تناولت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الوجود الإيراني في سوريا وتأثيره على الأمن الإسرائيلي، خاصة بعد اقتراب القوات المدعومة إيرانيًا من الحدود بمسافة خمسة كيلوات؛ ما استدعى «إسرائيل» لبناء منظومة القبة الحديدية، تخوفًا من هجمات متوقعة، بجانب موافقة «نتنياهو» على زيادة نشر القوات البرية في الحدود مع سوريا، ومدى عجز «إسرائيل» عن اتخاذ موقف فاعل؛ بسبب الدور الروسي في الأوضاع داخل سوريا واتخاذه صف إيران ونظام بشار، الذي شرع لوجودهما قوتين أجنبيتين داخل الأراضي السورية.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ هذا التشريع شرحه بيان وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» عن الأوضاع الاستراتيجية في جنوب سوريا والمنطقة بأسرها. فبعد ثلاثة أيام من توقيع الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة والأردن لترتيبات وقف إطلاق النار، نفى «لافروف» الجزء من الاتفاق الذي يقول إنّ «القوات الأجنبية ستبقى خارج الأراضي السورية»، وقال فيما بعد إنّ وجود إيران في سوريا أمر مشروع وروسيا لم تعد بإجبارها على سحب قواتها من البلاد.
وتعتمد تصريحات موسكو، التي تنطبق على القوات الروسية هناك، على دعوة إيران وروسيا إلى سوريا من نظام بشار؛ ما يعطي الشرعية لوجود القوات العسكرية لهما في سوريا، إضافة إلى أن القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية ستبقى على بعد خمسة كيلومترات من خطوط الاتصال مع «المعارضين»، وهو ما يعني لـ«إسرائيل» أنّ الإيرانيين سيكونون على «مرتفعات الجولان»، على بعد خمسة إلى عشرة كيلومترات فقط من الحدود الإسرائيلية؛ ما أصاب «إسرائيل» بخيبة أمل من الاتفاق، وازداد الشعور في أعقاب «بيان لافروف».
وحوى بيان وزير الخارجية الروسي رسالة خفية أخرى: موسكو هي التي تقرر ما يحدث في سوريا، والصمت الأميركي على تعليقات لافروف يثبت مرة أخرى «من الذي يدير الأمور في سوريا».
وسبب الدعم الروسي لإيران، على الرغم من علاقات روسيا الوثيقة والإيجابية بشكل عام مع «إسرائيل»، هو أنّ الإيرانيين -خاصة وكلاء حزب الله- يقدّمون الدعم العسكري البري للروس ونظام بشار؛ وهو ما يتوقف عليه بقاء النظام. أيضًا، الحفاظ على النظام الحالي هو المهمة رقم واحد للروس؛ للحفاظ على مكتسباتهم (كالصفقات التجارية المحتملة).
وما دامت الضربات الجوية لا تضر بالقوات الروسية فإنها لا تتدخل، مثلما لم تتدخل حينما قصفت «إسرائيل» قافلة أسلحة تابعة لحزب الله في سوريا. كما لا يوجد لدى روسيا أي سبب يجعلها تلبي مطالب «إسرائيل» بشأن إبقاء الإيرانيين بعيدًا عن سوريا.
الرد الإسرائيلي
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» هذا الأسبوع إنّ «إسرائيل» غير ملزمة بالاتفاق الثلاثي، وكرر وزير الدفاع «أفيجدور ليبرمان» تحذيره بأنّ «إسرائيل» لن تجلس وتسمح بدعم إيران فى سوريا، ولن تسمح لسوريا بأن تصبح موقعًا أماميًا ضدها، مضيفًا: «من الجيد أن يفهم الجميع هذا».
وتشير التحذيرات الإسرائيلية، بحسب «العميد عساف أوريون» الباحث في معهد الدراسات الأمنية الوطنية، إلى أنّ إيران تقوج حربًا على «إسرائيل» منذ عقود عبر وكلائها. «لكن الآن، لأول مرة، يبدو أن الإيرانيين يستعدون لوضع هياكل أساسية هامة في سوريا؛ مثل قواعد للجيش، وميناء، ومصانع أسلحة، وقوات عسكرية دائمة».
وأضاف عساف أنّ الجبهة الشمالية لـ«إسرائيل» بين سوريا ولبنان أصبحت غير واضحة تمامًا، و«سيكون علينا أن نسأل أنفسنا: متى تحين اللحظة التي نرد فيها؟».
توترات في السعودية
وقدّمت صحيفة «الجارديان» هذا الأسبوع وصفًا إدراكيًا للمزاج في الشرق الأوسط؛ إذ أثار إعلان رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» استقالته تحت ضغط سعودي، وأشارت إلى التوتر في جميع أنحاء المنطقة، ويربط أحداثًا كثيرة ليست لها علاقة ببعضها بعضًا.
ويربط المحلل في شؤون الشرق الأوسط «مارتن شولوف» بين استقالة الحريري ومنع الاستقلال الكردي وحملة التطهير في المملكة العربية السعودية والمجاعة التي أصابت الملايين بسبب الحرب الأهلية في اليمن وإطلاق الحوثيين صاروخًا على الرياض؛ وأنها من مظاهر الصراع على النفوذ بين السعودية وإيران الذي وصل الآن إلى ذروته.
والتحرك السعودي المتعدد الجوانب في سوريا واليمن، والمناورات السياسية في لبنان، والجهود المبذولة لعزل قطر، والجهود المبذولة للحد من تأثير رجال الدين، وخطط بناء «مدينة المستقبل» الضخمة، والاكتتاب العام لشركة «أرامكو النفطية»، وكذلك المبادرات التي يشرف عليها «ابن سلمان»؛ كلها فقاعات في الهواء.
ويشكك الخبراء العسكريون الإسرائيليون في قدرة السعوديين على النهوض بأهدافهم بقدرتهم العسكرية الحالية، بالرغم من شرائهم أسلحة بالمليارات من الولايات المتحدة وبلدان أخرى. فأداؤهم ضعيف في اليمن، وأدوا دورًا طفيفًا إلى حد ما في معركة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، و«يجب على الخطط السعودية أن تتصدى للواقع الصعب، وعندما يحدث ذلك قد يكون اللقاء مؤلمًا».
الاضطراب في غزة
وفيما يتعلق بالأمن مع فلسطين، فأمن «إسرائيل» معرّض إلى الخطر بسبب التصعيد على الحدود مع غزة، وهناك توقعات بأنّ جماعة «الجهاد الإسلامي» ستحاول القيام بعمل انتقامي؛ ردًا على تدمير نفق على الحدود في أواخر أكتوبر الماضي ومقتل 12 فردًا. وحذّر رئيس الوزراء ووزير الدفاع من رد شديد في الوقت الذي تنتقم فيه الجهاد الإسلامي. وفي خطوات عملية، نُشرت أنظمة دفاع صاروخي «القبة حديدية» تحسبًا لذلك، وأمر «نتنياهو» بزيادة انتشار الجيش في اجتماع مجلس الوزراء، وأيّده وزراء الحكومة.
ولم تردّ «الجهاد الإسلامي» في غزة حتى الآن على القتل بسبب التحركات من حماس ومصر، التي تحاول كبح جماحها. وبعد وقت قصير من ضرب النفق، بدأت السلطة الفلسطينية وحماس تنفيذ اتفاق المصالحة، وتمركز ضباط شرطة السلطة الفلسطينية على المعابر الحدودية بين غزة و«إسرائيل» للمرة الأولى منذ عقد من الزمان.
لكنّ الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا؛ إذ لم ينفّذ «محمود عباس» وعده باستمرار صرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية ورفع مستوى إمدادات الكهرباء، كما إنّ إعادة فتح معبر رفح أعيقت بسبب خلافات بين الطرفين. وفي ظل هذه الظروف، حماس لديها دافع أقل لكبح جماح الجهاد الإسلامي، وهي عوامل قد تزيد الأمور سوءًا إذا ما توقفت المصالحة بأكملها.
وتحاول السعودية أيضًا القطف من الكعكة؛ ففي ذروة اضطراباتها داخليًا استدعت عباس على وجه الاستعجال. وبعد الزيارة، قال المتحدث باسمه إنّ الطرفين ينظران إلى اتفاق المصالحة مع حماس بالطريقة نفسها. ومنذ ذلك الحين، شددت السلطة الفلسطينية مطالبتها بأن تقطع حماس تمامًا العلاقات مع إيران وتسلّم أسلحتها إلى السلطة في رام الله؛ فموقف عباس العدواني الجديد مستوحى من السعودية، وسيغضب مصر التي عملت راعية للمصالحة.