يتوجّه وزير التعليم العالي «خالد عبدالغفار» إلى البرلمان في غضون أيام لمناقشة مشروع قانون يسمح للجامعات الحكومية بممارسة أنشطة هادفة للربح أو المساهمة في ذلك مع مستثمرين آخرين، وهذا للمرة الأولى؛ ولذا يؤكّد مراقبون أنه بداية لـ«خصخصة التعليم»، الذي لم يكن هادفًا للربح؛ ما يثير تساؤلات عن إمكانية دخول الجيش معترك المساهمة مع الجامعات في تأسيس شركات للاستثمار في هذا المجال.
ويتبنى مشروع القانون تغييرًا مبدئيًا في سياسة التعامل الحكومي مع التعليم العالي، في سبيل تخفيف أعباء الإنفاق على هذا البند من الموازنة العامة للدولة؛ ومن المتوقّع أن يمرّره البرلمان بسهولة، خاصة في ظل سيطرة ائتلاف «دعم مصر» ذي الأغلبية الكاسحة على البرلمان، الذي عادة ما يوافق على قوانين الحكومة أو تلك التي تحظى بدعم «عبدالفتاح السيسي».
إضفاء الصفة القانونية
ويناقش البرلمان مشروع القانون عقب موافقة مجلس الدولة عليه؛ على الرغم من شبهة تعارضه الصريحة مع المادة 21 من الدستور الحالي التي تنص على أنّ الدولة «تكفل استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها… وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية».
واتجهت الحكومة منذ مدة لإضفاء الصفة الدستورية على المشروع قبل عرضه على البرلمان؛ لتغطيته قانونيًا وتقليل المعارضة المنتظرة له، بزعم أنّ «ممارسة الأنشطة الهادفة للربح أو المساهمة مع مستثمرين آخرين تهدف فقط إلى تمويل أنشطة البحث العلمي في الجامعات والمعاهد الحكومية التابعة لها».
ووافق مجلس الدولة على تمرير مواد تسمح بممارسة الاستثمار وتحقيق الأرباح؛ عبر إنشاء شركات مساهمة مملوكة للجامعات بمفردها أو بالمشاركة مع مستثمرين أو هيئات أخرى، تكون متخصصة في البحث العلمي وإخراج المنتجات المادية لهذه الأبحاث.
مشاركة القوات المسلحة
وأيضًا، أجاز مجلس الدولة للحكومة التحكم في اختيار المستثمرين أو الجهات الأخرى التي ستشارك الجامعات تأسيس الشركات المساهمة وإدارتها بما لا يتعارض مع الأمن القومي للبلاد؛ ما يثير تساؤلات عن إمكانية دخول الجيش معترك المساهمة مع الجامعات في تأسيس هذه الشركات؛ باعتباره أكبر هيئة مصرية عامة تملك ما يكفي من الأموال الفائضة للمساهمة في هذه المشاريع، لا سيما في ظل تنامي سلطاته وتوسع مجالات نشاطه.
وتتواصل القوات المسلحة التوسع الاقتصادي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، خاصة عقب الثالث من يوليو 2013؛ إذ توضح التقديرات أنّ سيطرة القوات المسلحة على الاقتصاد المصري بين 45% و60%، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، ووصل هذا التوسّع ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات؛ من المواد الغذائية مثل الطماطم وزيت الزيتون، إلى الإلكترونيات والأجهزة المنزلية والعقارات وأعمال البناء والنقل والخدمات والمدارس، إضافة إلى خدمات الطعام ومطابخ المدن الجامعية لطلاب الجامعة، وكذلك المستلزمات الطبية.
ويساهم الجيش كذلك في منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز ومجال الطاقة الشمسية والاستزراع السمكي، وإنتاج مكيفات الهواء، وكذلك أعمال الترميم والتطوير للقصور والمتاحف؛ كقصر ثقافة المحلة الكبرى وامتلاك فندق سياحي، ناهيك عن السيطرة على قطاع إعلانات الطرق واستيراد السلع الأساسية وتشغيل الطرق الصحراوية ومتاجر غذائية.
خصخصة التعليم
ويخالف المشروع المزمع إصداره فتوى أصدرها مجلس الدولة في شهر يونيو الماضي ببطلان خصخصة التعليم العالي والجامعات، وأكّدت بطلان دستورية ممارسة أيّ جامعة؛ سواء كانت خاصة أو حكومية للأنشطة الهادفة للربح، ألزمت الدولة بالإشراف على التعليم كله وكفالة استقلال الجامعات والبحث العلمي؛ باعتباره من المقومات الأساسية للمجتمع، وحرصت على تكريس دور الدولة في هذا المجال.
وفرّقت الفتوى بين تحقيق الجامعات عمومًا للربح جراء الفارق بين مواردها ومصروفاتها وبين أن يكون غرضها تحقيق الربح بأنّه «يجب عليها ألا تقدّم قصد المضاربة على غرض التعليم والبحث العلمي»، مشددة على أنّه «لا يجوز لأيّ جامعة حكومية أو خاصة إنشاء شركات مساهمة أو المشاركة فيها مع مستثمرين؛ لأنّ هذه الشركات غرضها الأساسي أو الوحيد تحقيق الربح».
ويكشف مشروع القانون الاتجاه الحكومي لتنفيذ خطة تحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقل عن 75% تدريجيًا، والتدرج في تحويل جامعات إقليمية إلى جامعات أهلية؛ فيتشارك القطاع الخاص مع الدولة في إدارتها، ليتحمّل المستثمرون جزءًا من الأعباء التي تتحملها الدولة حاليًا؛ على أن تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، الذين يمتلكون الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة في الأساس إلى الربح.
استغلال ممتلكات الجامعة
ونقلت «العربي الجديد» عن مصدر برلماني -لم تكشف عن هويته- أنّ «القانون سيُقرّ في أسرع وقت؛ بسبب نية الحكومة اتخاذ إجراءات عملية لتأسيس هذه الشركات قبل إقرار الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل».
وبيّن أنّ وزير التعليم العالي عَقَد اجتماعًا مع رؤساء جامعات أخبرهم فيه بوجود عروض واقعية من مستثمرين وهيئات حكومية لمشاركة جامعات القاهرة وحلوان والمنصورة وعين شمس وقناة السويس بإنشاء شركات مساهمة بأهداف ربحية، ستتخذ من الأبحاث العلمية ستارًا لها، وفي الواقع ستؤدي أدوارًا أكبر لاستغلال ممتلكات الجامعات.