قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إنّ النظام المصري يستهدف مجالات الفنون والثقافة باعتبارها تهديدًا له واستقراره، مسلّطة الضوء على الحملة التي قادتها الحكومة ضد «جاليري تاون هاوس» في وسط القاهرة، وهو معرض للفنون والثقافة والمسرح؛ أغلقته الأجهزة الأمنية في عام 2015، وهناك تهديدات حالية بإغلاقه بسبب انتقاده للنظام.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ المعرض مستقل، ويستقبل لقاءات بين المفكرين. وفي أكتوبر، في المبنى المدمّر المحاط بالسقّالات، كان هناك لقاء رائع بين الكاتب «طلال فيصل» ومدير المعرض «بسام مرتضى»، ودار النقاش بشأن: «هل يمكن للمؤلف أن ينسج وصفًا حقيقيًا للحياة من سيرته الذاتية؟».
هذا ليس سؤالًا نظريا يتعلق بنوع أدبي فريد؛ لكنه يؤثّر بشكل مباشر على موضوع الرقابة المؤلم الذي يُثقل الإبداع الفني في مصر.
أنشئ المعرض عام 1998 ليكون بمثابة منزل للفنانين من الجيل الجديد، وبعد ثورة يناير كان بمثابة مساحة للاجتماعات والمعارض، وشكّل مكانًا أساسيًا لكل من يعارض نظام «عبدالفتاح السيسي». وفي عام 2015، اقتحمت قوات الأمن المعرض وصادرت الرسومات وأجهزة الكمبيوتر، وشُمّع المعرض بالشمع الأحمر؛ بحجة أنّ «المكان لا يفي بمعايير السلامة من الحرائق». ومن الواضح أنه ليس سببًا حقيقيًا، وإن كان حقيقيًا فالآف المباني في القاهرة والمحافظات ستُغلق.
والعام الماضي، اُفتتح المعرض مرة ثانية، واحتوى على مكتبة للفن وقرابة 400 كتاب، وينظّم أيضًا مسارح، ويعرض صورًا لفن الشارع والكتابات على الجدران أثناء ثورات الربيع العربي؛ ومثّلت اللوحات فيه مشاعر جارفة في مدّة عاصفة بمصر، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الفني.
فيس بوك وتويتر
لكنّ جهود المعرض لا تزال تشغل الأجهزة الأمنية في مصر؛ إذ طالبت أصحاب المعرض بإيفائهم بخططهم، وطلبوا تصريحات للعمل. وقال موظف في المعرض لـ«هآرتس»: «نخشى أنهم سيغلقونه مرة أخرى، لا يقولون لنا ما المطلوب بالضبط؛ فقط يلمّحون إلينا بأنّ الأعمال المعروضة مسيئة، وعلينا أن نخمن كيف هي مسيئة وهل يعني ذلك أنها تهاجم النظام!».
لم تتوسع حدود الرقابة في مصر على الفنانين فقط، بل شملت ما ينشره المصريون على «فيس بوك وتويتر»، وكان هذان الموقعان بمثابة منصات للاحتجاجات ضد الحكومة في مصر. على سبيل المثال: إطلاق هاشتاج «we need to talk» قبيل إطلاق منتدى السيسي العالمي للشباب في شرم الشيخ.
واستخدم المحتجون شعار المؤتمر «نريد أن نتحدث»، ليس الحديث الذي قصده السيسي؛ بل لإطلاق سراح المدونين والشباب المعتقلين داخل السجون بسبب تعبيرهم عن آرائهم. وعلّق أحدهم: «نطالب بالإفراج عن الجيل المصري المسجون وإطلاق سراح المستقبل»، وكتب آخر: «نريد أن نتحدث عن الثقافة وحرية التعبير»، في إشارة إلى إغلاق مكتبات الكرامة من قوات الشرطة.
وأراد نشطاء أيضًا معرفة أسباب قبض الأمن على المصور الصحفي محمود أبو زيد «شوكان» وسجنه لمدة تزيد على أربع سنوات (منذ عام 2013) أثناء تصويره اشتباكات بين قوات الأمن وجماعة الإخوان المسلمين.
لغة جديدة
على عكس مستخدمي الشبكات الاجتماعية، يحاول جاليري «تاون هاوس» إضفاء الطابع المؤسسي على النقد الفني أثناء المشي بين قطرات المطر. ومؤخرًا، نظمّ ندوة بعنوان «إعادة الكتابة النقدية»، ناقش فيها كيفية تقديم النقد الفني والثقافي، دون نطق كلمات مثل «رقابة» و«حكومة» وسياسة»، التي حُظر ذكرها في أيّ سياق فني.
وقالت «سارة بهجت»، مديرة البرنامج في المعرض: «علينا اختراع لغة جديدة قادرة على تجاوز القيود التي تفرضها الحكومة». وتقول الصحيفة إنّ اللغة التي يتحدّث عنها المعرض يجب أن تُفسّر الرموز وتحلل الفن السياسي بطريقة لا تغضب النظام، وهو تحدٍّ معقد؛ لأنه يطالب بالتعبير عن مشاعر الإحباط والضيق بطريقة لا تُدخلك السجن.
ويهتم السيسي جدًا بهذا الصراع؛ باعتباره يشكّل تهديدًا للاستقرار، ويمكن أن يؤدي إلى ثورة أو معارضة أخرى. ويشكّل «المنتدى العالمي للشباب» الذي أقامه جهدًا منه للحفاظ على نفسه من الانتقاد، والفن عنده أن يخدم الشعب فقط، أو بعبارة أخرى «النظام».
ولم يصل استخدام التعبيرات الفنية في الاحتجاجات بعد الربيع العربي إلى حركة أو مدرسة فنية، ولكي يحدث ذلك؛ يجب على الفنانين إقناع الآخرين بأن لديهم القدرة على إحداث تغيير ملموس وإنشاء كتلة حرجة من المؤيدين الذين يتحولون في النهاية إلى قوة سياسية.
في ظل الظروف الحالية في مصر، من الصعب أن تتوقع ثقافة تعبئة الجماهير؛ لكنّ القيود المفروضة عليها استطاعت خلق اهتمام، سواء في مصر أو خارجها.