من الفيلم الأمريكي المسيء إلي الرسوم الفرنسية الأشد إساءة إلي ردود الأفعال الغاضبة المنضبط منها والمنفلت تعيش الأمة من أقصاها إلي أقصاها حالة من التيه في مشهد عبثي عجيب ، ورأيي أنّ كل ما يحدث ليس وليدا للصدفة العمياء ولا للخبطة العشواء إنّما هو أمر مدبر بليل وقد تٌشور فيه في غير هذا المكان،هذا هو مختصر رأيي ،وموجز خبري وإليك الأنباء بالتفصيل؛
ما من شك أن الأيدي الخفية التي تمسك بخيوط اللعبة تهدف من وراء ذلك إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد بمعنى أنه لا مانع من جس نبض المسلمين الذين تحولوا إن جاز التعبير إلى جثة هامدة بعد أن فقدوا الهوية وعجزوا عن الإجابة على سؤاليها الملحين: من نحن اليوم؟! وماذا نريد؟! وصورتهم التي رسمها الشاعر عن بعض بلاد المسلمين " لم يبق فيهم أبو بكر.. ولا عثمان.. جميعهم هياكل عظمية في متحف الزمان.. تساقط الفرسان على سروجهم.. وأعلنت دولة الخصيان .. وأعتقل المؤذنون في بيوتهم وألغي الآذان.. جميعهم تضخمت أثداؤهم وأصبحوا نسوان . جميعهم يأتيهم الحيض ومشغولون بالحمل والرضاعة.. جميعهم قد ذبحوا خيولهم، وارتهنوا سيوفهم.. وقدموا نساءهم هدية لقائد الرومان.. لم يبق في دفاتر التاريخ لا سيف ولا حصان.. جميعهم قد تركوا نعالهم .. وهربوا أموالهم.. وخلفوا ورائهم أطفالهم.. وانسحبوا إلى مقاهي الموت والنسيان.. جميعهم تخنثوا.. تكحلوا .. تعطروا.. تمايلوا أغصان خيزران.. حتى تظن خالدا سوزان.. ومريما مروان.(23)
وأعتقد أن المخططين كانوا يتوقعون أحد احتمالين:
أولهما: أن القضية لن تحرك للمسلمين ساكنا وسوف يصمتون صمت القبور.. وينامون نومة أهل الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، كما سكتوا من قبل على إهانة المصحف بإلقاءه في المراحيض على يد جنود المارينز في جوانتاناموا.. وهنا ينبغي مضاعفة جرعة الإهانة والإذلال لكل ما هو مقدس في نفوسهم حتى يخرجوا من الجغرافيا كما خرجوا من التاريخ من قبل.
أما ثاني الاحتمالين: أن يثور المسلمون- كما حدث- ضد من أهان نبيهم وأن يعلنوا المقاطعة للبضائع المستوردة من تلك الدول التي نشرت صحيفتها هذه الصور المسيئة، وعندئذ تلجأ الشعوب المسلمة إلى البديل، وهنا يسعد أقوام ويشقى آخرون كما قال المتنبي:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد
ومن ناحية أخرى ما المانع أن تصبح أوروبا مستهدفة من قبل المسلمين هي الأخرى على طريقة – ودت الزانية لو أن كل النساء يزنين- ولا مانع هنا من بيان شجب وإدانة لتلك الرسوم المسيئة من البيت الأبيض، أو حتى يعلن الرئيس بوش نفسه أنه سوف يقاطع المنتجات الفرنسية مشاركة للمسلمين في مصائبهم!!!
وإن العم سام سوف يطلق أية دولة أوروبية تتجرأ أو تقوم بنشر هذه الرسوم مهما كانت حبيبة إلى قلبه!! وعليها بعد ذلك أن تتربص بنفسها الثلاثة قروء!!
ولا بأس أن يخرج علينا كتاب المارينز ليثبتوا صحة مقولاتهم الداعية إلى صراع الحضارات.. وأن المسلمين قوم لا يقدرون حرية الرأي ولا يقدسون الاختلاف المطلق في وجهات النظر المختلفة.. وكيف يقدرون ذلك؟! وهم يقطنون دولا عجيبة.. حيث دخول المرء للمرحاض يحتاج إلى قرار.. والشمس كي تطلع تحتاج إلى قرار.. والديك كي يصيح يحتاج إلى قرار.. ورغبة الزوجين في الإنجاب تحتاج إلى قرار.. (24)
والعجيب أن الغرب الذي يتحدث عن أن حرية التعبير هي حرية مطلقة.. ينسى أن حرية التعبير هذه هي حق إنساني.. وكل تصرفات الإنسان بالمنطق الغربي العلماني نسبية مطلقة.. فكيف تتحول الحرية في التعبير إلى قيمة مطلقة يراد بها أن تكون فوق القيم الأخرى…(25)
واللافت للنظر أنّ الحكومات الغربية بدأت تتعامل مع الأزمة بفكرة نظرية الأواني المستطرقة حيث تترادف التصريحات والتعليقات كلها علي معني واحد وكأنّها خرجت من مشكاة واحد ،وتتساوي فيها الدول الكبري كالولايات المتحدة والدول المتوسطة الحجم كفرنسا وألمانيا مع الدول الميكروسكوبية الحجم كالدينمارك مثلا لقد تساووا جميعاً في نحت العبارات حتى لكأنّهم أسنان حمار!!!!