كشف الجهاز المركزي للمحاسبات تاريخا طويلا للفساد في القطاع الصحي والعلاج على نفقة الدولة منذ العهد السابق وصولا إلى ثورة 25 يناير، والمفترض كما أفاد التقرير أن يكون العلاج على نفقة الدولة لغير القادرين، وغير المشمولين بالتأمين الصحي وغير المتعاقدين, وغير المنسوبين للشركات.
ورغم صدور قرارات بذلك إلا أن الاستثناءات كانت تبتلع الميزانيات المرصودة من قبل الدولة وربما كانت القرارات الصادرة عن المجالس الطبية المتخصصة هي الأكثر عدالة؛ حيث كانت تلامس الفئات المستحقة فعليا.
ولكن دخول فئات قادرة كانت تبتلع الميزانيات المرصودة لذلك والتقرير كان لفترة متقطعة من 2007 :2010 شاملة للعلاج في الداخل والخارج.
العلاج في الداخل
ونأخذ بعض مظاهر الفساد للعلاج داخل مصر كما ورد في تقرير "الجهاز المركزي للمحاسبات"؛ حيث عجزت الدولة عن سداد مستحقات الجهات العلاجية حسب تقرير عام 2009 والتي بلغت 107 مليارات جنيه, وبالتالي انخفاض جودة العلاج أو توقفه ورفض الحالات المحوّلة للجهات العلاجية؛ بسبب المال السايب والذي كان يجب أن يكون مصحوبا برقابة صارمة، وخاصة أن هناك فسادا كبيرا من قبل المديريات الصحية في المحافظات، فكانت المبالغ ترسل دون تفصيل للمصروفات والمديونيات المستحقة لجهات العلاج وتحديد كل جهة.
كانت هناك تجاوزات وخاصة لطلبات العلاج المقدمة من أعضاء مجلسي الشعب والشورى؛ حيث كانت لا تستوفي شروط العلاج وخاصة تقرير اللجنة الثلاثية, وعدم الالتزام بالقيمة المحددة لتكاليف العلاج أو ما يسمى بروتوكول العلاج، ووجود اختلاف كبير في التكلفة بين جهات العلاج العامة والخاصة لأمراض متشابهة رغم توفرها بمستشفيات وزارة الصحة.
ومن المفارقات أن تقوم "المجالس الطبية المتخصصة" بالموافقة على العلاج في مستشفيات خاصة دون مبرر على نفقة الدولة رغم توفر ذلك في المستشفيات والمعاهد الحكومية التي يتم المحاسبة فيها وفق بروتوكول المجالس الطبية المتخصصة.
كما كانت تصدر قرارات علاج لتصحيح الإبصار بالليزك, وهذا غير موجود بالبروتوكول بتكلفة تصل إلى 12 ألف جنيه للحالة الواحدة، في حين لا يستطيع البسطاء والذين لا يملكون الواسطة، أو شراء الإذن ـ كرشوة للحصول على حق العلاج على نفقة الدولة!.
وفوجئ الجميع بقيام المجالس الطبية المتخصصة في فبراير 2010 بإلغاء العلاج للعديد من الحالات والتي صدرت في أعوام سابقة من 2007 ـ 2009 دون مبرر أو بيان أسباب عدم استفادة المرضى من الخدمة الطبية وبلغ ما تم حصره من هذه الحالات 1738102 جنيه.
ومن المفارقات صدور قرارات علاج لشركات خاصة لتركيب سماعات أُذن, والتي تتوفر بمراكز السمع والكلام، وقيام الوزارة بصرف قيمة علاج لمرضى من المحاسيب لشرائهم أدوية خارجية دون رقابة على ذلك.
وأيضا قيام جهات العلاج الحكومية بمحاسبة المرضى بسعر البيع بناء على قرار وزير الصحة 267 لسنة 2004 في عهد الوزير حاتم الجبلي، وتخصيص 7% تصرف من فارق سعري البيع والشراء كجهود غير عادية للعاملين في مجال العلاج مخالفة لقانون موازنة الدولة رقم 87 لسنة 2005.
حاتم الجبلي وعلاج الخواص
عهد الدكتور حاتم الجبلي كان حافلا بالقرارات المجاملة لكل ما يأتيه من توصيات النظام السابق من وزراء وأعضاء مجلسي الشعب والشورى وحتى رجال الأعمال، وكانت الاستجابة تعد بداية لتبادل منافع ومصالح وإثراء على حساب الدولة.
وكان كثير من الموافقات على العلاج على نفقة الدولة لعمليات التجميل -حسب التقرير- والعلاج الطبيعي، وجلسات المساج والأوزون والأسنان، وإصدار قرارات علاج جماعية للعاملين بمجلس الوزراء ما أمكن حصره منها نحو 4 ملايين جنيه على الرغم من وجود صندوق خدمات طبية لرئاسة مجلس الوزراء بل تضمنت الموافقات صرف فواتير مقدمة من المستشفيات الاستثمارية والخاصة ببنود تكالـيـف أجور الاستشاريين وأتعاب الأطباء، والإشراف الطبي وصلت نسبتها إلى 73% من إجمالي قيمة القرار، أو تتلاشى قيمة القرار في شراء أدوية عالية السعر بما يتنافى مع أهداف العلاج على نفقة الدولة.
من اللافت للنظر أنْ يحدث تعديل لجهة العلاج بالداخل إلى مستشفيات استثمارية وخاصة بدلا من المستشفيات الحكومية دون الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء -أحمد نظيف حينها- ؛ حيث يتم التعديل من هيئة المستشارين بمجلس الوزراء، والأغرب أن تكون قرارات العلاج بأسماء متوفين لاستنزاف أموال الدولة والإثراء غير المشروع، ولصالح المستشفيات التي كانوا يعالجون فيها، إضافة إلى عدم إعداد أي بيانات ودراسات قبل إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة، الأمر الذي أدى إلى زيادة نفقات العلاج بنسب وصلت في بعض الأحيان إلى 100% من قيمة القرار الأصلي.
العلاج في الخارج
العلاج على نفقة الدولة حدث عنه ولا حرج, فقد كانت للمحظوظين من محاسيب الشخصيات الكبرى، والفنانين، وإن كان الأمر يتعلق برئيس الوزراء؛ لأن أحد المستفيدين الوزير نفسه وزوجته تم علاجها بمبالغ وصلت لمليوني جنيه؛ حيث وافق أحمد نظيف -رئيس مجلس الوزراء السابق- على إصدار 10 قرارات لعلاج السيدة منى محمد حمدي العيوطي – حرم وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي – في الخارج في الفترة من 2006 حتى 2010 وبالمخالفة للقانون، وبنفقات باهظة تصل لمليوني جنيه، بخلاف مصاريف السفر بالدرجة الأولى بالطائرة وبدل السفر بالفئة المقررة للسادة الوزراء عن كل ليلة تقضى خارج دور العلاج، بالإضافة إلى رسوم التحويل لها وللمرافق وتخصم التكاليف من الاعتماد المدرج لعلاج المواطنين.
بالإضافة 10 آلاف دولار لعلاج وزير الصحة في مستشفى "كلينفين كلينك" بواشنطن وهو المستشفى الذي يشارك وزير الصحة في مستشفى دار الفؤاد.
ولقد ذكر التقرير أن قيمة ما تم حصره خلال أقل من 3 سنوات 60.525 مليون جنيه قيمة ما أمكن حصره للتكلفة الإجمالية لقرارات العلاج على نفقة الدولة بالخارج خلال المدة من 1/7/2007 إلى 15/2/2010 «سنتان ونصف تقريبا».
ولا يمنع ذلك إن كانت للفئات المحتاجة، أما أن يكون العلاج للخاصة وخاضع للمحسوبية, ومعاملتهم معاملة الوزراء، وتحمل خزينة الدولة فاتورة العلاج، وعدم عرض مستندات العلاج بالخارج الواردة من المكاتب الطبية بالخارج على أي لجان طبية بالداخل وذلك لإمكانية التحقق من مدى ارتباطها بالمرض الصادر بشأنه قرار العلاج.
وأضاف التقرير في كثير من الحالات لم توجد مستندات مؤيدة لصرف مبالغ، وما أمكن حصره منها مبلغ 10,341 مليون جنيه من المكاتب الطبية بالخارج، الأمر الذي أدى إلى عدم إحكام الرقابة عليها، وعدم الوقوف على مدى توافر العلاج داخل جمهورية مصر العربية للحالات الصادر بشأنها قرارات علاج بالخارج تطبيقا لأحكام القرار الجمهوري رقم 691 لسنة 1975, وعدم بيان الأسس التي تم الاستناد إليها عند تحديد قيمة قرارات العلاج خارج جمهورية مصر العربية فضلا عن عدم تحديد الجهة التي تقوم بتحديد التكلفة.
وأشار التقرير في ختامه إلى ضرورة الرقابة حتى يصل العلاج على نفقة الدولة لمستحقيه من غير القادرين، ودعا التقرير إلى ألا يصدر القرار إلا من اللجان الطبية المتخصصة حتى لا تهدر مقدرات وزارة الصحة لصالح المحاسيب والمجاملات، وأن يكون بتقارير طبية معتمدة، داعيا لدعم الحقل الصحي لسداد الديون المستحقة للمؤسسات العلاجية في الداخل.
كما دعا تقرير الجهاز المركزي إلى ضرورة فتح السقف المادي لقائمة الأمراض التي يتطلب علاجها على نفقة الدولة مبالغ كبيرة مثل: الغسيل الكلوي، علاج الإنتر فيرون،الأورام، جراحات المخ المعقدة، زراعة الأعضاء والأنسجة البشرية.
مضيفا: ألا يصدر قرار لاستكمال علاج إلا بعد الرجوع لتقرير لجنة مختصة، وعدم إصدار أية قرارات علاج على نفقة الدولة للمرضى المنتفعين بمظلة علاجية ويستثنى من ذلك مرضى الغسيل الكلوي، وتحديث وتطوير وتنمية الموارد المادية والبشرية للمستشفيات الحكومية بما يضاهي الإمكانيات المتوفرة بالمستشفيات الخاصة والاستثمارية لزيادة كفاءة وفاعلية الخدمات الطبية المقدمة من المستشفيات الحكومية، وعدم إصدار قرارات العلاج بالخارج إلا حينما يتعذر تواجده في الداخل.