قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن النفوذ الإيراني المنتشر في سوريا والعراق، بدأ يلقى مقاومة من داخل تلك الدول، تحت الضغط الأميركي والأطراف الأخرى الساعية للحد من هذا النفوذ، وفقا لمقالة تحليلية لـ«صوني إنجل راسموسن» المختص بشؤون الشرق الأوسط ترجمتها شكبة «رصد».
ففي العراق على سبيل المثال، ظهر السخط بين الشيعة الموالين لإيران، بعد الفوز الساحق لمقتدى الصدر، ورغم أنه شيعي إلا أنه شيعي قومي، وردد شعارات مناهضة لإيران من قبل، فيما يعتبر الصدر أعلى سلطة شيعية في المنطقة، بعد المرشد الأعلى في طهران، أما في سوريا، فيتهم السوريون العلمانيون، النظام السوري بإذكاء الفروق والانقسامات الطائفية عبر دعمه للتواجد الإيراني المتزايد في الدولة، وعلى المستوى العلاقة بين موسكو ودمشق، بدأت روسيا في إبداء معارضتها للوجود العسكري الإيراني القوي، والذي تحاول «إسرائيل» الآن احتوائه بضربات جوية متفرقة.
ووفقا للكاتب، يشكل ما سبق تحديا آخرا لطهران، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الدفاع عن مكاسبها وتجنب العزلة الدولية في نفس الوقت، عقب قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وأضاف الكاتب: بعد المقامرة الصعبة التي نفذها دونالد ترامب والخاصة بالاتفاق، يتحول التركيز حاليا إلى طهران والشعب الإيراني نفسه وحلفاء أميركا، ووفقا لـ«جيرالد إف» الخبير في الشأن الشرق أوسطي، فإن إيران أقامت شبكة من النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي، خلال السنوات الماضية في العراق وسوريا، عبر مساعدة الأنظمة أو دعم ميليشيات ومجموعات بعينها، لكنها في الوقت نفسه تجاهلت أوضاعها الداخلية ومطالب شعبها.
وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، طالب يوم الاثنين الماضي، بضرورة إبرام اتفاق جديد مع طهران، يطالبها فيه بسحب قواتها من سوريا وإنهاء دعمها للجماعات المتشددة مثل حزب الله اللبناني، إلا أن المرشد الإيراني رد عليه، بتهديده بتوسيع الأنشطة الإيرانية، رافضا الحديث عن أي مقترح يطالب طهران بالانسحاب من سوريا أو العراق أو حتى التراجع عن برنامج الصواريخ الباليستة، وهما محورا المطالب الأميركية من إيران.
وينظر إلى نفوذ طهران في العراق على أساس أنه حقيقة واقعية لا مفر منها، حيث سعت إيران لتعزيز هذا النفوذ في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، والإطاحة بصدام حسين في 2003، إلا أنه وفقا للصحيفة، فالشعور القومي لدى العراقيين بدأ في التنامي بشدة في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة، مما دفعهم إلى التعبير عن رفضهم للتواجد الإيراني المتزايد في بلدهم.
ومن دلائل ذلك، المطالبات التي خرج بها التحالف الانتخابي الخاص بمقتدى الصدر، والذي يطالب فيها بإجراء تحقيقات واسعة وشاملة عن التدخلات الأجنبية في السياسة العراقية، من قبل إيران وأطراف أخرى، وهي الدعوة التي رددها الصدر في أكثر من مناسبة وتعهد بالبدء فيه إذا ما فاز في الانتخابات.
وفي علامة على تراجع المزاج الشعبي العراقي ناحية إيران، لم تعد ميليشياتها في الدولة، قادرة على القسم بالولاء للخامنئي علنا، ورغم ذلك، أكد الكاتب، أن طهران مازالت تمتلك مجالا للمناورة، بفضل طبيعة العلاقات العميقة مع مسؤولين عراقيين، والذين يشملون أشخاصا مختلفين، من السنة والأكراد والشيعة، كما تمتلك إيران أشخاصا داخل النظام العراقي، يفضلون تواجدها داخل دولتهم، ووفقا لـ«مايكل ستيفنز»، الباحث في دراسات الشرق الأوسط في معهد رويال يونليتد سيرفيس بلندن، إن التواجد الإيراني في السياسة العراقية أصبح سمة المشهد منذ 2003، ومضيفا: بالفعل المزاج بدأ يتغير قليلا ناحية إيران، لكن التغيير يسير ببطء.
أما في سوريا، الحليف الوثيق لطهران، أصبح التواجد الإيراني مسؤولية متزايدة على أكتاف نظام الأسد، وقالت إسرائيل إنها لن تسمح بوجود إيراني بالقرب من حدودها الشمالية، فيما صعدت من هجماتها على المواقع الإيرانية، مهددة بتوسيع الحرب في الوقت الذي يحاول فيه الأسد تعزيز مكاسبه، مما يجعل الوجود الإيراني مسؤولية بالفعل.
من جانبه، أعطى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين واحدة من أشد التلميحات، بحسب الكاتب، عن أن إيران يجب أن تغادر سوريا قريبا، ويشار إلى أن الاثنين تدخلا في الحرب الأهلية السورية في 2015، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ، بهرام قاسيمي، رفض مطلب بوتين، وقال للصحفيين، إن إيران ستبقى في سوريا طالما الإرهاب موجود، فيما يقول المسؤولون الحكوميون السوريون والإيرانيون إن القوات الإيرانية موجودة في سوريا بناء على طلب نظام الأسد.
وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة السورية حاليًا، إلى تقليل اعتمادها على إيران، فوفقا لوسائل الإعلام السورية الموالية للنظام، انسحبت القوات الأجنبية قبل هجوم حكومي وشيك على المتمردين في منطقة درعا بالقرب من «إسرائيل»، وغير ذلك تسعى الحكومة السورية للحد من الوصول الإيراني إلى ما هو أبعد من المجال العسكري، وذلك بعد أن نكثت اتفاقيات مبدئية تمنح إيران حقوق تعدين الفوسفات وشبكات الهواتف المحمولة.
وقال «جوبين جودارزي»، الأستاذ المساعد في جامعة ويبستر بجنيف: لدى إيران إحساس بالاستحقاق بعد أن أنفقت الكثير من المال والطاقة والأرواح، وهي تسعى الآن إلى صرف ربحها، لكن إذا استمر الضغط عليها من سوريا والعالم سيتخفف من مطالبها.