«توفي جائعًا، لم يأكل. على الأقل، هناك طعام في السماء»، خرجت هذه الكلمات من أم سورية تقف بجانب طفلها الذي مات جائعًا لأنه لم يتلق طعامًا لأيام في منطقة الغوطة الشرقية، التي يستمر فيها قصف النظام السوري وحليفته روسيا للمنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة.
بهذه المقدمة بدأ الكاتب الأميركي «كولبير كولوبي»، الحائز على جائزة بوليترز، مرثيته في صحيفة «واشنطن بوست» وترجمته «شبكة رصد». ويضيف أنّ كل ما فعلته الأم «البكاء؛ فهي لا تمتلك طعامًا لتقدمه لابنها الجائع، في عالم يبدد كثيرًا من الطعام الذي يستهلكه، بينما يموت هذا الطفل الصغير جائعا. هذه هي سوريا، مجرد مكان واحد في منطقة تملؤها الصراعات؛ إذ يموت الناس طوال الوقت، وتتساقط القنابل كالمطر من السماء؛ حتى إنّ القبور نفدت ولم يعد هناك مكان لدفن الموتى».
وما يدعو إلى القلق في سوريا أنّ المليشيات المسلحة، بجميع اختلافاتها وانتماءاتها، تجوب الشوارع باستمرار في سوريا، بينما لا يحدث هذا مطلقًا في أميركا؛ لأنّ مواطنيها لا يعيشون في خوف من تساقط الصواريخ النابالم والأسلحة الكيميائية، ولا يعانون من نقص في الغذاء أو المياه، وليسوا مضطرين للبحث عن جثث أبنائهم وذويهم بين أنقاض البيوت المهدمة في الشوارع والأزقة.
لكن، بالرغم من ذلك، الناس هنا في أميركا يموتون أيضًا قبل وفاتهم؛ يموتون في الشوارع والمدارس والسينمات وحفلات الرقص، يموتون في الشوارع المظلمة وفي الأزقة، يموتون على أيدي أشخاص غير مسلحين بالقنابل اليديوية والأحزمة الناسفة؛ بل بمسدسات وبنادق وسكاكين ومواد أفيونية، وهو ما يدعو الأميركيين إلى القلق فعلًا.
قال لي معلمي ذات مرة إنّ «الناس هنا يموتون بسبب إيجار الشهر المقبل، يموتون بسبب نتائج التحاليل الطبية، يموتون لتخليهم عن قلب مجروح، يموتون بأسلحة فارغة، يموتون لحياة بلا خوف؛ والمكان الوحيد الذي لا يموتون فيه هو المكان الذي لا يعيش فيه أحد».
مأساة أميركية أخرى
وبالعودة إلى طفل الغوطة الشرقية الجائع، نجد أنه لم يرتكب ذنبًا؛ «طفل بريء لم يفعل شيئًا، صغير جدًا على الكراهية. لا يمكن أن يؤذي أحدًا؛ لكنه ضعيف جدا على العيش. مات جائعا»، هكذا قالت والدته.
قالت الأم المكلومة كلماتها في بلد ألقت فيه أميركا أكثر من 7.7 مليارات دولار في شكل مساعدات إنسانية، وسواء كانت الأم تعرف ذلك أم لا فأميركا تشارك في سوريا حاليًا بمائتي جندي؛ لذلك ما يحدث لها، وما حدث لطفلها الميت، وما أصاب الغوطة من مذابح، يرتبط بأميركا بطريقة أو بأخرى.
وتابعت: طالبنا هنا في واشنطن الرئيس السوري بشار الأسد بضرورة التخلي عن سلطته، وتحت قيادة باراك أوباما وضعنا أفراد للاستخبارات الأميركية على الأرض السورية في 2013 لتدريب المعارضة السورية المعتدلة؛ لكنّ انسحابهم جاء لصالح روسيا، وحتى الآن لا يستطيع ترامب فعل شيء لإيقاف المجازر.
وأكد مسؤولون أميركيون مؤخرًا أنهم يعتزمون الاستمرار في الاحتفاظ بـ28% من الأراضي السورية بالشراكة مع القوات التي يقودها الأكراد. وأكّد «جوناثان سباير» في مجلة «فورين بوليسي» أنّ هذه الخطط تتعارض بشكل أساسي مع الفاعلين الدوليين الرئيسين في سوريا، التي مزقتها الحرب.
ما تفعله أميركا حاليًا وما تؤكد عليه يذكران بمأساتها في أفغانستان؛ إذ انخرطت في حرب لأكثر من 17 عامًا وما زالت مستمرة حتى الآن، وتكلّفت قرابة تريليون دولار. وبالرغم من ذلك، تسيطر قوات طالبان الآن على أجزاء كبرى من أفغانستان؛ بينما مزيد من القوات الأميركية في الطريق!
تتكرر المأساة الآن في سوريا. لذا؛ عندما تمر من أمامك وأنت جالس في أميركا قناة إخبارية تعرض لقطات دموية ولقطات دمار من كل زاوية في الشرق الأوسط فمن فضلك لا تدر القناة، قف وشاهد جيدًا؛ فأميركا لها دور في هذه المآسي، فالطفل الذي مات جائعًا كان يمكن إنقاذه، لكنّ رحيله من جحيم الأرض كان خيرًا له، على الأقل سيجد طعاما في السماء.