بمجرد أن وافق مجلس النواب، الأحد، على التعديل الوزاري، في جلسة طارئة لم تستغرق سوى دقائق معدودة، اتضحت ملامح اختيارات عبدالفتاح السيسي لقائمة الوزراء الجدد، والتي شملت لواءً عسكريًا متورطًا في وقائع فساد، ورئيسة لدار «الأوبرا» متهمة بإهدار المال العام ورئيسًا تنفيذيًا لشركة قابضة تُثار حولها العديد من علامات الاستفهام.
وفي وقت سابق من الأحد، وافق مجلس النواب، في جلسة طارئة، على تعديل وزاري محدود في حكومة عبدالفتاح السيسي، اقتصر على حقائب التنمية المحلية، والسياحة، والثقافة، وقطاع الأعمال العام، واختيار نائبين لوزير الإسكان، والصحة، دون أن يطاول رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، ووزير الإسكان القائم بأعمال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي.
وزير التنمية المحلية
أول اختيارات السيسي كان اللواء أبوبكر الجندي والذي أسند إليه حقيبة وزارة التنمية المحلية، والذي يترأس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) منذ العام 2005، وجرى التجديد له سنويا لمدة 12 عاما، على الرغم من تقدم العاملين في الجهاز ببلاغات عدة تتهمه بالفساد إلى النائب العام.
وتقدم العاملون في الجهاز، ديسمبر الماضي، ببلاغات عن فساد الجندي، حملت أرقام: 1172/ النائب العام، و2310/ نيابة مدينة نصر، و5678/ عرائض للنائب العام، و227/ النيابة الإدارية، علاوة على بلاغين سابقين، حملا رقم (2143/ نيابة الساحل)، بتاريخ 25 يونيو 2012، و(2869 نيابة مدينة نصر)، بتاريخ 30 مايو 2012.
واتهم العاملون في بلاغاتهم الجندي بإهدار المال العام بموجب حديث الجندي نفسه في برامج حوارية، واعترافه بمسح 243 مليون بيان من قاعدة بيانات المواطنين، نتيجة فشل شركة عالمية (تعاقد معها) في تقدير الحجم الكبير للبيانات، وتورط شركة أخرى، في تصميم «أبليكشن التابلت» الخاص بالإحصاء السكاني.
لكن الجندي عزى الخسائر إلى الشركة، مؤكدا أنها لم يكن لديها سابق خبرة في إدارة مشروع بهذا الحجم، وكانت «بتتعلم فينا»، وتواجهها مشكلات، استدعت الاستعانة بخبراء من الخارج، وهو ما تسبب في تأخر إصدار الجهاز للإحصاء الأخير عن أعداد السكان، حسب قوله، فضلا عن تطرق البلاغات إلى عدم تسلم المئات من الشباب المشاركين في المسح السكاني مستحقاتهم المالية، التي تعاقدوا على أساسها.
الجندي من مواليد العام 1949، وشغل منصب قائد الجيش الميداني الثالث، ورئيس فرع العلاقات مع أميركا بوزارة الدفاع، قبل إحالته إلى التقاعد، واشتهر بتصريحاته المستفزة لمشاعر المواطنين؛ إذ قال في لقاء إعلامي سابق إن «المواطن المصري يستطيع أن يعيش بـ322 جنيها شهريا، أي نحو 11 جنيها في اليوم، وأن 482 جنيها تكفي المسكن والملبس والمواصلات».
وزيرة الثقافة
أما منصب وزير الثقافة، فكان من نصيب رئيسة دار «الأوبرا» إيناس عبدالدايم، وهي الأخرى لم تنج من اتهامات تتعلق بالفساد المالي، وإهدار المال العام، بحسب ما ورد في طلبات إحاطة مقدمة من أعضاء البرلمان، وحديث سابق لوزير الثقافة المُقال، حلمي النمنم.
واتهم النمنم، عبدالدايم، بالفساد المالي، في حوار مع موقع «إيلاف» العام الماضي قال فيه: «دار الأوبرا تبيع 25 تذكرة فقط في اليوم، وباقي الحضور يكون من خلال الدعوات.. وما يحدث هو إهدار للمال العام، في حين تنفق الدار 150 ألف جنيه سنويا على المطبوعات، و122 ألف جنيه على أنشطة قاعة سيد درويش بمحافظة الإسكندرية، من دون مردود».
كما تقدم المتحدث باسم حزب «الوفد»، النائب محمد فؤاد، بطلب لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في وقائع إهدار المال العام في وزارة الثقافة، للوقوف على آلية عمل صندوق تمويل «الأوبرا»، وجهة اعتماد الصرف، والمركز المالي للصندوق، وحسابه الختامي، من دون استجابة من رئيس البرلمان، بعدما أشار إلى مخالفة «عبدالدايم» لوعدها الخاص بإفادة مجلس النواب بمستندات عن أوجه الصرف.
وبحسب بيان عاجل لمحمد فؤاد، فإن «عبدالدايم» لم ترسل أية مستندات إلى اللجنة المختصة في البرلمان، درءًا لشبهة الفساد في الملفات المنوطة بها، ما يمثل «عدم اكتراث منها بدور مجلس النواب الرقابي»، مطالبا الجهات الرقابية بفتح التحقيق في وقائع إهدار المال العام بدار الأوبرا، بالنظر إلى وجود مستندات توثق العديد من وقائع الفساد داخل الدار.
وزير قطاع الأعمال العام
كذلك خالد بدوي الذي اختير في منصب وزير قطاع الأعمال العام، يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركة «الأهلي كابيتال»، الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي المصري، والتي طالتها ملفات الفساد في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.
وأسست «الأهلي كابيتال» كشركة قابضة برأسمال مرخص 40 مليار جنيه، وتمتلك حاليا مساهمات مباشرة في 13 شركة تعمل بقطاعات الكيمياويات، والبتروكيماويات، والحديد والصلب، والأسمدة، والإسمنت، والزراعة، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، من خلال اتصالها المباشر بالبنك الأهلي المصري، الذي يتمتع بأكبر قاعدة عملاء بالجهاز المصرفي.
كما تولى بدوي منصب العضو المنتدب لشركة «أزاكو»، المملوكة لمجموعة «القلعة» القابضة للاستثمارات، التي هي الأخرى ألحقت بها تهم فساد؛ ففي مطلع عام 2013، تقدم سيد محروس -مالك إحدى الشركات بالإسكندرية- ببلاغات إلى الرقابة الإدارية، ومباحث الأموال العامة، والبنك المركزي، ضد بدوي، والمدير المالي لشركة «أزاكو»، عهدي خيرت، لقيامهما ببيع قطعة أرض مملوكة للشركة، بما عليها من معدات ثقيلة، لإحدى شركات منطقة برج العرب، بعد القيام بتصفية أعمالها، وبيع أراضيها، ومعداتها، للتهرب من مديونيتها.
وكشف تقرير سابق للجهاز المركزي للمحاسبات، أن الشركة ضمنت أرباحا ناتجة عن عملية البيع لمساهمات البنك الأهلي في 6 شركات، بقيمة 4 مليارات و281 مليون جنيه، على الرغم من أن الأسهم نفسها قد انتقلت من محفظة استثمارات البنك إلى محفظة استثمارات الشركة، التي يسهم البنك فيها بنسبة 98.95%، ومن ثم لا تنتج عن عملية البيع إيرادات.
وأظهرت تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا في قضية شركة «الأهلي كابيتال»، المدرجة تحت رقم 591 لسنة 2011، أنه لا يمكن أن يبيع البنك شركات تابعة لنفسه، ويحقق مكاسب يضيفها إلى قائمة الإيرادات، خاصة أن ميزانيات للبنك الأهلي مجمعة عن الأعوام 2008، 2009 و2010، تبرز أن البنك تكبد خسائر كبيرة، ولم يحقق أرباحا، كما تدعي إدارة البنك.
وزيرة السياحة
وأخيراً، جاء اختيار المستشارة الاقتصادية بصندوق النقد الدولي، رانيا المشاط، لمنصب وزير السياحة، والتي شغلت منصب وكيل محافظ البنك المركزي للسياسة النقدية، في الفترة من أغسطس 2005، وحتى مايو 2016؛ إذ كانت من ضمن فريق التفاوض على برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي لمصر بين عامي 2011 – 2013.
وتولت المشاط مسؤولية تنسيق العلاقات بين البنك المركزي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسات التقييم ووكالات التصنيف الائتماني؛ حيث لعبت دورا مهما في عملية تحرير سعر صرف الجنيه، التي أفقدت العملة المحلية نحو 70% من قيمتها، وتبعتها موجة ارتفاع غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات أثقلت كاهل المصريين.