سلطت «شبكة الجزيرة» الضوء على مستقبل الأوضاع في سوريا، وإمكانية الوصول إلى حل سياسي للأزمة هناك من عدمه، مشيرة إلى توقعات المحللين السياسيين والخبراء بأن المزيد من إراقة الدماء سيستمر في سوريا في العام الجاري 2018، إذا لم يتم التوصل لحل سياسي للأزمة، خاصة في ظل إصرار المعارضة على رحيل الأسد وإصرار الأسد على بقائه.
وتوقع محللين، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أن يتم «صوملة» سوريا في النهاية، أي وجود حكومة معترف بها دوليا إلا أنها لا تسيطر على كامل الأراضي السورية.
وحتى الآن وفقا لأرون لوند، الباحث الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط، يبدو أن الحكومة السورية تربح المعركة لكن ببطئ شديد، وستبقى مناطق كثيرة داخل البلاد غير خاضعة للسيطرة، ويمكن للعنف أن يستمر في التدفق لسنوات، مضيفا أن عمليات السلام المختلفة قد تنجح في ضبط العنف، إلا أن التحول السياسي خارج طاولة المفاوضات والحلول حتى الآن.
حلول فاشلة للأزمة
في مايو 2017، وافقت روسيا وإيران وتركيا – التي تدعم المعارضة المسلحة – على تنفيذ خطة «مناطق التصعيد»، وتهدف إلى وقف القتال في بعض المناطق وتوفير ملاذات آمنة للمواطنين، وكانت تلك المناطق هي إدلب والغوطة الشرقية وحمس، إلا أن الحكومة السورية وحلفائها لم يلتزموا بوقف إطلاق النار، ومازالوا مستمرين في استهداف جميع المناطق بشكل مستمر.
ويتركز القتال الأشد في ثلاث مناطق، وهي الغوطة الشرقية وإدلب وحماة غرب سوريا وهي مناطق يسيطر المعارضة على معظمها، وكذلك منطقة الشرق الأقصى في البلاد على طول نهر الفرات، حيث لا تزال هناك بقايا تنظيم داعش.
وبالنسبة للحكومة السورية، فإن السيطرة على الغوطة أمر استراتيجي لقربها من العاصمة دمشق، وتخضع المنطقة لسيطرة الجماعات الموالية للجيش السوري الحر، والذي يتلقى دعما لوجيستيا وماليا من الولايات المتحدة وتركيا وبعض دول الخليج.
كما تعتبر إدلب وحماة مناطق استراتيجية للحكومة السورية والروسية، لأنها قريبة من المنطقة الساحلية حيث تقع قاعدة خميم السورية التي تديرها روسيا، أما المنطقة الثالثة التي تشهد نوبات من العنف فهي منطقة الشرق الأقصى السورية على طول نهر الفرات بين الميادين والبوكمال، حيث لا يزال تنظيم الدولة قويا.
إمكانية الحل السياسي
على الصعيد الدولي، هناك مساران رئيسيان للدبلوماسية، يتمحوران حول إيجاد حل سياسي سلمي للصراع السوري، الأول هو المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، والتي بدأت في عام 2012 ومازالت مستمرة، والتي كان الهدف الأساسي منها هو تحقيق انتقال سياسي في سوريا، لكنه يفشل باستمرار في تحقيقها.
وكانت العقبة الرئيسية في تلك المحادثات، هي مصير الأسد، ففي حين ترفض الحكومة السورية باستمرار التفكير في أي احتمالية لاستقالة الأسد، أكدت المعارضة السورية أن رحيل الأسد هو خيارها الوحيد لتحقيق السلام.
إلا أن التدخل العسكري الروسي، في عام 2015، غير من موازين القوى هناك، ومكن قوات الأسد من أن تكون لها سيطرة حاسمة على الأمور، ثم بدأت التسويات الدبلوماسية بعد أن استعادت الحكومة الكثير من الأراضي التي يسيطر عليها الجماعات المسلحة في ديسمبر 2016.
وفي عام 2017، قرر الكرملين، إطلاق مسار دبلوماسي آخر، في أستانا بكازخستان، برعاية تركيا وإيران، وهو المسار الذي تمكن من جلب المقاتلين في الجماعات المسلحة إلى طاولة المفاوضات للمرة الأولى، وكان المسار يهدف إلى وقف إطلاق النار ومعالجة مسائل المحتجزين في سجون الحكومة وتسهيل تقديم المساعدات للمدنيين.
إلا أن التطور الي خرجت به محاداث أستانا هو اتفاق مناطق التصعيد، والذي فشل إلى حد كبير حتى الآن.
وفي الآونة الأخيرة، فتحت روسيا مسارا جديدا للمحادثات في منتجع سوتشي على البحر الأسود، والذي أطلق عليه «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، المقرر عقده في أواخر يناير، ووفقا لعمر كوش المحلل السياسي السوري، يريد الروس تاطير الصراع في سوريا كحرب أهلية، وتريد في النهاية ضمان بقاء الأسد في سوريا.
وأضاف كوش، أن الصراع في سوريا، هو صراع حول التحول السياسي، إلا أن الروس يحاولون تغيير السرد، لهذا السبب تم تهميش محادثات جنيف، والتركيز على سوتشي، ويعتقد كوش أيضا، أن اجتماع سوتشي سيكون كما لو أن السوريين تجاوزا مرحلة الحرب ويدخلون الآن في مرحلة السلام، وإعادة الإعمار.
سيناريوهات مستقبلية
يقول محمد صبرا، مفاوض المعارضة السورية السابق، إنه في حين تشير التوقعات إلى أن إراقة الدماء ستكون أقل في 2018، إلا أن الثورة ستظهر بأشكال مختلفة إذا لم يرحل الأسد عن سدة الحكم، مضيفا أن تصعيد المعارضة جاء بعد عام ونصف من قيام الثورة، وكان التصعيد مطلبا للشعب السوري.
وبينما لا تزال المعارضة السورية تتلقى دعما لوجيستيا وماليا من الولايات المتحدة وتركيا وبعض دول الخليج، يعتقد «جيمس جلفين»، وهو أستاذ في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا، أن تلك المساعدات ستنخفض إلا أنها لن تنتهي، وهو ما يعني أن المعارضة ستواصل القتال لبعض الوقت.
وأضاف جليفن، أن معظم المكاسب الإقليمية التى حققتها الحكومة خلال العامين الماضيين، أنجزتها عبر حزب الله والميلشيات الشيعية، وليس عن طريق القوات الحكومية وحدها، مشيرا إلى أن المبعوث السابق لجامعة الدول العربية ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، كان محقا قبل سنوات، بعدما توقع أن تنتهي الحرب الأهلية السورية بـ«صوملة» سوريا، وقال جلفين «مثل الصومال، سيكون لدى سوريا حكومة معترف بها دوليا، لكنها لا تسيطر على كامل الأراضي السورية».