المتابع لأحوال الأمة المصرية عقب نجاح الثورة العظيمة في 25 يناير 2011 وتمكنها من إزاحة كابوس الاستبداد والقهر والفساد سيجد حيرة واضطراباً لدى المصريين جميعا – رغم الفرحة العارمة بزوال نظام فاسد كان زواله حلم بعيد المنال ولكن من الأحلام ما يتحقق – هذه الحيرة وصلت إلى حد التشكيك في قيام الثورة أصلاً ووجد المصريون أنفسهم بين معسكرين : معسكر الثورة الذي يريد للثورة أن تتم وتحقق أهدافها ومعسكر الثورة المضادة الذي يكفر بالثورة ويريد العودة مرة أخرى ويحاول بكل الوسائل إعادة إنتاج النظام السابق حتى وقتنا هذا .
وفور سقوط النظام – أو بالأدق رأس النظام لأن جسده ما زال يحكم ويتحكم حتى هذه اللحظة في كل مفاصل الدولة رغم بعض التغييرات غير الجوهرية باستثناء مؤسسة الرئاسة طبعاً فمازالت معظم الوزارات تدار بنفس الأساليب القديمة وبنفس الكوادر القديمة والسياسات والإجراءات القديمة بل والتعليمات القديمة فلم يتغير شئ حقيقي في دواوين الوزارات يدل على ان هذه حكومة ثورة . كيف لا ومعظم الوزراء وكلاء وزارة سابفون تمرسوا في إدارة دهاليز سياسات النظام السابق ولا يعرفون غيرها – أقول فور سقوط رأس النظام وجد المصريون أنفسهم نهباً لمعارك استنزاف طويلة وقصيرة الأمد من أنصار النظام السابق تركزت على الجانب الاقتصادي لتوقع الناس في أزمات طاحنة لكنها مفتعلة ولم تنس الجانب السياسي لتنشر الفرقة والخلافات وتحاول جر المصريين إلى الفتنة والاقتتال الداخلي ولكن صبر المصريين اقتصاديا ووعيهم سياسياً أفشل كل هذه المخططات واحداً تلو الآخر وأذاقهم طعم الهزيمة في مواضع كثيرة لعل أهمها المعركة الانتخابية الرئاسية ، وسيظل الشعب المصري لهم بالمرصاد في كل ما يدبرون وما يخططون .
والآن .. ماذا عن الوضع الآن ؟
من ينظر إلى الوضع الآن سيجد استمرار الحيرة والاضطراب في المشهد النصري ولكن بدرجة أقل فالمكاسب التي حققها المصريون أعطتهم الثقة في بناء مستقبل أفضل وإن من يحاولون تعطيل المسيرة يعرفون أنهم سيواجهون بكل فوة وحزم من الشعب الذي صمم أن يمضي قدما رغم كل المعوقات ورغم من يحاولون جذبه للوراء .. ينتظر المصريون أن يتموا مشروع دستورهم ليكون لهم لأول مرة دستوراً بإرادتهم وموافقتهم بعد أن كان هبة من حاكم فصل الدستور لنفسه وزور الموافقة عليه وما المشاغبات التي تحدث حول الدستور والتأسيسية الآن إلا لتصب في هذا الاتجاه فهناك من يريدون أن يفصلوا الدستور لأنفسهم فقط ويضمنوا موافقة علية من الشعب ولو بالتزوير وهذا لن يحدث أبداً فدستور مصر لكل المصريين ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلافات في الآراء ولابد للأقلية أن تحترم الأغلبية كما يجب على الأغلبية أن تتفهم مطالب الأقلية المعقولة بشرط ألا تطغى هذه الأقلية وتشتط في طلباتها لدرجة إلغاء آراء الأغلبية لنجد أنفسنا أمام ديكتاتورية الأقلية التي لا يمكن أن يقبل بها أحد غير متناسين أن الكلمة الأخيرة للشعب كله الذي أثبت انه أكثر وعيا من جميع النخب صاحبة الصوت العالي والضجيج الإعلامي دون وجود حقيقي في الشارع .
وينتظر المصريون أيضاً أن يكون لهم مجلس شعب منتخب انتخاباً حراً بعد نجاح مؤامرة حله رغما عن إرادة الشعب الذي انتخبه ولكن لا يمكن استمرار الوضع الحالي بهذا الفراغ التشريعي والدستوري .
وحين تكتمل المؤسسات الدستورية في مصر الثورة فإنه يمكنها أن تنطلق نحو بناء نهضة مصرية قوية تأخرت عقودا طويلة وإن كل من يسعى ويحاول أن يعطل استكمال بناء المؤسسات بغير حق ولمصلحة شخصية أو حزبية هو متحالف مع أعداء مصر في الداخل والخارج لمنع انطلاق هذه النهضة المنشودة . أحمد محمد عبد الله