قالت صحيفة «ناشيونال إنتريست» إنه من المستبعد أن تتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، لأسباب كثيرة؛ أبرزها وأهمها ما فعلته أميركا تجاه ليبيا، إذ أُجبر «القذافي» على التخلي عن طموحات برنامجه النووي الوليد في 2003، ثم تركته يُعدم على أيدي الثوار في 2011، موضحة أن كوريا الشمالية ودولًا ينظرون إلى الولايات المتحدة بعين الريبة، ويرون اتفاقياتها مجرد «حبر على ورق».

وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها يتملقان أحيانًا ويهاجمان أحيانًا أخرى كوريا الشمالية لإقناعها بالتخلي عن أسلحتها النووية، وكان آخر ما أدلى به «ترامب» في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي» هو دعوة كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات، مؤكدًا أنه «من المنطقي أن تفعل كوريا الشمالية الشيء الصحيح»، وهذا الشيء الذي يريده ترامب وحلفاؤه أنّ «تصبح كوريا الشمالية بلا أسلحة نووية».

ولا يمكن أن تعود كوريا الشمالية إلى «عذريتها النووية» على الإطلاق، ولديها أسباب متعددة للاحتفاظ بقوتها النووية. فالبلد الذي يعادل اقتصاده اقتصاد جمهورية باراجواي، فإنّ نظامها السياسي غريب؛ فليس له نداء خارجي، وقوته العسكرية تقليدية عتيقة؛ وبالتالي فإن قدرتها النووية العامل الوحيد الذي توفّرت له مكانة دولية، بيد أنّ هناك سببًا حاسمًا آخر، وهو أنّ قادة كوريا الشمالية لا يثقون في احترام الولايات المتحدة أي اتفاق يُتوصل إليه.

سبب مقنع لكوريا

وهناك أسباب أخرى كثيرة لشك كوريا الشمالية في الولايات المتحدة؛ إذ رأت كيف تعاملت أميركا مع صربيا والعراق، لكنّ السبب الأكبر هو التدخل الذي قادته الولايات المتحدة في ليبيا في عام 2011؛ إذ أقنع التحالف الذي قادته أميركا في ليبيا كوريا الشمالية بضرورة امتلاكها قوة نووية لمنع حرب تغيير نظام كما حدث في ليبيا.

فردًا على حرب واشنطن التي أطاحت بصدام حسين في 2003، بسبب التهديد الذي تشكّله أسلحة الدمار الشمال، استسلم الزعيم الليبي «معمر القذافي» جزئيًا فيما يتعلق بهذه المسائل؛ إذ وقّع على معاهدة حظر الانتشار النووي في ديسمبر من ذلك العام، ووافق على التخلي عن البرنامج النووي الوليد لليبيا. وفي المقابل، رفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها العقوبات الاقتصادية التي وقعت عليها، ورُحّب مرة أخرى بالقذافي دوليًا بعد تخليه عن طموحاته النووية.

واستمر هذا القبول أقل من عشر سنوات، حتى اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، وقالت واشنطن وشركاؤها في الناتو إن كارثة إنسانية وشيكة الحدوث في ليبيا، بالرغم من الأدلة الضعيفة على ذلك، وشرعت بعدها في التدخل العسكري؛ وسرعان ما اتضح أنّ المبرر الرسمي لحماية المدنيين الأبرياء هو ذريعة ساخرة، وأنّ هناك حربًا أخرى لتغيير النظام جارية، وأطلقت القوى الغربية غارات جوية مدمرة وهجمات صاروخية على القوات الحكومية الليبية، كما سلّح حلف شمال الأطلسي وحدات المتمردين وساعدهم بطرق أخرى.

وبالرغم من أنّ جميع الثورات السابقة فشلت، أسفرت المشاركة العسكرية الغربية الواسعة عن نتيجة مختلفة جدًا هذه المرة؛ فلم يطح المتمردون بالقذافي وحسب، بل قبضوا عليه وعذبوه وأعدموه بطريقة مشينة، وكان رد واشنطن مفاجئًا وبشكل مدهش؛ إذ قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «جئنا، رأينا، مات».

ولم يعطِ سلوك واشنطن وحلفائها في ليبيا أيّ حافز لكوريا الشمالية في التخلي عن طموحاتها النووية مقابل وعود ورقية أميركية بعودة العلاقات لطبيعتها. وفي الواقع، قالت كوريا الشمالية إنّ ليبيا السبب الذي يجعلها ترغب في امتلاك قوة رادعة، وما من شك في أن خيانة الغرب للقذافي جلعت كوريا تدرك أنّ نزع أسلحتها النووية أقل قابلية للتحقيق. واعترف مسؤولون أميركيون بأنّ ليبيا أقنعت كوريا الشمالية بأنّ الأسلحة النووية ضرورية لبقاء النظام.

الكذب الأميركي

من أسس الدبلوماسية الناجحة سمعة البلد ومصداقيتها وموثوقيتها، ويخشى القادة الأميركيون من أن الأنظمة الاستبدادية في إيران وكوريا الشمالية تنتهك الاتفاقيات قبل توقيعها، وهناك أسباب مشروعة لهذا الحذر؛ بالرغم من أنه في حالة إيران يبدو أنها ملتزمة بخطة العمل المشتركة والمعروفة باسم «اتفاق إيران النووي» الموقّع في 2015.

فعندما يتعلق الأمر بالمصداقية، يحتاج القادة الأميركيون إلى أن ينظروا لأنفسهم في المرآة، وكان سلوك واشنطن في ليبيا «ازدواجيًا قاسيًا»، وليس مستغربًا أن تنظر كوريا الشمالية وغيرها من البلدان إلى الولايات المتحدة كشريك تفاوضي غير جدير بالثقة. وبجانب الأسباب الأخرى التي دفعت كوريا الشمالية إلى امتلاك السلاح النووي؛ فما حدث في ليبيا قلل من التوقعات بتخليها عن برنامجها، ولا يمكن لوم أحد على ذلك إلا الأميركيين أنفسهم.