أكدت صحيفة «ميدل إيست آي»، أن الانتخابات الحالية ما هي إلا عملية مصادرة للوطنية وإقصارها فقط على المصوتين للسيسي، الذي أثبت أنه أكثر قمعية من مبارك، وعقدت مقارنة في مقال للكاتب المصري «مهند صبري» الخبير في الشأن الأمني وقضايا سيناء، بين أول انتخابات ديمقراطية اجريت في مصر في العصر الحديث في 2012، وبين المسرحية الحالية التي يا يمكن وصفها بأقل من مسرحية أو مهزلة.
وتابع صبري، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، كنت في مدينة سلوم الحدودية، في مارس 2011، عند المعبر الحدودي بين مصر وليبيا تحديدا، استعدادا للإدلاء بصوتي في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أجراها المجلس العسكري الذي كان يتولى الفترة الانتقالية آنذاك، مع شركاءهم من جماعة الإخوان المسلمين.
أذكر أنني وقفت في طابور من رجال القبائل الذين يرتدون العمامات، وحينها كنت أتلقى نظرات تهديدية ربما لأن الواقفين افترضوا بطريقة ما أنني سأصوت بـ«لا» على التعديلات التي أكد رجال الدين حينها أنها ضرورية للحفاظ على هوية مصر الإسلامية.
ورغم الانتهاكات التي شابت عملية الاستفتاء حينها، وأثارها على مصر بعد 2011، إلا أنه كان استفتاءا حرا أولا وأخيرا، حرا وعادلا يعكس قوة مختلف الفصائل السياسية والثقافية الثورية المصرية، ويمكن وصفها فعلا بأنها كانت عملية ديمقراطية، تلتها انتخابات برلمانية في نوفمبر 2011، ثم الانتخابات الرئاسية في 2012.
الماضي مقابل الحاضر
ورغم حالة عدم الاستقرار والانقضاء التدريجي على مطالب ثورة يناير في ميدان التحرير، إلا أن انتخابات 2012 ظلت اللحظة التي نفتخر بها في تاريخ مصر الحديث، ورأينا شباب ليبراليين مستقلين تحت قبة البرلمان، بعد عقود من استحواذ الديكتاتوريين وأتباعهم عليه.
وشن حينها الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، والذي كان ينتمي لجماعة الإخوان حينها، حملة ضد شركاء حياته، محمد مرسي وخيرت الشاطر، كما تمكن اليساري حمدين صباحي من رفع راية اليسار في مواجهة الراية الإسلامية، وشارك خالد علي أيضا بدعم من النقابات العمالية التي دافع عنها باستمرار أمام المحاكم.
وكانت انتخابات حرة ونزيهة، رغم عدد من الانتهاكات التي شابتها حينها، لكنها على كلٍ، كانت انتخابات ديمقراطية شاركت فيها أجهزة الكومبيوتر المحمولة والكاميرات، وأجريت المقابلات بحرية مع الناخبين والمراقبين، ومضيفا «هي انتخابات لا تتشابه مطلقا مع ما يحاول الحاكم العسكري الحالي لمصر، عبدالفتاح السيسي، تسويقها إلينا باعتبارها انتخابات».
وأضاف، أن السيسي ظهر في مقابلة تلفزيونية مؤخرا بملابس غير رسمية، مجيبا على أسئلة المخرجة ساندرا نشأت، قبل أيام من بدء عملية التصويت في العملية الانتخابية التي وصفها مراقبون ومحللون في مصر والعالم بأنها «مهزلة»، قائلا «أتمنى لو كان هناك 10 مرشحين».
سحق المنافسين السياسيين
لكن ما فشل السيسي في الإشارة إليه، وبالطبع لم تجرؤ ساندرا نشأت على ذكره، هو أن أحمد شفيق كان زميل السيسي منذ فترة طويلة تحت حكم حسني مبارك، ثم تم ترحيله من الإمارات إلى القاهرة، بأسلوب فضائحي، فقط لأنه أعلن نيته الترشح للرئاسة، كما لم تذكر نشأت، سامي عنان رئيس الأركان الأطول في مصر، وقائد السيسي السابق، والذي سجن في مكان مجهول بسبب رغبته في الترشح للرئاسة.
وتستمر القائمة وتطول، لتشمل خالد علي المحامي الحقوقي الذي اعتقل عدد من أفراد حملته، والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الذي زج به في السجن.
لكن لا يعد سحق المنافسين وضآلة الفرص المتوافرة أمام المعارضة، هي السبب الوحيد وراء نفي صفة انتخابات عن الانتخابات الحالية، بل خوف المواطنين في جميع انحاء مصر على حياتهم إذا ما تجرأوا على الاعتراض بصوت عل على السيسي، فالنقاشات السياسية الساخنة التي شهدتها أعوام 2011 و2012 خارج مراكز الاقتراع بين ممثلي مختلف الأحزاب وحتى الناخبين، تعد الآن خطرا متهورا، يؤدي إلى الاحتجاز أو المصير المجهول.
حيث يتميز النظام المصري حاليا بالإخفاء القسري والتعذيب ولصق اتهامات من قبيل تمويل منظمات او الانضمام لخلية إرهابية، وهي عدد محدود من السيناريوهات التي يواجهها المصريون حاليا.
إلى ماذا يتطلع؟
في الوقت الحالي تقطعت السبل بمئات الآلاف من الناخبين في شمال سيناء، بسبب العملية المسرحية المسماة زورا باسم «العملية العسكرية الشاملة.. سيناء 2018» التي أطلقها قبل أسابيع من بدء مسرحية الانتخابات، في محاولة لاستعادة شعبيته المتضائلة.
وفي الوقت الحالي يحتفل المدنيون في سيناء، إذا فقط تمكنوا من الحصول على لتر من الحليب أو بعض الطماطم، أو السماح لمريض سرطان بالسفر خارج شبه الجزيرة المحاصرة لتلقي العلاج الكيميائي، فيما يتوسل السياسيون والشخصياتا لمجتمعية للسلطات من أجل السماح بزيادة افمدادات الغذائية إلى الأسواق المحلية.
كل ذلك يحدث، رغم ان المصريين هم من ألهموا العالم حينما وقفوا في ميدان التحرير في يناير 2011، مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ووضع حد للموت تعذيبا وقهرا في زنزانات أمن الدولة في عهد مبارك، والذي بعد ثلاثة عقود من الديكتاتورية وقبضته الحديدية، تخطاه السيسي في ظرف عامين فقط.
فيما يبدو المصريون عاجزون اليوم، خاصة أمام تطلعات المستبد بفترة أخرى في السلطة، مدركين جيدا أن مراكز الاقتراع الحالية وصناديق الرؤية والحبر الدائم، ما هي إلا مضيعة للوطنية.
فالمصريون يستحقون ديمقراطية، مبنية على استدامة، أم مهزلة لا تمت للديمقراطية بصلة، ولكي نكون صادقين، سنستعيد مقولة عمر سليمان الشهيرة «المصريون غير مستعدين للديمقراطية الآن».