مستوى جديد من التصعيد بين مصر والسودان، بعد استدعاء الخرطوم سفيرها لدى القاهرة للتشاور، في إقرار بعمق الأزمة بين البلدين.
ووفق بيان للناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية، السفير قريب الله الخضر، فإن الاستدعاء اختصر فقط على مسألة التشاور دون إبداء أية مسببات أخرى.
وعقب الإجراء السوداني، قال أحمد أبوزيد، المتحدث باسم الخارجية المصرية، في بيان مقتضب، إنه «تم إخطار السفارة المصرية في الخرطوم اليوم رسميا بقرار استدعاء سفير السودان في القاهرة إلى الخرطوم للتشاور».
وأضاف أبوزيد أن «مصر الآن تقوم بتقييم الموقف بشكل متكامل؛ لاتخاذ الإجراء المناسب»، دون تفاصيل.
وتشهد العلاقات بين السودان ومصر توترا ومشاحنات في وسائل الإعلام؛ على خلفية قضايا خلافية عدة، أهمها النزاع حول المثلث الحدودي في حلايب وشلاتين، المستمر منذ سنوات.
ولم تمض سوى أيام على زيارة وفد من المخابرات المصرية للسودان والتي تلت اتهامات السودان لمصر بالمشاركة في دعم المتمردين في دارفور في مايو الماضي حتى تسربت بعض المعلومات بتفويج القاهرة قوات عسكرية إلى إرتيريا الجارة الشرقية للسودان.
وفيما يلي أبرز الملفات الخلافية بين مصر والسودان، والتي تسببت في تأزم العلاقات بين البلدين.
سد النهضة
يعتبر سد النهضة أكثر الملفات التي أحدثت خلافا بين مصر والسودان، والسبب الرئيسي في الخلاف الحالي؛ حيث اتهم السودان مصر، بأنها طالبت إثيوبيا بإقصاء السودان من مفاوضات سد النهضة، الأمر الذي نفته الحكومة المصرية، مؤكدة أنها لم تطالب بذلك.
وأحدث سد النهضة الإثيوبي خلافًا بين حكومتي مصر والسودان، بعد أن أخذت كل منهما مواقف غير موحدة من السد، ويبدو أن الخرطوم تدعم إثيوبيا، بينما ترى الأخيرة أن السد له فوائد عظيمة، وليس له أية مخاطر أو أضرار.
أعلنت وزارة الري السودانية، الثلاثاء الماضي، أن طلب مصر بإبعاد الخرطوم عن مفاوضات سد النهضة إن صحّ فهو غير قانوني.
وأوضح رئيس الجهاز الفني في وزارة الموارد المائية والري والكهرباء السودانية، عضو لجنة التفاوض في مشروع سد النهضة، سيف الدين حمد، إن الخرطوم «لم تتلق أي إخطار رسمي يفيد بطلب الحكومة المصرية من إثيوبيا إبعاد السودان عن مفاوضات سد النهضة».
وقال المسؤول السوداني إن بلاده لم يصلها أي إخطار رسمي بذلك.
فيما نقلت وكالة أنباء الأناضول التركية، عن مسؤول حكومي سوداني لم تكشف هويته قوله: «لا أستبعد طلب مصر تجاوز السودان في مفاوضات سد النهضة».
وفي المقابل، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار أحمد أبوزيد، صحة الأنباء التي نقلتها الصحف السودانية، وقال في بيان نُشر على صفحة الوزارة على موقع فيسبوك: «على العكس من ذلك تماما، فإن الاقتراح الذي تقدمت به مصر بطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، قد تقدمت به مصر بشكل رسمي للحكومة السودانية أيضا، وأن مصر تنتظر رد كل من إثيوبيا والسودان على المقترح في أقرب فرصة ممكنة».
حليب وشلاتين
أشتد الصراع بين مصر والسودان، ووصل إلى محاولة تصعيد السودان دوليا؛ حيث زعم السودان لسنوات طويلة تبعية مثلث حلايب وشلاتين المصري له، ما تسبب في سجال بين البلدين على المثلث الحدودي الواقع في جنوب مصر أدى إلى توتر العلاقات بينهما.
وظل السودان يطالب ويحاول جر مصر إلى التحكيم الدولي، إلا أن الرفض المصري كان يقابله دومًا؛ إذ لا يمكن اللجوء إلى المحكمة الدولية إلا برضا الطرفين وفقًا للقانون الدولي، وهو ما لم يحدث.
وسبق أن أعلن السودان تقديمه شكوى ضد مصر لدى مجلس الأمن الدولي بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية عام 2015 في حلايب وشلاتين، وأعيد فتح الملف بعد ذلك حين وقعت مصر مع السعودية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في إبريل العام الماضي.
وحول نزاع البلدين على مثلث حلايب الحدودي، قال البشير، في حواره مع قناة «العربية»: إن «مثلث حلايب ظل مثلثا سودانيا وفي أول انتخابات أجريت في 1953 أثناء فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري للسودان كانت حلايب دائرة سودانية ومصر كانت حاكمة ولم تعترض على ذلك».
وأوضح أن «الانتخابات عمل سيادي من الدرجة الأولى»، وأن حكومته «تجدد شكواها سنويا لدى مجلس الأمن وإذا هم أصروا على رفض التفاوض نحن مضطرون للذهاب إلى مجلس الأمن».
دعم المعارضة
اتهم الرئيس السوداني عمر البشير المخابرات المصرية بدعم معارضيه، مؤكدا في الوقت نفسه عدم إيواء بلاده أي قيادات إخوانية.
ولفت البشير، في مقابلة مع فضائية «العربية» الإخبارية، بُثت في 5 فبراير الماضي، إلى أن القاهرة أنكرت هذا الاتهام عندما طرحه عليها.
وأضاف «علاقتنا مع عبدالفتاح السيسي مميزة، وهو رجل صادق في علاقاته، لكن هناك مؤسسة المخابرات المصرية تدعم معارضين سودانيين».
وتابع: «عندما نطرح عليهم الأمر يحاولون أن ينكروا، لكننا نعطيهم الأسماء والعناوين ونحن لن نرد بدعم المعارضة المصرية».
وسيطر الغضب على الحكومة السودانية بعد تلقيها تقارير تفيد بأن مصر تدعم قيادات المعارضة السودانية وتسمح لهم بالبقاء على أراضيها.
ونشرت الصحف السودانية تقارير موحدة، في مارس الماضي، قالت فيها إن المخابرات المصريّة تكثّف لقاءاتها مع المعارضة السودانيّة، وكشفت عن أسماء الشخصيات القيادية في جبهات المعارضة، من ضمنها «حركة العدل والمساواة» المُقيمة في القاهرة.
وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين بعد مزاعم الحكومة السودانية أن القاهرة تدعم حركات التمرد في دارفور، وهذا ما رفضته القاهرة، وأكدت احترامها لسيادة السودان ووحدته، بحسب ما نقله موقع قناة العربية.
دعم جوبا بالسلاح
وعقب أسبوع من تلك الاتهامات، عاود الرئيس السوداني هجومه على مصر، لكنه هذه المرة ركز على اتهام الحكومة المصرية بدعم حكومة دولة جنوب السودان بالأسلحة والذخائر.
وقال البشير، في حوار مع عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية المرافقين له في زيارة للإمارات، بتاريخ 22 فبراير، إن لدى إدارته معلومات تفيد بأن القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية لا تقاتل في جنوب السودان لكنها تمد حكومتها بالأسلحة.
كما جدد البشير القول إن هناك مؤسسات في مصر تتعامل مع السودان بعدائية، متهما جهات، لم يسمّها، داخل هذه المؤسسات بأنها تقود هذا الاتجاه.
دعم مسلحي دارفور
وعاود الرئيس السوداني عمر البشير، اتهاماته لمصر، قائلا إن جيش بلاده صادر عربات ومدرعات مصرية كانت بحوزة مسلحين خلال المعارك الأخيرة في إقليم دارفور، غربي البلاد.
وأوضح البشير، في خطابه أمام احتفال بقدامى المحاربين في مقر وزارة الدفاع السودانية بالخرطوم، أن «القوات المسلحة استلمت عربات ومدرعات للأسف مصرية».
وأضاف «المصريين حاربنا معهم منذ 1967، وظللنا نحارب (ضد المتمردين) لمدة 20 سنة ولم يدعمونا بطلقة، والذخائر التي اشتريناها منهم كانت فاسدة».
وتابع البشير في تصريحاته اليوم: «المصريين لم يدعمونا بحجة أنها شؤون داخلية بكل أسف».