أطلت اتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل، من جديد في مفاوضات سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا، لتعيق مسار المفاوضات، التي انهارت بين الدول الثلاث التي انعقدت بالخرطوم في 5 إبريل الجاري؛ بسبب تحفظات إثيوبيا على إدخال اتفاقية 1959 في المباحثات التي جاءت بعد انقطاع دام 5 أشهر، لتجميد مصر مشاركتها في التفاوض.
وحمّلت أديس أبابا، القاهرة المسؤولية عن فشل اجتماع الخرطوم الثلاثي؛ حيث قال متحدث الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، إن «سبب فشل المفاوضات هو عدم جدية وعدم تعاون الجانب المصري، وطرحه لاتفاقية 1959 في المفاوضات».
وفي 12 إبريل الجاري، رفضت مصر هذه الاتهامات، وأكدت أنها «شاركت في الاجتماع في الخرطوم بروح إيجابية ورغبة جادة في التوصل إلى اتفاق»، حسب المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أحمد أبوزيد.
وتنص اتفاقية 1959 على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويًا، بينما يمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب.
تبدل المواقف
لم تكن جولة المفاوضات التي عقدت الشهر الجاري، الأولى التي يتم التطرق فيها إلى اتفاقية تقسيم المياه بين السودان ومصر، المعروفة باتفاقية 1959؛ حيث نوقشت في جولات التفاوض المتعددة.
لكن مواقف الدول تتبدل حسب المرحلة التي تدخل فيها الاتفاقية في المفاوضات.
ورغم أن إثيوبيا ليست طرفًا في الاتفاقية، لكنها لم تتحفظ في الجولة السابقة، عليها، بينما جاء التحفظ من الجانب المصري.
وقدم السودان، في جولة المفاوضات التي عقدت في نوفمبر الماضي بالقاهرة، مقترحًا لمعالجة الخلاف حول التقرير الاستهلالي لدراسات سد النهضة، الذي يحوي دراسات المكتب الاستشاري الفرنسي المتعلقة بالسد، وفترة ملئه وتشغيله.
وانحصر مقترح الخرطوم آنذاك، وفق وزير الري السوداني، معتز موسى، في 3 نقاط، قدم السودان بشأنها مقترحًا متكاملًا لمعالجتها، لدفع المفاوضات قدمًا.
وتتضمن: أولًا: «حق الدول الثلاث مجتمعة، في مخاطبة الاستشاري، واستيضاحه حول مرجعية بعض النقاط الواردة في التقرير الاستهلالي، ثانيًا: اعتماد اتفاقية 1959 كخط الأساس، لتحديد آثار السد على دولتي المصب السودان ومصر، والنقطة الأخيرة أية بيانات تستخدم في الدراسة، لا تمنح أي حق جديد للمياه لأي دولة، ولا تحرمها حق باتفاقيات قائمة لتقسيم المياه، وإنما هي لأغراض الدراسة فقط».
وجدت المقترحات القبول والترحيب من دولة إثيوبيا، فيما رفضتها مصر، بما فيها اعتماد الحقوق المائية للسودان وفق اتفاقية 1959، وذلك وفق الوزير السوداني معتز موسى، وعلى إثرها علقت مصر مشاركتها في المفاوضات.
حقوق تاريخية
ظاهريًا يبدو الخلاف حول بناء سد النهضة، على مسائل فنية بحتة؛ حيث بدأت تحذيرات من خبراء مصريين من أن المنطقة التي سيقام عليها السد التي تبعد نحو 20 كيلومترا من الحدود السودانية، منطقة زلازل، ما يجعل السد عرضه للانهيار.
جاء إعلان إثيوبيا بناء سد النهضة في إبريل 2011، في وقت تخشى فيه دولتا مصر والسودان من تقلص حصصهما التاريخية في المياه عقب بين توقيع غالبية دول حوض النيل الـ11، على اتفاقية «عنتيبي»؛ حيث علق السودان ومصر عضويتهما في المبادرة.
وتنص اتفاقية «عنتيبي» الموقع إطارها العام 2010، على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الانتفاع المنصف والمعقول من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل.
ويضم حوض نهر النيل دول: «إريتريا، وأوغندا، وإثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، ومصر، والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وتنزانيا، ورواندا، وكينيا».
قال أستاذ العلوم السياسية، حسن قسم السيد، إن «أزمة سد النهضة مرتبطة باتفاقية تقسيم مياه النيل، لكن ذلك التخوف كان مكتومًا لفترة طويلة من قبل المسؤولين السودانيين والمصريين».
وأضاف، في حديثه للأناضول: «كل ما يدور من حديث عن انهيار السد أو النوايا الخفية من الجانب الإثيوبي عن تقليص حصص المياه ما هو إلا تكتيك تفاوضي».
حجم استهلاك السودان
يرى كثير من المراقبين السودانيين أن تخوّف الجانب المصري من بناء سد النهضة، يعود إلى خشيته من توقف الانتفاع بالسلفة المائية التي تأتيه من السودان، ونسبة المياه التي يفشل في استخدامها.
ولم يكن معلومًا في السابق حجم المياه التي يستغلها السودان من حصته البالغة 18.5 مليار متر مكعب، حتى أنهى وزير الري والموارد المائية السوداني، كمال علي، في أغسطس 2011، حالة عدم المعرفة التي كانت سائدة بإعلانه حجم استهلاك بلاده.
وقال آنذاك: «لدينا خطه لاستغلال كامل حصتنا من مياه النيل، قد نكون تأخرنا في استغلال كامل الحصة؛ حيث يصل إجمالي ما يسحبه السودان من مياه النيل نحو 12 مليار متر مكعب».
سلفة مائية
قد يبدو إعلان السودان حجم استهلاك حصته من المياه عاديًا في ذلك التوقيت؛ حيث أعلن فيه مسؤول حكومي الرغبة في استغلال حصته من المياه.
لكن إذا ما تم توضيح أنه جاء بعد 4 أشهر فقط من إعلان إثيوبيا إنشاء سد النهضة، ربما يكون في ذلك رسالة ضمنية للجانب المصري بأن ما قدره 6.5 مليار كان يأتيها وفق سلفة مائية أقرت في اتفاقية تقسيم مياه النيل في 1959، وأخرى فائضة عن الحاجة قد تتوقف.
وينص الملحق الأول لاتفاقية 1959 الخاص بالسلفة المائية «على أن يمنح السودان مصر سلفة مائية لا تزيد على مليار ونصف المليار من نصيبه، بحيث ينتهي استخدام هذه السلفة في نوفمبر عام 1977».
وكان المستشار القانوني للمياه بالإدارة القانونية للبنك الدولي، خبير المياه السوداني، سلمان محمد أحمد، قال في تصريحات سابقة: «لم تحدد الاتفاقية وقت سداد السلفة المائية، ولا طريقة سدادها، ولم تتطرّق إلى ما سينشأ في حالة فشل مصر أو تأخرها في سدادها».
وفرق بين «السلفة المائية المنصوص عليها وفق الاتفاقية، والحصة التي فشل السودان في استخدامها».
وأشار سلمان، إلى أن اكتمال بناء سد النهضة، سيعمل على تنظم انسياب نهر النيل الأزرق (الرافد الرئيس لنهر النيل) طوال العام، بما يمكن السودان من زراعة 3 دورات زراعية؛ بدلًا من زراعته لدورة واحدة كما هي الحال الآن، ويقود إلى استغلال كامل للحصة.
وبذلك يتوقف عبور 6.5 مليار متر مكعب سنويًا إلى مصر من نصيب السودان التي ظلت تتلقاها منذ توقيع الاتفاقية.
وأوضح سلمان أن «ما فشل السودان في استخدامه من مياه النيل خلال الـ55 عامًا الماضية يبلغ نحو 350 مليار متر مكعب».
ما بعد السد؟
رغم الفشل المتكرر للوصول إلى موقف محدد بين دول السودان وإثيوبيا ومصر، وإغلاق ملف السد، لكن المسؤولين الحكوميين في تلك الدول دائما ما يخرجون بتصريحات متفائلة.
ويبدو ذلك التفاؤل واضحًا في تصريح وزير خارجية السودان، إبراهيم غندور، السبت الماضي، بوصفه اجتماع الخرطوم الذي انفض الأسبوع الأول من الشهر الجاري بأنه «أفضل الاجتماعات التي تمت فيما يتعلق بملف سد النهضة».
ومن الجانب المصري نجد التأكيد على الجدية، في تصريح وزير الخارجية، سامح شكري الذي أكد «سعيه للانتهاء من هذا الأمر خلال مدة 30 يومًا، بدأت اعتبارًا من 5 إبريل الجاري وحتى 5 مايو المقبل».
ودعت مصر لاستئناف مفاوضات سد النهضة، في 20 أبريل الجاري (دون رد رسمي من إثيوبيا والسودان حتى الثلاثاء).
ربما ينجح الفرقاء الثلاثة في طي ملف سد النهضة؛ امتثالا لتوجيهات رؤساء الدول الثلاث عقب قمتهم التي عقدت مطلع العام الجاري بأديس أبابا.
لكن هل يعني انتهاء ذلك الملف أن الخلافات حول اتفاقية تقسيم مياه النيل لعام 1959، لن تطل برأسها من جديد؟
المصدر: الأناضول