انتشرت صور محمد صلاح بسرعة البرق في المدن والمحافظات المصرية، ويسعى التجار إلى الاستفادة من شهرته لتحقيق مبيعات كثيرة بصوره، التي طُبعت أيضًا على فوانيس رمضان. وفي مقهى شعبي شهير وسط القاهرة، رُسِمت صورة جرافيتي له بجانب عظماء للمصريين وأم كلثوم.
هذا ما رصدته صحيفة «فايننشيال تايمز» في تقرير لها ترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّه بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاستقطاب السياسي والصعوبات الاقتصادية للدول العربية، خاصة مصر؛ اجتمع المصريون أخيرًا على ما يوحّدهم ويجمعهم: محمد صلاح، البالغ من العمر 25 عامًا.
ويقول هاني فتحي، عامل في المقهى الشهير، إنّ محمد صلاح «أسطورة مصر، والجدارية حظيت بشعبية هائلة، ويداوم الشباب على المقهى لالتقاط صور لهم بجانبه؛ حتى السياح من الدول العربية».
وسجّل محمد صلاح 40 هدفًا هذا الموسم، وساعد ليفربول في التألق بالدوري الإنجليزي الممتاز، وقيادة الفريق إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، كما أصبح مصدر الأمل وسط النضالات اليومية للمصريين العاديين.
ألهمت حكاية محمد صلاح، الصبي الفقير القادم من قرية نائية، كثيرًا من الشباب المصريين الذين أصابتهم الإحباطات السياسية في أكثر وقت اضطرابًا من تاريخ مصر الحديث. ويقول محمد صبري، طالب جامعي، إنّ «محمد صلاح نجح في تحقيق ما فشل في تحقيقه أيّ شاب مصري آخر؛ ما يعني أنّ هناك أملًا».
واشترك محمد صلاح في حملة قومية لـ«مكافحة إدمان المخدرات»، بعنوان «أنت أقوى من المخدرات». وقالت معجبة به على فيس بوك إنّه أصبح لها ولمعظم الشباب «رمز الثورة»؛ في إشارة إلى ثورة 25 يناير التي أطاحت بالديكتاتور محمد حسني مبارك وحظيت بإعجابٍ عالمي.
ومنذ ثورة يناير، تعثرت التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر بعد أن تدخل الجيش في السلطة بانقلاب عسكري في 2013 للإطاحة بأول رئيس مدني منتخب «الدكتور محمد مرسي».
وكانت ثورة يناير بمثابة الأمل للشعب المصري، خاصة الشباب الذي قام بها؛ لكنّ انقلاب السيسي قضى على هذا الأمل، وفرض قيودًا صارمة على العمل السياسي وزج بالنشطاء والمعارضين داخل السجون، بمن فيهم الإسلاميون والعلمانيون.
لكن، وفي ظل هذا الواقع الصعب، نجح محمد صلاح في تجسيد الكبرياء الوطني المصري؛ بسبب أدائه في الملعب، وبسبب سلوكه المتواضع، وحقيقة وصوله إلى مكانته دون مساعدة من أي أحد. ويقول حسام حسين (26 عامًا)، مرمم آثار، إنّ «محمد ظاهرة ونموذج يجب أن يحتذي به الشباب، ومثال جيد للشاب المتدين والمحترم، ويرسم صورة جيدة عن المسلمين أمام الغرب».
ويتباهى مصريون بتديّن محمد صلاح وسجوده في أرض الملعب بعد الأهداف التي يحرزها. وقال أحمد أسامة إنّ «صلاح بدأ في عكس مفهوم الإسلاموفوبيا لدى الغرب؛ بالرغم من أنه يربي لحيته».
وعلى الرغم من مزايا محمد صلاح المتعددة وصفاته الجيدة، يكافح «أحمد» من أجل العثور على عمل، ويقول: لن تنجح إلا إذا غادرت مصر؛ مثلما فعل محمد صلاح، وأي شخص يغادر مصر ينجح.
لكنّ آخرين يرفضون هذه الفكرة، مؤكّدين أنّ محمد صلاح نجح هنا أولا قبل أن ينجح في الخارج، وأنّ نادي الزمالك رفضه في بداية مسيرته الكروية؛ لكنه اتّبع حلمه.
وقال عبدالرحمن سكران، طالب هندسة، إنّ نجاح محمد صلاح له تأثير إيجابي وآخر سلبي على الشباب المصري؛ فهو مثال لائق لمن قاتل وبدأ من الصفر، لكنه إذا بقي في مصر لما لقي هذا الحظ.
ويدْعي المصريون الآن أن يبقى بطلهم بلا إصابات قبل أن ينضم إلى المنتخب الوطني في كأس العالم المقبل «مونديال روسيا 2018»؛ خاصة وأن مصر تتأهل لأولى مرة منذ قرابة ثلاثة عقود.
وقالت إيناس مظهر، الكاتبة الرياضية في جريدة الأهرام الأسبوعية: بصراحة، نحن نضع كثيرًا من الأمل في محمد صلاح بروسيا، ويعرف اللاعبون الآخرون أنّه ليس أنانيًا، ويقدرونه ويحترمونه، كما أنهم مدينون له بكثير.