استنكرت مستشار الأمن القومي في الفترة الثانية من إدارة الرئيس باراك أوباما، سوزان رايس، تساهل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الانتهاكات التي ترتكبها المملكة العربية السعودية.
وأكدت رايس في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، وترجمته “عربي21”، أن رد فعل الإدارة الأمريكية في الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا، كان ضعيفا وصادما، وكشف مدى تقاعس الإدارة ترامب عن انتقاد الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في المملكة، وتخليها عن الريادة الأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت: “تركت إدارة ترامب كندا تتأرجح في مهب الريح، وأعطت الأوروبيين غطاء لغض الطرف عما يجري من انتهاكات، وأوصلت للمملكة العربية السعودية ولغيرها رسالة مفادها أن بإمكانهم أن يمضوا قدماً في انتهاكاتهم دون الخشية من سماع كلمة واحدة تعبر عن قلق واشنطن، ناهيك عن أن يسمعوا أي تنديد صادر عنها”.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
بعد أن غرد وزير الخارجية الكندي معرباً عن قلقه إزاء سجن المملكة العربية السعودية نشطاء في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، حاول السعوديون هذا الأسبوع معاقبة كندا لتخويف وردع غيرها ممن قد تسول لهم نفوسهم انتقاد المملكة. تعهد السعوديون بالتدخل في الشؤون الداخلية لكندا، وقاموا بطرد السفير الكندي واستدعوا سفيرهم، ثم جمدوا التجارة المستقبلية والاستثمار في كندا، وهددوا بإخراج آلاف الطلبة السعوديين من الجامعات الكندية. في العادة، عندما يواجه الأمريكان بمثل هذا التحدي، فإن وزارة الخارجية، سواء في عهود الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية، بإصدار بيان ينص تقريباً على ما يلي:
“تعلن الولايات المتحدة عن دعمها الحاسم لحق الناس عالمياً بالتعبير عن آرائهم بحرية وانتقاد سياسات حكوماتهم بأساليب سلمية. تشعر الولايات المتحدة بالقلق العميق إزاء أحكام السجن الأخيرة بحق نساء رائدات ونشطاء في المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية وتنضم إلى كندا في المطالبة بإطلاق سراحهم. يؤسفنا أن تقوم المملكة العربية السعودية، الشريك المهم للولايات المتحدة، بالرد على القلق الكندي بخطاب مبالغ فيه وبإجراءات تضر بالبلدين معاً. ونحن بدورنا نشجع المملكة العربية السعودية وحليفنا كندا على استئناف الحوار لإعادة العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي.”
انسجاماً مع الريادة العالمية لأمريكا في الدفاع عن حقوق الإنسان، ذلك هو الأسلوب الذي كنا سنؤكد من خلاله على اعتراضنا على الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، وكنا سنؤيد كندا، حليفنا في الناتو وجارنا الذي لا نستغني عنه، والتي لم يكن تصريحها شديداً ولا مسيئاً. وكنا سنرسل بإشارات إلى المملكة العربية السعودية نقول لهم من خلالها إنهم إذا كانت لديهم مشكلة مع كندا بخصوص هذا الموضوع، فإن لديهم مشكلة مع الولايات المتحدة أيضاً، لأن ما منا من أحد يقبل بالخضوع للابتزاز والامتناع عن توجيه النقد حينما يتطلب الأمر ذلك، سواء كان النقد موجهاً لأصدقائنا أو لخصومنا.
إلا أنه بدلاً من ذلك، وبعد رد فعل ضعيف لدرجة صادمة يوم الثلاثاء، خرجت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نوريت بالتصريح التالي:
“لدينا حوار منتظم مع حكومة المملكة العربية السعودية بشأن موضوع حقوق الإنسان وغيره من القضايا. وأما بشأن هذه الحالة تحديداً، والتي تخص كندا، فقد أثرنا الموضوع مع حكومة المملكة العربية السعودية، فهم أصدقاؤنا وشركاؤنا، تماماً كما هو حال الكنديين. يحتاج الطرفان معاً إلى حل هذه المشكلة فيما بينهما بأسلوب دبلوماسي، ولا نملك أن نقوم بذلك نيابة عنهم.”
إنه تكافؤ باطل: تقاعس عن انتقاد انتهاكات صارخة لحقوق إنسان وتخل عن الريادة الأخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية.
هذا هو المعلم المميز لتعامل إدارة ترامب مع موضوع انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة عندما يكون المنتهكون لها من الأصدقاء الطغاة. فيما نحن بصدده من حال، تركت إدارة ترامب كندا تتأرجح في مهب الريح، وأعطت الأوروبيين غطاء لغض الطرف عما يجري من انتهاكات، وأوصلت للملكة العربية السعودية ولغيرها رسالة مفادها أن بإمكانهم أن يمضوا قدماً في انتهاكاتهم دون الخشية من سماع كلمة واحدة تعبر عن قلق واشنطن، ناهيك عن أن يسمعوا أي تنديد صادر عنها.
يعكس الموقف الأمريكي ذلك الصك على بياض الذي منحناه لولي عهد السعودية محمد بن سلمان البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً حتى يتصرف في مختلف القضايا دون خشية من المساءلة أو المحاسبة.
لقد حظي ولي العهد بالتكريم والحفاوة من وال ستريت إلى هوليوود، حيث أشاد مساعدوه ببرنامجه للتنويع الاقتصادي وامتدحوا إصلاحاته الاجتماعية، بما في ذلك منح المرأة حق قيادة السيارة ومنح الفتيان والفتيات الحرية في التردد على دور السينما والمسارح لمشاهدة أفلام غربية منتقاة أو حضور الحفلات الموسيقية.
لئن كانت هذه الخطوات مما يرحب به، إلا أنها تخفي من ورائها مجموعة داكنة من السياسات المحلية والخارجية التي يعكف عليها ولي العهد والتي من شأنها أن تضر بالمصالح الأمريكية. لقد استخدم القمع الشديد ضد النشطاء وسجن أفراداً من العائلة الملكية الحاكمة وبعض رجال الأعمال دون أدنى إجراءات قانونية أو قضائية سليمة متهماً إياهم بالفساد، ثم احتجز لفترة قصيرة رئيس وزراء لبنان.
وبالتحالف مع الإمارات العربية المتحدة، شن ولي العهد حرباً لا هوادة فيها ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران في اليمن، حيث يستخدم الدعم اللوجستي الأمريكي والأسلحة التي تزوده بها الولايات المتحدة، وبعضها حصل عليه من إدارة أوباما، ليقصف المدنيين بشكل عشوائي، بل يقال إنه لربما تعاون عندما ناسبه ذلك مع مقاتلين من القاعدة، وقطع الطريق على توصيل مساعدات إنسانية بات الأهالي في أمس الحاجة إليها.
منذ أكثر من عام والمملكة العربية السعودية تفرض حصاراً على قطر المجاورة لها، وتقوم الآن بحفر قناة لتحويل قطر إلى جزيرة، وذلك على الرغم من وجود ما يقرب من عشرة آلاف جندي أمريكي على أراضيها، وذلك لمعاقبة قطر على دعمها للإرهاب كما يزعم وعلى علاقاتها بإيران.
والأخطر من ذلك كله أن ولي العهد وحلفاءه في المنطقة هم الذين حثوا إدارة ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات عليها، الأمر الذي من شأنه أن يشعل نيران الصراع مع إيران.
تقوم الولايات المتحدة بدور التابع لا الرائد في شراكتنا الجديدة غير المشروطة مع المملكة العربية السعودية. وبتنا نرضخ باستمرار لرغبات وتصرفات ولي العهد مهما كانت مستقبحة أو ضارة. ولأسباب ماتزال مجهولة، أعطى الرئيس ترامب انطباعاً لولي العهد (الذي يتوقع أن يقود المملكة لعقود قادمة) يفيد بأن أمريكا تحت أمرك وفي خدمتك.
يولع المدافعون عن السياسة الخارجية لهذه الإدارة بالحديث عن العلاقة الأمريكية المتحسنة مع المملكة العربية السعودية ومع دول الخليج وإسرائيل باعتبارها إنجازاً بالمقارنة مع فترة أوباما.
ولا عجب إذن أن تكون هذه البلدان مولعة بالرئيس ترامب لأن الولايات المتحدة في عهده، على النقيض مما كانت عليه في عهد سلفه، انكفأت على ذاتها وتصرفت كما لو كانت ميتة بينما يفعلون هم ما يبدو لهم. وليس هذا من مواصفات الريادة والقيادة في شيء.