر أساسي وطبيعي في دولة تتمتع بعمال غير متفرغين ونقص في التوظيف، ويعيش معظم سكانه في رفاهية من المهد إلى اللحد دون مجهود.