شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تحليل بـ«فورين بوليسي»: ترامب دمّر الشرق الأوسط والحكّام يصفونه بـ«الصديق الحميم»!

من أبرز علامات تخبط السياسة الأميركية وإرباك الحلفاء عندما أطلقت 59 صاروخًا من طراز توماهوك العام الماضي على قاعدة جوية في سوريا، ردًا على هجوم كيميائي لنظام بشار الأسد ضد مواطنيه، وكان من المفترض أن يشكّل بداية جديدة للقيادة الأميركية في الشرق الأوسط؛ لكن حدث العكس.

فمنذ اللحظة الأولى لإطلاق الصواريخ، أشاد النقاد والمشروعون بحسم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي أنهى سنوات من الشكّ بشأن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أثناء ولاية أوباما، ورأوه تحوّلًا أوسع في الدور العسكري الأميركي بالمنطقة؛ خاصة وأنّ حلفاء أميركا الإقليميين أرادوا منذ مدة دورًا أميركيًا عسكريًا ضد بشار ثم إيران، وقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها إنّ «رسالة العزم والإصرار الأميركية في مواجهة تصرفات بشار المرعبة لن تجد صداها في دمشق وحسب؛ بل في إيران وكوريا الشمالية».

الرئيسان الأميركيان: السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب

وما حدث بعد ذلك استراتيجية مفككة وغير مترابطة؛ إذ جمع ترامب بين سياسات باراك أوباما، خصوصًا العسكرية ضد تنظيم الدولة والإحجام عن استخدام القوة ضد بشار، وسياسة الجمهوريين الخارجية؛ مثل التراجع عن الاتفاق النووي الإيراني، ونقل السفارة الأميركية للقدس، والتشدقات السياسية؛ مثل الادعاء بأنّ أميركا لم تحصل على مقابل سبعة تريليونات دولار أنفقتها في الشرق الأوسط.

هكذا يرى «ديريك تشوليت» مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي، و«إلين جولدنبرج» مدير برنامج أمن الشرق الأوسط، سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، في تحليلهما بصحيفة «فورين بوليسي» وترجمته «شبكة رصد»؛ مؤكدين أنّ رغبة ترامب الجديدة في سحب القوات الأميركية من سوريا «فكرة خاطئة»، خاصة وأنها تلقّت درسًا في هذا الشأن بانسحابها من العراق في 2011. ونتيجة لذلك؛ لو غادرت سوريا ستخلق فراغًا أمنيًا.

وعلى أميركا ألا تضع عشرات الآلاف من القوات في سوريا والعراق، بل تكتفي بمجموعة صغرى مهمتها تدريب القوات المحلية وتحقيق برامج إعادة البناء وتحقيق الاستقرار الإقليمي. وبإمكان الجيش الأميركي أن يحدث فرقًا؛ عبر التمهيد -على الأقل- لما سبق، واستخدام الأراضي الواقعة تحت السيطرة الأميركية للعمل ضد النظام السوري وروسيا وإيران، بجانب الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية.

وإذا ما شرعت أميركا في تنفيذ وعد ترامب بسحب القوات فالمستفيدون هم روسيا والنظام السوري وإيران، ومن المتوقع على المدى الطويل أن يعيد تنظيم الدولة إعادة تشكيل نفسه أو حتى تغيير علامته التجارية.

قوات أميركية في سوريا – أرشيفية

وفي يناير الماضي، تجاهل ترامب تحذيرات فريقه واعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وبالرغم من أنه حقّق وعدًا لحملته الرئاسية؛ فلم يجرؤ أيٌّ من مؤيديه على اتّباعه في السابق، وجاء اعترافه في أعقاب شهور من المحادثات المعقولة والمتوازنة مع جميع الأطراف أثناء محاولات الإدارة تطوير «خطة السلام»، وكان من المفترض أن تكون القدس عاصمة للدولتين «الإسرائيلية» والفلسطينية؛ لكنّ ترامب بقراره نسف هذا الأساس وأضرّ بصورة أميركا.

وبرّر خطوته بأنّ الفلسطينيين سيعودون إلى التفاوض بعد أن يهدؤوا، مضيفًا أنّ التفاوض سيكون أسهل بخروج القدس من الطاولة. لكن، بعد أربعة أشهر كاملة من القرار، لم تحدث أي اجتماعات بين كبار المسؤوليين الأميركيين والفلسطينيين، وأكّدت السلطة الفلسطينية أنّ أميركا لم تعد وسيطًا نزيهًا؛ ويبدو أنّ العالم كله يتفق على ذلك.

من احتجاجات في باحات الأقصى رفضا لقرار ترامب

ومع استمرار الاحتجاجات في غزة، تشرع الإدارة الأميركية في إلقاء الوقود على النار بطريقة لا يمكن تفسيرها؛ عبر تحديد موعد نقل السفارة الشهر المقبل، في الذكرى السبعين لقيام «إسرائيل»، في ما يعرفه الفلسطينيون بـ«يوم النكبة».

واتّبع ترامب النمط نفسه مع إيران، ولم يصغ للنصائح التي حثّته على ضرورة إبقاء الاتفاق النووي؛ ويبدو أنّ الأمور تتسارع نحو هذا الطريق، بتعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي الأميركي ومايك بومبيو وزيرًا للخارجية، وهما من أشد المناهضين للاتفاق؛ وبذلك من المرجح أن تنسحب أميركا من الاتفاق في وقت مبكر من هذا الشهر.

وبالرغم من أنّ الانسحاب سيزيد الضغط على إيران، فالعقوبات التي ستُفرض لن تحقق مردودًا قويًا؛ خاصة وأنّ العوامل التي دفعت إيران للموافقة على الاتفاق في 2015 لم تعد موجودة، في ظل الانقسام الكبير بين أميركا والأطراف الأخرى في الاتفاقية «أوروبا وروسيا والصين»، والأهم من ذلك أنّها لن تكون قادرة على إخراج شركات النفط الإيرانية من سوق الطاقة العالمي؛ خاصة في ظل انعدام فرضية تعاون الصين والهند، كما فعلا قبل 2015.

ومن المرجح أن تحاول إيران البقاء في الاتفاقية، بالتفاوض مع أوروبا وروسيا والصين، بمعزل عن أميركا؛ ومن المتوقع أيضًا أن تنتهك الاتفاقية بتقييد وصول المفتشين الدوليين لمنشآتها النووية، وإعادة تشغيل أجزاء من برنامجها النووي.

وهو ما سيؤدي في النهاية إلى السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، واتخاذ إجراء عسكري ضد بلد يبلغ عدد سكانه ثلاثة أضعاف العراق. وحديث ترامب عن كمّ الأموال التي أنفقت في الشرق الأوسط وحديثه عن ضعف مردودها مجرد تخمين سياسي غير مبنيّ على حقائق.

لكنّ تدخل القدر يتمثّل في أنّ الشرق الأوسط، بالرغم مما يفعله فيه الرئيس الأميركي أكثر من أي مكان آخر، يبدو فيه حلفاء أميركا سعيدين به؛ خاصة في الخليج و«إسرائيل»، وعبّروا عن تقديرهم لوجود «صديق حميم» في البيت الأبيض يفهم تمامًا ما يتطلبه الأمر لممارسة السلطة. لكنّ هذا الشعور مجرد وهم؛ فالشيء الوحيد الأكيد أنّ سياسة ترامب في الشرق الأوسط مضطربة وغير متماسكة وتقود إلى الفوضى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023