كانت الساعة حوالي الخامسة والنصف مساءا، بينما يسير «أحمد ماهر» إلى مركز شرطة مصر الجديدة على أطراف الصحراء، ليسلم هاتفه المحمول وما لديه من متعلقات، يتخللها محادثة بسيطة مع ضابط شرطة، ليقضي يوم المراقبة، من المفترض أن يمضي ماهر 12 ساعة يوميا داخل قسم الشرطة في زنزانة مساحتها لا تتجاوز الـ250 قدم مربع بعدد 17 سجينا.
سيقض ماهر في تلك الحالة 3 سنوات، وتعد فترة المراقبة أمرا شائعا، وهي عقوبة يتم تطبيقها على السجناء الجنائيين بعد الإفراج عنهم، لكنها أول مرة تطبق ضد سجين سياسي.
يقول «ماهر» من مكتبه في القاهرة، إنه لا يعتقد أنه يخضع للمراقبة، موضحا أنه خلال السنوات السبع التي تلت ثورة 2011، ويتحرك الوقت ببطء شديد، مضيفا «أخسر الكثير من الوقت هنا، أو بمعنى أدق أنا سجين يمشي على قدميه».
ويعد ماهر أحد شباب الثورة الذين أطاحوا بحسني مبارك، ورغم الدعم الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة للديكتاتور الأسبق، وترأس دولة بوليسية لأكثر من 30 عاما، وبعدها لم يتمكن ماهر من السير وسط القاهرة دون أن يكون في مسيرة حاملا لشعارات أو صور، لكنه الآن يرتدي قبعة سجين، وإذا ما لاحظه احد في الشارع يوما قد يعتدي عليه، هذا ما وصل إليه المصريون بعد 7 سنوات من الثورة.
مصر الحالية ليست هي مصر التي عرفناها في 2011م، وأثناء إجراء انتخابات ديمقراطية في 2012، وهي الانتخابات التي فاز فيها مرسي، ومنذ أن اطاح به الجيش في 2013 ووصل السيسي إلى رأس السلطة على ظهر دبابة، تغيرت مصر، وقتل الأمل، وضاع حق من ماتوا في الشوارع في 2011.
ويصوت المصريون هذا الأسبوع في انتخابات سيفوز فيها عبدالفتاح السيسي للمرة الثانية، وهي انتخابات أشبه بالمسرحية او التمثيلية، حيث سجن المرشحين المعارضين أو المرشحين الجادين، ولا يوجد سوى إسم واحد، موسى مصطفى موسى، يرى الكثيرون أنه خرج من المجهول وسيندثر إلىا لمجهول بعد أن يتمم مهمته «إضفاء شرعية على انتخابات الرجل الأوحد».
يقول «ستيفن كوك»، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، إن وسائل الإعلام الموالية للسيسي انتصرت في النهاية، لكنها على كل جوفاء وكاذبة، فمصر دولة قمعية، ولا يوجد فيها استقرار، ويستخدم السيسي «القوة» لتحقيق مراده.
ولفهم كيف تحولت مصر بعد سبع سنوات من الورة، لا بد ان نعود إلى العام 2010 قبل أشهر قليلة من انطلاق الثورة التي ألهمت العالم أجمع.
من الأمل إلى قمع وحشي
وكان أحمد ماهر أحد القادة الغير رسميين لثورة يناير 2011، وهي الثورة التي تركزت في ميدان التحرير بالقاهرة، وأذهلت العالم أجمع، وتمكنت من إجبار مبارك على الرحيل بعد 30 عاما من التمسك بالسلطة، وكان ماهر أحد مؤسسي حركة 6 إبريل في 2008، بعد إضراب عمال غزل المحلة، ودعت الحركة إلى لتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والاقتادية، عبر تنظيم احتجاجات متفرقة سلمية غير عنيفة، وفي بعض الأحيان كانت تدعوا للعصيان المدني.
وبحلول عام 2011 أصبحت الحركة من أكثر المجموعات تأثيرا داخل ميدان التحرير، ورشح احمد ماهر لجائزة نوبل للسلام في 2011، وأصبح رمزا للديمقراطية في مصر، وتم الترحيب بعصر في مصر يبدو فيه كل شيئا جيدا ممكنا، لكن هيهات.
وبالمرور سريعا لمدة 7 سنوات إلى الأمام، أصبح أحمد ماهر مجرد شخص يحمل رقما داخل السجن.
واعتبرت الحكومة المصرية، حركة 6 إبريل منظمة إرهابية، تماما كما فعلت مع جماعة الإخوان المسلمين، وتم تزيين الشوارع بآلاف الملصقات المؤيدة للسيسي، وفر النشطاء والثوار خارج البلاد، ومن بقي فهو إما مسجون أو مقتول، وشرعت السلطات في إعادة تنقيح التاريخ وإعادة كتابته بالدم، وفي بعض الأحيان محته بالكامل، وطردت المنظمات الأجنبية العالمة في البلاد، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
في يناير2016 ، أُطلق سراح ماهر من السجن بعد أن أمضى حكماً بالسجن ثلاث سنوات بسبب مشاركته في احتجاجا على قانون التظاهر، وهو القانون الذي حظرت الحكومة من خلاله المشاركة في تظاهرات او تنظيمها وأي تجمعات غير مصرح بها، وقضي ماهر 3 سنوات في زنزانة انفرادية داخل سجن طرة.
وأدين ماهر مع نشطاء بارزين ومؤسسيين تابعين لحركة 6 إبريل، مثل محمد عادل وأحمد دومة، وتم تغريم كلٍ منهم وحكم عليهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات، فيما انتهت عقوبة عادل العام الماضي، لكن دومة حكم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية أخرى لها علاقة بأحداث مجلس الوزراء، وتم رفض طلب استئنافه في العام الماضي.
ووفقا لنورهان زوجة دومة، فإن هذا ليس ما ناضلنا من أجله، حيث لا يسمح لها برؤية زوجها إلا 20 دقيقة كل أسبوعين في وجود الحراس بالقرب منهما.
وتقول فتحية، والدة أحمد، التي غالباً ما ترافق ابنتها في الزيارات إلى دومة في طرة، «تغير الكثير، لكن لم يتغير شيء»، وفتحية ليست غريبة على الطريق الصحراوي الذي يؤدي إلى سجن طرة، فقبل عقود، كانت تقوم برحلة لزيارة والدها ومعظم أقاربها الذكور الذين اعتقلوا لكونهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة آنذاك، ومرة أخرى تم حظر الجماعة التي احتل فيها حزبها الرئيسي الحكومة لفترة وجيزة بعد صعود مرسي للرئاسة.
وتقول فتحية، إن الجميع فجأة أصبح إرهابيين، فإذا لم تكن مؤيدا للحكومة فأنت إرهابي، فيما تنظر الحكومةا لمصرية للإسلاميين والليبراليين على أنهم إرهابيون، قادرون على زعزعة استقرار البلاد، جنبا إلى جنب مع «تنظيم الدولة» التي أعلن السيسي حربا شاملة ضدها، وهي العملية التي أعلن الرئيس الأميركي دعم السيسي بسببها، متغاضيا عن سجلات حقوق الإنسان في عهد السيسي.
تعاطف قليلا مع المتظاهرين
وكانت منظمة العفو الدولية، وغيرها من جماعات حقوق الإنسان، اكدت أن السيسي شن حملات غر مسبوقة، على المتظاهرين والمواطنين، واتهمت قوات الأمن جماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع جماعات إسلامية متطرفة، واتهمتهم بقتل المئات من أفراد الشرطة والقوات المسلحة في شمال سيناء، بما في ذلك أنصار بيت المقدس، الذين أعلن الولاء لأبو بكر البغدادي.
ووفقا لـ«نور»، 27 عاما، وهو مؤيد لجماعة الإخوان المسلمين، ويعيش حاليا في اسطنبول، بجانب الآلاف من زملائه المنفيين، «احتججنا على ديكتاتور ثم جاء إلينا ديكتاتور أكثر شرا، فنظامه يستطيع ان يصفنا بالإرهابيين بسهولة، رغم انهم يعلمون جيدا أن هذا ليس حقيقيا».
وأصدرت الحكومة المصرية، قانون التظاهر، في نوفمبر 2013، وهو القانون الذي قالت عنه منظمة العفو الدولية، إنه أسرع طريق إلى السجن، وهو السبب في وجود ماهر وغيره وراء القضبان حاليا، ومن الصعب أن تجد قدرا من التعاطف معهم.
وفي ذروة الثورة لم يكن من الصعب إبداء أي رأي سياسي مخالف او مؤيد، وكانت النقاشات تجرى بحرية، وكانت مصر تتمتع بزخم سياسي، أما الآن فإن من يجرؤ على انتقاد السيسي، فمصيره مجهول.
وكان عبدالمنعم السعيد، رئيس تحرير جريدة الأهرام، أكد ان التاريخ سيحكم على مبارك بشكل مختلف، وأن الثوار سينتهي بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ.
الآن، «سعيد» يبدو أنه على حق، فمبارك تمت تبرئته، وإذا تمكن من الترشح سيفوز بأغلبية ساحقة، بينما النشطاء اختفوا، فإما اعتقلوا وإما اجبروا على الرحيل وإما قتلوا، لكن على كلٍ لا تزال روح الثورة حية.
وتعترف «ماهينور المصري» المحامية في مجال حقوق الإنسان، بأن الثوريين كان يمكنهم آداء أفضل لو أشركوا المواطنين معهم، موضحة أن مشكلتنا كانت الانعزال عن الناس.
وكان أطلق سراح ماهينور المصري، نوفمبر الماضي، بعد أن أمضت 3 أعوام في السجن بتهمة التظاهر دون ترخيص، كما سبق لها أن قضت بعض الوقت في السجن، تماما كما حدث مع ماهر، وكانت أبرز المشاركين في وقفة «كلنا خالد سعيد» التي مثلت نقطة انطلاق الثورة.
وتؤكد المصري، أن روح الثورة لا زالت حية، ولن يستطيعوا التخلص منها مطلقا، لكن علينا العمل بجدية أكبر، فهذا الفصل من تاريخ مصر لم ينتهي بعد، وهو ما يوافق عليه أحمد ماهر أيضا، والذي لا يستطيع السفر خارج القاهرة اوا لعثور على وظيفة مناسبة في مجال الهندسة المدنية.
https://www.pri.org/stories/2018-03-26/egypts-revolutionaries-grieve-ahead-sisi-re-election