أكدت صحيفة «ميدل إيست مونيتور»، أن الديمقراطية التي يحاول عبدالفتاح السيسي ومؤيديه الترويج لها حاليا، ما هي إلا ديمقراطية زائفة ووهمية، جاء ذلك في مقال لـ«إبراهيم فودة» الكاتب السياسي، مؤكدا أن أفعاله قادت لأن تزيد شعبية الدكتور محمد مرسي، الذي أطيح به في انقلاب 2013.
وتوقع الكاتب أيضا أن حكم عبدالفتاح السيسي لن يدوم طويلا، مسلطا الضوء أيضا على التغير في الموقف الغربي قبل 2010 وبعده فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات، موضحا انهم دعموها ودأبوا على المطالبة بها بجانب مطالبتهم باحترام حقوق الإنسان، أما الآن، فتحولوا وأصبحوا داعمين رئيسيين للاستبداد واستخدام القوة، وهو ما يؤكد أنه لا يمكن الاعتماد عليهم.
وأضاف الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، بأن الانتخابات المصرية الحالية، لا يمكن وصفها إلا بالمهزلة، موضحا أنها مهينة لجميع محبي الحرية والديمقراطية ليس في مصر أو العالم العربي فحسب، بل العالم بأكمله، مؤكدا أنها تمثل انقضاضا على الثورة المصرية، التي اتخذت من «عيش حرية عادلة اجتمعية» شعارا لها.
وبعد الإطاحة بالديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك، دخلت مصر في مرحلة صعبة وهشة، وبالتأكيد ديمقراطية وليدة، حيث أجريت انتخابات واستفتاءات ووضع دستور جديد في أعقاب الثورة، وانتهى عهد الحكم العسكري الذي استمر لستين عاما، بانتخاب أول رئيس مدني محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين في يونيو 2012، وهو كان بمثابة إنجازا مهما.
إلا أنه وبسبب أن المؤسسات الحكومية الأكثر ترسخا، كالقضاء والجيش والشرطة، لم يكونوا مؤمنين بالثورة، فعمل كل واحد منهم بطريقته منفردا على محاولة تدمير الديمقراطية الوليدة والناشئة، وساعدهم خنوع الإخوان أثناء الفترة الانتقالية، وقت ان كانت الدولة العميقة مسيطرة على جميع المجالات.
وكان من المتوقع أن يستسلم الدكتور محمد مرسي وأنصاره من جماعة الإخوان المسلمين، بعد الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي، لكنه فشل هذا التوقع، وأثبت أن الشعب المصري يمتلك من المرونة والإرادة ما يكفيه ليرفض ما هو غير صحيح.
وكان السيسي رئيسا للمخابرات الحربية، وتم تدريبه في الولايات المتحدة، وحكم مصر منذ 2013 بقبضة من حديد، وقتلت قواته المئات بل الآلاف من المواطنين وعذبت الآخرين، وفعلت كل ما يندى له الجبين، باستثناء تطبيق الديمقراطية، مضيفا «يمكن القول بأن السلطات المصرية تحت حكم السيسي استخدمت القضاء أيضا لقمع وسائل الإعلام وحرية الرأي والتعبير، حيث سُجن العديد من المراسلين والإعلاميين، فيما يواجه العشرات الآخرون تحقيقات جنائية غير عادلة، دون تهم محددة، بجانب الاختفاء القسري الذي ترفض الحكومة المصرية الاعتراف به».
وفي غضون من الاستيلاء العسكري على السلطة، اعتقل مات المدنيين، وأغلقت جميع القنوات والصحف المناهضة للإنقلاب العسكري، في الوقت الذي ادعى فيه السيسي أنه جنب مصر حربا أهلية، لذا اتخذه خطواته المسبقة، على حد زعمه، إلا أن جنرالاته وحتى هو نفسه أخأوا في تقدير موقف الشعب المصري.
وكان الدكتور محمد مرسي يتمتع بثقة في شعبه، على عكس السيسي، وهي الثقة التي مكنته من اعتلاء منصة ميدان التحرير دون ارتداء واقي من الرصاص، وكان له مسيرة عطاء في دعم استقلال القضاء منذ 2005، وهو الذي قاد المسيرة المطالبة باستقلاله، وأمضى عقودا داخل وخارج السجن في ظل حكم مبارك، لمعارضته لسياساته القمعية وممارساته البعيدة عن الديمقراطية، وطالب بتطبيق إادة الشعب، المتمثلة في مبادئ المسااوة والعدل والأمانة والمعرفة والمغفرة.
ولا شك ان ما حدث في العالم العربي في أواخر 2010، لم يكن بدأ في هذا العام، بل له جذور بعيدة قبل ذلك التاريخ، خاصة وأن الغرب حينها كان يسعى لتطبيق وجهة نظره عن الديمقراطية في الشرق الأوسط، كما يراها، وكانت خطابات معظم الساسة الغربيين تتركز على سجلات حقوق الإنسان والحريات في الدول العربية، وكان متوقع منهم أن يكونوا متحمسين لمطالب الشباب العربي الذي قام بالانتفاضات، لكن على كل، أثبتت السنوات القليلة التي أعقبت تلك الثورات، أن الغرب لا يمكن أن نعول عليه، وليس جديرا بالثقة.
وترسخت الآن جذور من الغضب العميق، بسبب المعايير الغربية المزدوجة في التعامل مع العالم العربي، وما يزيده من تعميق هذا الشعور، هو الغزو الأميركي الكارثي للعراق في 2003، وتدمير ليبيا بعد الثورة، والدعم الغربي للمشروع الاستعماري المتمثل في دولة الكيان الصهيوني.
ومنذ انقلاب 2013، تورطت الأجهزة الأمنية المصرية في أنشطةا لقتل المستمر، واعتقلت وقتلت المتظاهرين المناهضين للانقلاب، واستخدمت وسائل التعذيب والإخفاء القسري وتخويف وترهيب المواطنين، حيث أفادت منظمة العفو الدولة بأن ما يزيدي عن 300 مختفي قسري تم تعذيبهم، وأن التعذيب كان متفشيا ويستخدم بشكل منهجي منذ الانقلاب، حيث منح السيسي أجهزته الأمنية باستخدام تلك الوسائل، وعمل على تحسين أوضاعهم عبر الزيادات المتكررة في الأجور، وبناء نصب تذكاري لهم، وتصويرهم على أنهم ضحايا وأبطال فدائيين يحمون الشعب المصري، وأثناء ذلك، جرم الاحتجاجات المشروعة.
ويبدو السيسي أنه تمكن الآن من سحق المعارضة بشكل كامل، وأحدث انشقاقات مدنية، لكن هل سيتمر الوضع على هذا المنوال لفترة طويلة؟ لا فالتاريخ يظهر لنا دائما أن الحكم الاستبدادي مهما طال، فالمقاومة ضده لا تخفت أبدا، وهناك دلائل على أن المصريين بدأوا يفقدون صبرهم فعلا، وأن شعبية الدكتور محمد مرسي بدأت في الازدياد مرة أخرى.
ويعد استخدام النظام الحالي للقوة بشكل مفرط، علامة على الضعف وليس القوة، حيث فشل في جذب الناس إلى جانبه بملء إرادتهم، ويريد أن يفعل ذلك بالقوة والعنف.
لكن على كل، فالديمراطية التي يحاول النظام تسويقها الآن، عبر انتخابات مزيفة، ما هي إلا ديمقراطية وهمية، والدعم المستمر من الغرب للسيسي، يعد وصمة عار في جينهم.