تسعى تركيا إلى إنهاء أزمة تأمين حدودها، سواء من اتجاه سوريا أو العراق، ووضع حد للتنظيمات الكردية التي تسببت لها في أزمات داخل حدودها وتعتبر خنجرا في أمنها القومي، إما عن طريق التدخل العسكري كما حدث في «عفرين»، أو بتفاهمات إقليمية كما تحاول تركيا في «سنجار» من أجل القضاء على تهديدات حزب العمال الكردستاني.
التدخل التركي في العراق
ويوضح العميد ركن خليل الطائي، مستشار مركز الأمة للدراسات والتطوير للشؤون العسكرية والامنية، أبعاد التدخل التركي في العراق، لتشتيت جهد حزب العمال الكردستاني عن طريق فتح جبهات متعددة في سوريا والعراق.
وقال الطائي، في تصريح لـ«رصد»، إنه «من الناحية العسكرية؛ شرعت القوات التركية بالدخول إلى الأراضي العراقية في أواخر عام 2015، عندما تمركزت في منطقة (بعشيقة) شمال الموصل، تحت غطاء التدريب، وعززت وجودها بالاستمرار بالقصف الجوي والمدفعي على بعض القرى القريبة من الحدود التركية».
وأضاف أنه «في 18 مارس الماضي، وبعد التطورات الأخيرة في عفرين السورية، سارعت تركيا لإرسال المزيد من قطعها الخاصة ذات الإمكانيات العالية نظرا لصعوبة الجغرافيا في شمال العراق، وبقوة لواء لتحتل أماكن ونقاطا حيوية في عدد من القرى الواقعة بين محافظتي دهول واربيل، بالقرب من جبل كورك، ولتتوغل بمسافة 20كلم تقريبا داخل الأراضي العراقية، والتي ستؤدي لتشتيت جهد حزب العمال الكردستاني، عن طريق فتح جبهات متعددة في سوريا والعراق، وفق تعبية توسيع جغرافيا المعركة، والتي ستؤدي لإشغال الساحة الكردية العراقية عن الساحة الكردية السورية، وإيقاف التعزيزات المرسلة من العراق الى عفرين لإسناد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».
معركة سنجار سياسية والتهديد بدخولها إعلامي
ويوضح الخبير العسكري، أن تركيا «تسعى لتصفير ملف حزب العمال الكردستاني الذي شكّل قلقا دائما ومستمرا للقيادة التركية وتأمين حدودها بالقضاء على هذه المليشيات والتي طالما شكلت الخنجر الأمني في الخاصرة التركية»، لافتا إلى أن تركيا تحاول الاستفادة من «تداخل الملفات العسكرية في سوريا والعراق وتعدد الأطراف المتحكمة بهذا الملف مما يوفر لتركيا اختيارا أفضل العروض لتنفيذ غايتها، ومن هنا بدأت القوات التركية بالزحف من شمال شرق العراق لتحييد وعزل تلك المناطق عن سنجار».
ورأى الطائي أن «التلويح بعملية عسكرية في سنجار في هذا التوقيت هو غاية إعلامية أكثر من كونها ميدانية؛ لأن معركة سنجار العسكرية يجب أن تسبقها معركة سياسية، فمنطقة سنجار وإن تواجد فيها حزب العمال الكردستاني فهو بموافقة حكومة بغداد التي يدعمها أغلب الأطراف الفاعلة بخلاف نظام بشار الذي تختلف فيه الأطراف».
وفي 25 مارس، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدء عمليات عسكرية في سنجار شمال العراق ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا كـ«منظمة إرهابية»، وذلك بعد إعلان الجيش التركي السيطرة على منطقة عفرين السورية بعد معارك ضد مقاتلين أكراد.
وأشار الطائي إلى أن عملية سنجار ترتبط بموافقة حكومة بغداد أو رفضها للعملية العسكرية التركية، لافتا إلى أن «السلطة العراقية لا تزال أسيرة للقرارات الإيرانية».
ولفت إلى أن إيران قد ترى أن معركة سنجار ستخدمها ليس حبا بتركيا، ولكن كرها في الأكراد؛ فأكراد إيران يراقبون ما يحدث في سوريا والعراق ومن خلاله يبنون رؤيتهم وتحركهم المستقبلي.
كيف تختلف سنجار عن عفرين
وكشف الطائي، أن هناك طريقين أمام أنقرة في أزمة سنجار؛ أولهما إذا ما وافقت بغداد على العملية العسكرية، وفي هذا الوقت، بيّن أن المعركة «ستكون اسهل من عفرين لأسباب عدة؛ أبرزها أن عفرين كانت تسيطر عليها قوات من نوع واحد وهي القوات الكردية السورية بشكل كامل ولديها فيها مقرات وتحصينات وامتدادات جغرافية وقوات وأسلحة كثيرة تؤهلها لإدامة المعركة لفترة أكبر من سنجار التي يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني، الذي سيجد نفسه وحيدا دون مساعدة مليشيا الحشد الشعبي والايزيديين والعرب المتواجدين بالقرب منه، بالإضافة إلى أن اللاعبين الدوليين في سوريا أكثر مما في العراق.
وأشار إلى أن نتائج رفض الحكومة العراقية للمعركة، ستصعب قرار أنقرة بخوض المعركة، وذلك لسببين؛ أولهما: تواجد مليشيا الحشد بالقرب من سنجار ووصول تعزيزات من الجيش العراقي مؤخرا إلى تلك المناطق، ثانيا: القوات التركية البرية ستتطلب قطع مسافة كبيرة للوصول إلى سنجار ضمن الجغرافية العراقية قادمة من تركيا ما سيعرضها لهجمات متعددة ومتنوعة ومن ثم تكون خسائرها كبيرة ولن تستطيع إحراز النصر وتحقيق غايتها.
وأوضح أن أنقرة لن تقدم على عملية سنجار العسكرية دون موافقة حكومة بغداد؛ حيث إن «سنجار وإن تواجد فيها حزب العمال الكردستاني لكنها تابعة لسلطة بغداد المدعومة من قبل أميركا وروسيا وإيران بخلاف عفرين التي كان يتواجد فيها قوات مدعومة أميركيا فقط ونحن نعرف بأن أميركا تحركها المصالح وتسير وفق قاعدة (لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم، بل مصالح دائمة) وهذا ما دفع ثمنه أكراد سوريا كما دفع الثمن قبلهم أكراد العراق في كركوك سابقا».
وكانت التصريحات الأميركية، تبارك عملية سنجار، وقال وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، الأحد، إن وجود منظمة «بي كا كا» في قضاء سنجار العراقي يشكل تهديدا لتركيا، وإن بلاده «تريد رؤية انسحاب بي كا كا من المنطقة».
وأضاف ماتيس أن «هناك تهديدا من بي كا كا ضد تركيا، في سنجار الواقع مباشرة في الطرف الآخر من الحدود في شمال العراق. كما تعلمون فإن بي كا كا تصنّف ضمن القوائم الإرهابية لدى الولايات المتحدة. لقد قتلوا العديد من الأتراك الأبرياء، ونريد رؤية انسحاب بي كا كا من سنجار».
واختتم مستشار مركز الأمة للدراسات والتطوير بأن «معركة سنجار تعتبر مؤجلة ميدانيا لحين إنهاء ملف حزب العمال الكردستاني والفصائل الكردية المتحالفه معه في منبج والقامشلي وعين العرب (كوباني)، لتصل القوات التركية إلى الحدود العراقية ومن ثم تكون مهمتها في سنجار أسهل بكثير حتى وإن لم تحصل على موافقة بغداد، ولذلك التحديات التي تواجه تركيا بوضعها العسكري الحالي في سنجار هي سياسية أكثر من كونها ميدانية عسكرية».