تستخدم أميركا مفهوم «الدبلوماسية العامة» لتحقيق أغراضها في منطقة الشرق الأوسط وحماية مصالحها، معتمدة فيها على وجود صراعات ونزاعات بين الدول والمجموعات الصغرى لإحداث توازن بين القوى الرئيسة، وهو ما تفعله مع إيران والسعودية؛ مستخدمة في ذلك سباقات التسليح ودعم طرف على حساب آخر.
هذا ما يراه المحلل السياسي والأمني «موجتابا بارغندان» في مقاله بصحيفة «دايلي صباح» وترجمته «شبكة رصد»، مؤكدًا أنّ أميركا تتبع هذه الاستراتيجية منذ بدء الحرب العالمية الثانية؛ ولذلك مستقبل حلول الصراعات الشرق أوسطية الحالية يبدو غامضًا، خاصة وأنّ عددًا قليلًا من السياسيين ورجال الدولة يميلون إلى محاولة إيجاد حلول سياسية للصراعات، مفضّلين الحروب.
أهمية الدبلوماسية
وتُستخدم الدبلوماسية العامة بديلًا رئيسًا للقوة أو الوسائل الخفية في الحكم، وهي وسيلة لتطبيق القوة الوطنية الشاملة على التكيّف السلمي للاختلافات بين الدول؛ وقد يكون ذلك قسريًا، عن طريق التهديد بتطبيق إجراءات عقابية أو استخدام القوة لفرضها، وفي أحيان لا تستلزم استخدام العنف علنًا، بل سرًا؛ خاصة وأنّ أدواته الأساسية قائمة على الحوار والتفاوض.
وتتلخص الدبلوماسية العامة للدول العظمى في الشرق الأوسط في «نشر الحروب والتوترات وإقامة سباقات التسلح المعروفة باسم دبلوماسية الأسلحة»؛ عبر فرض قضايا وقائية أو ملهيات، وهي قضايا غير قابلة للحل سياسيًا أو دبلوماسيًا؛ لا سيما سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وجميع الأدلة توضّح أنّ بداية المرحلة الجديدة من العلاقات المعقّدة بين أميركا والعالم بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر، ثم بعد ثورات الربيع العربي وكذلك الحرب الأهلية السورية؛ ووظّفت دبلوماسيتها العامة لدعم الرؤى والاستراتيجيات السياسية لأميركا، وتحقيق التوازن بين الجهات الفاعلة في المنطقة لحساب أميركا.
على سبيل المثال: تستخدم أميركا دبلوماسيتها العامة حاليًا لتحقيق توازن بين المتنافسين الرئيسين في الشرق الأوسط: «إيران والسعودية»، والعمل على الحد من النفوذ الإيراني؛ وفي سبيل ذلك شرعت في تكوين شراكات سياسية وخيانة لتحالفات في الأنظمة العربية والخليجية، ووضع استراتيجية أمنية؛ عبر تزويد هذه الدول بأحدث التقنيات العسكرية وسيلة للضغط وإحداث التوازن، وممارسة ضغوط على دول إقليمية رئيسة فعالة (كإيران).
لكن، في كلّ الأحوال، دور الدبلوماسية الأميركية طوال السنوات الماضية استتبعته نتائج أكثر عمقًا من مجرد استخدام الدبلوماسية العامة؛ فبعد مشاركتها في الحرب العالمية الثانية استتبعه تدخل عسكري في أفغانستان واحتلال فعليّ للعراق؛ وبعد ذلك أيضًا سياساتها بشأن سوريا.
كسب العقول
تستخدم أميركا دبلوماسيتها العامة عبر إنفاق مليارات الدولارات، لكسب قلوب الحكومات والجهات غير الحكومية المرتبطة بها عقولها ويمكن الاعتماد عليها عمليًا، أو حتى عبر التدخل في الشؤون الداخلية لدول إقليمية، تحت اسم «دعم حقوق الإنسان أو قضايا مماثلة»، وترك هذه الدول تواصل «التدمير الذاتي».
وهكذا كانت الدبلوماسية العامة الأميركية والمبادرات الدبلوماسية الأقل جدوى أو المعطّلة تظهر وكأنها تأتي من أجل خدمة السلام أو الاستقرار في المنطقة. لكن، إذا تفحّصنا فيها نجد أنّها تريد بدول الشرق الأوسط الوصول إلى حافة الهاوية والدفع بها نحوها ونقطة اللاعودة.
ومنذ وصول ترامب إلى السلطة في أميركا يحاول المسؤولون الأميركيون العثور على موطئ قدم جديد في المنطقة تحت مظلة «الدبلوماسية العامة والمبادرات الدبلوماسية»؛ لكن يبدو أنّ أميركا تواجه حاليًا خطرًا يتعلق بتحالفاتها العسكرية في المنطقة، وتزايد التهديد الروسي العميق داخل المنطقة.
وكمثال على التهديات التي تواجهها وتعتبر فشلًا لها؛ فعلى عكس المبادرات السابقة لإيجاد حلول للنزاعات، خرجت المبادرات الحالية من روسيا وإيران وتركيا (كمحادثات أستانا)، وكذلك نوايا إيران لإيجاد حل سياسي لأزمتها النووية، وحتى ما يحدث مع كوريا الشمالية؛ فأميركا لم تبادر حاليًا، بل الدول الأخرى.
وفي عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كانت الدبلوماسية الأميركية، لا سيما منذ أن بدأ الربيع العربي في عام 2010، تتخذ المسار نفسه؛ بالرغم من أنّ أوباما سمّاها زورًا «القوة الناعمة»؛ لكنّ الدبلوماسية الأميركية أثناء توليه المنصب رئيسًا لم تقدّم حلولًا فاعلية، بل باعت الوهم؛ وأصّلت لنشوء حروب وصراعات، والبعد بالمنطقة عن مفاهيم السلام والاستقرار التي دأب الساسة الأميركيون على الترويج لها.