قالت صحيفة «صنداي إندبندنت» إنّ المجتمع السعودي مترقّب لنتائج التغيّرات الاجتماعية المتخذة ببطء، خاصة أنها تتعارض كليًا مع الطبيعة الثقافية للمجتمع، القائم على نظام الوصاية والقبلية والتفسيرات المتشددة للإسلام، وما يأمله ابن سلمان سينقلب ضده في النهاية؛ خاصة أنّه لا يمتلك رؤية واضحة لكيفية تطبيق ما أعلن عنه في رؤيته 2030.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ كثيرًا من الشباب السعودي على ارتباط بتنظيمات إرهابية كـ«القاعدة» و«الدولة»، ومن غير المرجح أن تمر التغييرات الاجتماعية بينهم بسهولة؛ ما سيعرّض أمن المملكة للخطر. كما أنّ رؤيته لا تشمل أي شيء عن القيم الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، والمطالبة بأمور كهذه بمثابة إعلان للحرب.
وقبل أن يتولى رسميًا منصب الملك، قدّم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جدولًا إصلاحيًا، طالبًا من السعوديين أن يثقوا فيه وفي قدراته على إجراء التغييرات التي وعد بها؛ عبر تحرير الاقتصاد المعتمد معظمه على النفط، والسماح بالانتقال إلى جانب آخر اجتماعيًا لكن بطريقة تدريجية.
ما يفعله ابن سلمان يذكّر ببدايات حكم بشار الأسد، التي انتهت بحرب أهلية؛ فحينما تولى رئاسة سوريا خلفًا لوالده حافظ وعد بمزيد من الحريات والانفتاح، لكنّ الأمر كان مخيبًا لآمال السوريين في النهاية، وأخذت الأمور في التدهور إلى أن اندلعت الثورة السورية في 2011؛ بدافع التمييز المتفشي في المجتمع السوري وانعدام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وانعدام العدالة.
وكان بإمكان بشار الأسد أن يتجنب مجازر اليوم، إذا تمكن من تحقيق مقايضة صغرى مع الشباب والمتعلمين، الذين تغافل عنهم طوال مدة حكمه.
وبخصوص العقد الاجتماعي الجديد في السعودية، اتفق ولي العهد مع مجتمعه على صياغة رؤية تحمل عنوان «2030»، يقر فيها رسميًا بأنّ 32 مليونًا من السعوديين، البالغ عددهم 70 مليونًا، تقل أعمارهم عن 30 عامًا، وكلهم مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي ويعترفون بالتناقضات في حياتهم وحياة أقرانهم الذين يعيشون في أماكن أخرى غير السعودية.
ومنذ وقت طويل، خرجت مطالبات بضرورة إرجاء التغييرات الاجتماعية، ومعالجة أوجه التمييز الاجتماعية والاقتصادية أولا داخل المملكة. وفي ظل هذا الوضع، كيف يمكن للمرء أن يحدث التغييرات المطلوبة بشكل سريع لمعالجة مشاكل السكان المحبطين، بجانب جعل السعودية مقبولة خارجيًا وموثوقًا فيها، وأن تكون بعيدة عن التفسيرات المتشددة للنصوص الإسلامية؟».
الوضع كما هو عليه
في سبتمبر الماضي، أصدرت وزارة الأمن العام مرسومًا يسمح للمرأة بالقيادة. وكان تنازلًا بسيطًا استهدف ابن سلمان منه جذب النساء إلى رؤيته، وتمكينهم من الدخول في نشاطات اقتصادية تخرجهم ببطء من براثن الفقر. لكن، ترى السعوديات أنهن ضحين بحياتهن المهنية وعانين من إساءات بالغة. وقالت «مديحة العجروش»، قائدة أولى احتجاجات نسوية في السعودية عام 1990، إنّ السيارة رمز للنساء للتعبير عن حاجتهن إلى فرص للعمل والتنقل والاستقلال.
وأضافت: «كنت خائفة جدًا حينما قررت و47 امرأة أخرى قيادة 14 سيارة أمام سوبر ماركت كان لديه موقف كبير للسيارات في شارع الملك عبدالعزيز، وقررنا أيضًا أنّ نواصل القيادة بين الصلوات حتى لا نواجه الرجال أثناء عودتهم من المساجد»، وتضيف أنهن وصفن بالعاهرات والبغايا، وشُرّد من يعملن منهن في وظائف؛ وحتى يومنا هذا لم يتمكنّ من العودة.
وتابعت أنّها كانت تمتلك كاميرا في ذلك الوقت، وبعد أن قبض الأمن السعودي عليهن حطّم الكاميرا؛ لكنها كانت ممتنة لزوجها الليبرالي، حينها كانت صغيرة ولديها طاقة لمحاربة رد الفعل العنيف.
وأضافت مديحة، في حديثها لـ«صنداي إندبندنت» من داخل غرفة معيشتها في الرياض، إنّها فقدت وظيفتها طبيبة نفسية استشارية، وتقليص سلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المكسب الوحيد الحقيقي حتى الآن، وهي جماعة كانت لديها سلطة إذلال ومعاقبة أيّ امرأة أو رجل يبادر بتصرف يرون أنه غير إسلامي، وعقوباتهم شديدة، وصلت إلى الجلد حتى الموت في أحيان؛ وهذه العقوبات جعلت الغرب يركّزون مع السعودية وما تفعله.
كما وصفتها بأنها كانت نوعًا من الهمجية، والغرب لديه سحر في كيفية معاملة الناس حتى المدانين منهم بطرق آدمية غير التي تتبعها السعودية.
وأضافت أنه بجانب ذلك، ما زال نظام الوصاية على المرأة السعودية قائمًا؛ بالرغم من أنه انخفض بشكل كبير. وهذا النظام يؤصل لمعاملة المرأة كطفل، فلا تستطيع مغادرة البلد أو المنزل، وحتى لا يمكنها العمل، إلا في حالات الطوارئ وبإذن الوصي: الأب، ثم الأخ إذا تعذر وجود الأب، وبعد ذلك الزوج إذا تزوجت، وبعد الزوج الابن؛ ولذلك المرأة بهذه الطريقة تتعامل معها كطفلة لم تتجاوز 12 عامًا.
وأكدت مديحة أنّ التناقض داخل المملكة السعودية مروع، وفي ظله يتعين على النساء أن يبقين سجينات داخل الحبس الخاص بهن، حتى إنّ استراتيجية 2030 لم تتناول هذه النقطة؛ وهو ما يعني استمرار الوضع كما هو عليه.
أشياء لا تريدها الدولة
ويقول المحلل السعودي «أمين دين» إنّ التقدّم بطيء للغاية فيما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية، بينما المطالبة بتطبيق الديمقراطية ومشتقاتها تعد إعلان حرب على الحكومة؛ وهي أشياء لا تريدها الدولة مطلقًا، مضيفًا أنّ الديمقراطية ثقافة، والناس في حاجة إلى أن يكونوا مستعدين لها، وبالنظام القبلي الموجود في السعودية أتوقع أن تنشب صراعات لا قِبَل لهم بها، ولم يستبعد المحلل أن تنشب حرب أهلية نتيجة لذلك.
ناهيك عن أنّ السعودية يوجد فيها أعداد كبرى من الشباب المرتبطين بتنظيمي الدولة والقاعدة؛ إذ يبلغ عدد السعوديين المعروف أنهم انضموا إلى تنظيم الدولة خمسة آلاف، أو 145 من بين كل مليون سعودي؛ وجعل المجتمع السعودي متحررًا بطريقة سريعة سيأتي بنتائج عكسية تمامًا وسيعرّض أمن المملكة للخطر.
وطالب «أمين» ولي العهد السعودي بضرورة دراسة الإصلاحات التي أعلن عنها في رؤيته بعناية فائقة.
ولا يتعلق برنامج ابن سلمان بتعزيز الديمقراطية الغربية، وهو ما أكده وزير سعودي في حديثه لصحيفة «صنداي إندبندنت»، قائلًا: «إننا نحدّث المملكة، لكن ليس على الطراز الغربي»، مضيفًا أنّ القوانين ستستند إلى الإسلام لأنه ديننا.
وبالرغم من أنّ النساء في معظم البلدان الإسلامية يرتدين ملابس محافظة، سواء حجابًا أو نقابًا؛ فهذا الزي إلزامي في السعودية، حتى يجب عليهن ارتداء قفازات تغطي أيديهن، لكنّ النساء الأجنبيات غير مطالبات بذلك. ومعظم الوافدات إلى السعودية يضطررن إلى فعل ذلك تحاشيًا للنظرات. وتقول مديحة: إنّ النساء في السعودية إذا لم يتسترن مكانهن الجحيم.
يأتي هذا في الوقت الذي تحظر فيه دول أوروبية (كفرنسا) النقاب؛ لأنه ينتقص من المرأة ويدل على العنصرية والاضطهاد.