شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الصاوي مبروك يكتب من خلف القضبان : جرائد قومية

الصاوي مبروك يكتب من خلف القضبان : جرائد قومية
سأصف لكم زنزانتي الآن.. غرفة رمادية الحوائط، مستطيلة الشكل، بابها حديدي سميك أسود اللون،...
سأصف لكم زنزانتي الآن.. غرفة رمادية الحوائط، مستطيلة الشكل، بابها حديدي سميك أسود اللون، شبابيكها علوية مستطيلة يَنفذ منها بالكاد الضوء وقليل من الهواء، يجلس مجموعة من الزملاء في أحد الجوانب يلعبون الدومينو الذي صنعوه من أوراق الكرتون ! مجموعة أخرى تتسامر على وقع أكواب الشاي ودخان السجائر ومجموعة ثالثة تقرأ القرآن.

تتداخل بأذني كل الأصوات بينما أنحشر بين اثنين من زملائي أكتب وقد انتهيت لتوي من مروري شبه اليومي على "الجرائد القومية"، تلك الجرائد التي تتسرب لنا أحيانًا في الزيارات !
 

*****

كان مُصطلح "الجرائد القومية" يُطلق قبل ذلك على تلك الجرائد التي تتبع الدولة وتتحدث باسمها وتُدافع عن مواقفها ويعمل بها موظفون بدرجة "كُتّاب". الآن وبعد أن أطلّ علينا نظام 30 يونيو أصبحت كل الجرائد "قومية" بأخبارها وكُتّابها وتحقيقاتها.. فلا فرق بين أن تقرأ "الأخبار" أو أن تُقّلب صفحات "المصري اليوم" أو "الوطن" حتى أني تساءلت يوماً أين جرائد المُعارضة ؟! فتذكّرت أننا نخوض حرباً ضد "الإرهاب" فتراجعت عن هواجسي !

من السهل جداً أن تكتشف أن هناك حملات محددة في كل الجرائد في وقت مُحدد تحمل مضموناً كأن تجد مثلاً كل الجرائد تتحدث عما يُسمى "الجيش المصري الحُر" أو تجد الجميع يتحدث عن حربنا المُقدّسة ضد "أمريكا" وإتجاهنا شرقاً إلى "روسيا الصديقة" أو تجد مثلاً حملة ضد كاتب بعينه مثل "فهمي هويدي" أو أُخرى ضد سياسي.. تجد فجأة كل الكُتّاب والأعمدة قد بدأت الحملة في وقت واحد بشكل مُنتظم وعجيب حتى أنهم في بعض الأحيان لا يبذلون جُهداً في تغيير ألفاظ وكلمات "المانشيتات" وعناوين المقالات !

مُدرِك تماماً أن قارئ هذا المقال لا يقرأ تلك المطبوعات لذلك دعني عزيزي القارئ أن أُنقل لك طبيعة المعركة الدائرة في تلك "الجرائد القومية" والتي بالطبع هي صدى لما يحدث في أروقة السياسة والحكم !

الواقع أن هناك حرب ضروس بين نُخبتين وفريقين.. نخبة قديمة ترجع إلى ما قبل ثورة يناير كانت تُهلّل للحاكم الإله وهي بالطبع الآن ترى في نظام 30 يونيو منقذ لها تستعيد معه مجدها وتألُقها.. وبالطبع مصالحها ! ونخبة جديدة تشكّلت قواها قبل 30 يونيو فيما عُرف بــ "التيار المدني" بكل ألوان طيفه من اليمين إلى اليسار.. تلك النخبة التي رأت في النظام الجديد ما بعد 30 يونيو أيضاً منقذاً لها من "نظام الإخوان" لأنهم كانوا يُدركون جيداً أن نجاح الإخوان يعني بقائهم خلف المشهد لسنوات طويلة !

تلك الحرب الدائرة تستطيع أنت كقارئ أن تراها بسهولة في كُتّاب المقالات والأعمدة من النخبتين في "الجرائد القومية"، وتستطيع أن تدرك بسهولة أن نخبة ما قبل 25 يناير أو "الفلول" هي من ستكسب المعركة في النهاية لأنها من تعمل على الأرض، لها قواعدها التي تجمع "التوكيلات" وتصرف الأموال وتحشد في الاستحقاقات !

أما نخبة ما يسمى بــ "التيار المدني" فهي نخبة "كلام" و "منظر" يُجمّل بها النظام شكله في وقت ما، ثم بعد قضاء مُهمّتها يُلقى بها خلف المشهد مرة أخرى فتصير مُعارضة مُهمّشة يكتفى رموزها بمقال في جريدة أو دعوة على عشاء من أحد المسؤلين . وماهي إلا أيام وتستعيد النخبة القديمة بقياداتها القديمة المشهد من جديد ويتم إستعادة ما يُطلقون عليه الآن "الدولة المصرية" !
 

*****

كأحد الشباب الذين عاشوا حلم الثورة في يوم من الأيام لا أهتم كثيراً بنخبة "الفلول" إنما كنت أهتم بالأساس بتلك النخبة التي كنا نظن في يوم من الأيام أنها تُشاركنا "الحلم".. حلم الثورة والحرية والعدل الذي بدأته معنا نحن كل شباب مصر بكل إتجاهاتهم السياسية !

ظننت ككثير مثلي أن القوم في "التيار المدني" يدافعون عن معاني "الحرية والعدل" كمبادئ مُجرّدة.. عن حق الإنسان المصري.. أي إنسان مصري في العيش بكرامة !

أقول ظننت.. نعم ظننت، ويبدو أن ظني وكثير غيري قد خاب، فما أقرأه كل يوم وكل أسبوع في جرائدهم "القومية" لكُتّاب من "التيار المدني" يجعلني أقف مشدوهاً ومُتفاجئاً.. كيف تحوّل كل هؤلاء مرة واحدة عن كل ما كانوا يُنادون به ؟!.. بل كيف يتنكرون الآن في مقالاتهم بــ "جرائدهم القومية" عن كل ما آمنوا به يوماً ؟! كيف صدّقنا يوماً أن "عمرو الشوبكي" ، "أسامة الغزالى حرب" و "محمد أبو الغار" وغيرهم كانوا ليبراليين يدافعون عن الحريات ؟ وكل مقالاتهم وكتاباتهم الآن تتحدث عن الوقوف بجانب الشرطة لمزيد من القمع والقتل ! كيف آمنا يوماً أن "عبدالحليم قنديل" ، "حمدي قنديل" ، "كمال أبو عيطة" ، "سكينة فؤاد" و "شاهندة مقلد" وغيرهم كثير كانوا يُدافعون عن العدالة الإجتماعية وكرامة المصري وكل كتاباتهم الآن تتغزل في إجراءات نظام 30 يونيو التي تُثقل كاهل الفقراء ؟!

كيف تحول "الإخوان" في يوم وليلة إلى "إرهابيين" يستحقون القتل والإعدام وقد وصل بعضهم إلى البرلمان على قوائمهم الإنتخابية وعمل الكثير منهم بجوار قادة الإخوان بل ومُستشارون لرئيس من الإخوان !

مُدّرِك تماماً حجم وعِظم الأزمة التي يمر بها قادة هذا التيار وهُم يرون استبعادهم واستبدالهم شيئاً فشيئاً من قادة نظام 30 يونيو والغريب أنه كلما بالغ ذلك النظام في قسوته عليهم إزدادوا إلتصاقاً به وتهافتاً عليه ! في واحدة من تجليات "متلازمة ستوكهولم" الشهيرة !

كما أدرِك أيضاً حجم السقطات والأخطاء السياسية الفادحة للــ "الإخوان" والتي تصل لحد الكوارث ! لكن هل يستدعي هذا أن يتحول هؤلاء إلى وحوش تهلل للدماء ؟!

أي "تيار مدني" هذا الذي انسحب بعضه من مؤسسة رئاسة "مرسي" بدعوى أنه أصبح "مُستبداً" بسبب إعلان دستوري عارضناه فيه وعدّله هو لاحقاً ؟ ثُمّ الآن يهلّلون لقانون الإرهاب وقانون الإجراءات الجنائية بل ويتهافتون ويتقربون إلى نظام 30 يونيو ببيان حكمة تلك القوانين المُقيّدة للحريات !

أي "تيار مدني" هذا الذي صدّع رؤوسنا بتبعيتنا لدولة "قطر" أيام "مرسي" ثُمّ هو الآن يكتب في "جرائدهم القومية" عن كرم الشقيقة التي قَبِلت أن تجعلنا إحدى إماراتها ؟!

أي تيار هذا وأي نخبة تلك التي " ذلتنا " بعدم مُساندة الإخوان للثوار في الكثير من المشاهد الثورية كمحمد محمود وغيرها ثُمّ نُفاجئ بأن أحد أهم "مُنظّريّ" ذلك التيار صديقي الكاتب الشاب الذي استبشرت كثيراً بانتقاله من إحدى "الجرائد القومية" إلى أُخرى أقل قيوداً يكتب مقالاً عنوانه "عزيزي عضو الإخوان.. انتحر وحدك.. نؤمن أن الانتحار حرام شرعا" ! ماذا لو كتب أحد كُتّاب الإخوان مقالاً كهذا في أيام الثورة الأولى ؟!

والغريب بل المُدهش بالنسبة لي أن صديقي الكاتب أصبح كثيراً يُذكّرنا بأن "ضُباط الداخلية" يقرؤن القرآن ويُطعمون قطط الشوارع !

ياليتهم لم يقرؤا القرآن يا صديقي وتركوا إخوانك "الثوار" في محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من الأحداث دون أن يقتلوهم أو أن يفقأوا أعينهم ! ياليتهم  يا صديقي لم يُطعِموا قطط الشوارع وتركوا إخوانك و "تيارك" يتظاهرون في الشوارع دون إعتداء أو سحل أو إعتقالات!

أضحكتنى كثيراً يا صديقي لأني تذكّرت أن الضابط الذي كان يتولّى تعذيبي في "جابر بن حيّان"- حين كنت طالباً واعتُقِلت – كان يُمسِك "سبحة" في يده وأصرّ بشكل غريب ألا أدعوا عليه بعد خروجي ! ولكن برغم كل شيء لازلت مُتيقّن أن المخلِصين من كل " التيارات " من جيلنا سَيُكملون "الحلم"، بعيداً عمن لوثتّهم السياسة وفقدوا معها بوصلتهم، وأحياناً.. إنسانيتهم .

المصدر : سياسة
 

 
 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023