طالب الكاتب البريطاني «جوناثان ستيل» الولايات المتحدة وروسيا بالتوقف عن إدخال سوريا في ألاعيبهما السياسية، خاصة بعد سبع سنوات من الحرب التي أنهكتها، ودعوة جميع الأطراف إلى ضرورة التوصل لحل سلمي لمشكلاتهم هناك؛ بعدما كانت أدوراهما هناك أحد الأسباب الرئيسة لاحتدام الصراع واستمراره حتى الآن.
وأضاف، في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، أنّ الوجود الأميركي في سوريا غير قانوني وغير مبرر، وأعلنت واشنطن أنّ الولايات المتحدة ستبقي ألفي جندي أميركي في سوريا إلى أجل غير مسمى؛ ما يمثّل منعطفًا آخر سيئًا للحرب السورية التي دامت لأكثر من سبع سنوات، كما تسلط الضوء على تباين السياسة الأميركية وتهورها.
وكان أحد الأساب المعلنة لإبقاء الوقات الأميركية الخاصة في سوريا أنّ الولايات المتحدة تريد منع عودة «تنظيم الدولة» مرة أخرى، كما أنها تحتاج إلى منع الاختراق الإيراني لسوريا؛ والحجتان معيبتان.
سقوط تنظيم الدولة
قُضي على خلافة تنظيم الدولة وقتل معظم قادته الرئيسون؛ لذا فإنّ منع ظهوره مرة أخرى يعتمد في الأساس على دولتي سوريا والعراق وليس الولايات المتحدة. وإذا تبنّت بغداد سياسة شاملة وغير طائفية، وعملت بشكل لائق لإعادة بناء المدن والقرى المدمرة ذات الأغلبية السنية التي كان يحتلها التنظيم؛ فإنه سيعجز عن العودة مرة أخرى والسيطرة على هذه الأراضي، خاصة وأنّ هناك دعمًا شعبيًا للحكومة العراقية الآن لمنع عودته؛ وبالتالي القادم يتحمله الساسة هناك.
وبالنسبة إلى نفوذ إيران في سوريا، فإنه نشأ نتيجة الحرب الأهلية والتهديد الذي شكّله تنظيم الدولة والقوات المعارضة لحكم بشار الأسد. وكانت سوريا قبل الحرب بسنوات دولة قوية وتعمل بشكل طبيعي، وكان دور إيران وسلطتها فيها ضئيلين للغاية.
لكن، بعد تعرّض بشار الأسد إلى ضغوط شديدة؛ تمكّنت إيران من أداء دور حيوي في استعادة سيطرتها على معظم المدن السورية. ولأنّ وجود تنظيم الدولة في دمشق يمثًل تهديدًا لها؛ كان لزامًا على إيران التدخل لمنع هذا التهديد.
وبعد القضاء على خطر تنظيم الدولة، يتوقع الإيرانيون مكافآت سياسية. وأفضل طريقة لتعزيز استقلال دمشق عن طهران الآن تقليل الحاجة إلى بقاء القوات الإيرانية في سوريا، والعمل على إنهاء الحرب هناك وإعادة بناء الدولة وحفظ الاستقرار فيها.
والتهديد بإبقاء القوات الأميركية في سوريا سيؤدي بالتأكيد إلى نتائج عكسية، ويشكّل انتهاكًا للقانون الدولي؛ إذ لم تدع الحكومة السورية الولايات المتحدة، كما لا يوجد أي قرار للأمم المتحدة يعطي بقاءها هناك شرعية.
الضغط العسكري على النظام السوري
بعيدًا عن الأسباب المذكورة، يبدو أنّ وجود القوات الأميركية في سوريا بعد أن هزم «تنظيم الدولة» يهدف إلى إبقاء الضغط العسكري على الجيش السوري؛ ما يعني أنّ الولايات المتحدة يمكنها في وقت ما زيادة التزامها ومحاولة إسقاط الأسد، وأيضًا تشجيع قوى المعارضة غير الإسلامية على مواصلة نضالها العسكري غير المجدي.
وبدلًا من قبول حقيقة أنّ حكومة الأسد استعادت سيطرتها على قلب سوريا، وأنّ معظم السوريين -بمن فيهم أولئك الذين كانوا يأملون في مغادرة رحيل الأسد- يريدون الآن إنهاء الحرب؛ تبقي الولايات المتحدة الاختيار العسكري مطروحًا على الطاولة. وهذا سيشجع السياسين المعارضين في محادثات جنيف على الاستمرار في رفض الحلول الوسطية، وتخفيف مطالبهم بموافقة الأسد على التنحي قبل إجراء أي مفاوضات على أي دستور جديد أو إجراء انتخابات.
أيضًا، موقف واشنطن تجاه القوات الكردية السورية ووحدات حماية الشعب، التي ساعدت في هزيمة تنظيم الدولة، أمر غير متماسك؛ فالولايات المتحدة تدعم أنشطتها العسكرية المستمرة في شمال شرق سوريا.
من ناحية أخرى، مكالمات الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم تسفر عن كثير، خاصة في إدانة تركيا على غزوها لشمال سوريا؛ ويبدو أنّ تركيا مصممة بالفعل على مواجهة وحدات حماية الشعب وطردها؛ لذلك استهدفت منطقة عفرين وأعلنت عزمها على خوض أنشطة عسكرية إضافية في مدينة منبج، ويتوقع أن تستمر إلى كوباني.
كما إن موقف وحدات حماية الشعب تجاه حكومة الأسد غامض؛ إذ تنتقده لفظيًا وبين الفينة والأخرى هناك اشتباكات مع القوات الحكومية السورية. لكن، يُلاحظ أن الجانبين متفقان ضمنيًا على ألا يعتدي أحدهما على الآخر بشكل منظم.
الحكم الذاتي الكردي
حذّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم من أن دمشق ستقبل بحكم ذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا، وقال إنّ الحل الأفضل أن تصدر الولايات المتحدة وروسيا بيانًا مشتركًا يؤيد فكرة الاتحاد الفضفاض وضمان مشاركة وفد كردي سوري في جنيف بقيادة الأمم المتحدة.
وبدلًا من اتباع اختيار عسكري مكلف؛ يجب إقناع أردوغان بقبول حل مماثل للحكم الذاتي للأكراد جنوب شرق تركيا، حيث يوجد حزب العمال الكردستاني.
الدور التركي
وقضى المسؤولون الأتراك عامين في التفاوض مع الزعيم المسجون لحزب العمال الكردستاني «عبدالله أوجلان» حتى أوقف أردوغان المفاوضات في 2015؛ في محاولة للفوز بأصوات القوميين في تركيا. لكن، بعد إعادة انتخابه بشكل آمن؛ يجب عليه سحب قواته من سوريا وإحياء محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني.
كما يجب على روسيا أن ترسل رسالة مماثلة إلى أردوغان، وإلا فالتكتيكات الروسية في سوريا ستشوش بسبب الاختلاف مع تكتيكات الولايات المتحدة. وبدلًا من إعطاء الضوء الأخضر الضمني لأردوغان لغزو شمال سوريا؛ يجب على موسكو أن تدين أفعاله وتحثه على الانسحاب.
والدور العسكري التركي في سوريا غير مشروع، إلا فيما يتعلق بضمان تدفق المسلحين عبر أراضيها. ومنذ السنوات القليلة الأولى من الحرب الأهلية، وبعد سبع سنوات من الحرب، بدا أنّ الصراع في سوريا آخذ في التراجع؛ ما يتيح فرصة لملايين المدنيين المشردين للعودة إلى ديارهم، بعدما فرّ مئات الآلاف من السوريين من مختلف الأقليات الإثنية من مدنهم إلى منطقة عفرين، التي كانت واحة للسلام حينها؛ وعلى الولايات المتحدة وروسيا التوقف عن استخدام سوريا رهينة في لعبتهما.