علّق المقدم في شبكة "إل بي سي" الإخبارية، جيمس أو براين، رداً على متصل يدعى ريتشارد، أصرّ على أن المسلمين (ومن ضمنهم متصل سبقه في المشاركة بالبرنامج ويدعى عباس) مطالبون بالاعتذار، قائلاً: "أخبرني لماذا لم تعتذر أنت عن محاولة التفجير التي قام بها الإرهابي ريتشارد (في إشارة إلى ريتشارد ريد الذي حاول تفجير نفسه على متن رحلة للخطوط الجوية الأمريكية متجهة من باريس إلى ميامي في 2001)، فلعله قام بها باسم "الريتشاردات" في العالم! بما أنك ترى أنه على المتصل السابق (المسلم) عباس، أن يعتذر عن هجوم إرهابيين مسلمين، خذ كل الوقت الذي تحتاجه (يا ريتشارد) للإجابة عن السؤال!".
وعمّت العالم مطالبات للمسلمين بالاعتذار عن عملية "شارلي إيبدو"، على اعتبار أن القاتلين كانا مسلمين.
عبّرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية عن استيائها من تعليقات مدير ثاني أكبر مؤسسة إعلامية في العالم، روبرت مردوخ، ولومه ما يزيد على 1.4 مليار مسلم حول العالم على الهجمات الإرهابية التي قام بها ثلاثة أفراد متطرفين، الأسبوع الماضي، بقتلهم 12 شخصاً في هجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، حيث طالب المسلمين بـ "الاعتذار" عن تلك الاعتداءات.
ظهرت أصوات نزيهة رفضت الغمز في الإسلام كما رفضت إلصاق التهمة بالمسلمين وتعميمها عليهم. وكانت الرسالة التي بلورتها تلك الآراء تقول بصريح العبارة: نحن ضد القتل ومع حرية الرأي، لكننا أيضا ضد الموقف الذي تبنته مجلة "شارلي إيبدو" إزاء الإسلام والمسلمين.
وحسب مقال للكاتب الصحفي فهمي هويدي جاء فيه: "بوادر الإفاقة ظهرت في تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحفظت على شعار "أنا شارلي"، وقد رُفع في باريس وجرى تعميمه على مختلف وسائل الإعلام بعد ساعات من وقوع الحادث".
وإذ انتشر الشعار بسرعة البرق في أجواء الصدمة؛ فإن بعض الأصوات المحدودة خرجت معلنة التضامن مع الضحايا وليس مع المجلة، وكان في مقدمة هؤلاء ناشط وكاتب لبناني يرأس الرابطة العربية الأوروبية في بلجيكا هو دياب أبو جهجة، الذي كتب "أنا أحمد" وليس شارلي. وكان يشير بذلك إلى أحمد مرابط الشرطي الفرنسي من أصل جزائري الذي قتل في الحادث وهو يدافع عن مجلة دأبت على إهانة ثقافته ودينه.
وقد جسد بذلك مقولة فولتير الشهيرة: "قد أختلف معك في الرأي، لكني مستعد لأن أموت دفاعا عن رأيك"، وهو ما يجعل رمزيته أهم وأكثر موضوعية ونزاهة من رمزية التضامن مع المجلة ذاتها. وكأنما أطلق صاحبنا الشرارة فظهرت بعد ذلك مدوِّنة فرنسية اسمها كريستين جيلبرت معلنة تدشين حملة شعارها "لست شارلي ولكنني أحمد".
وقالت جيلبرت في تبرير ذلك أن أحمد هو الشرطي المسلم الذي قتل أثناء دفاعه عن حق المجلة في التعبير بحرية. وانتقدت تجاهل رمزية التضحية التي قام بها ذلك الجندي المسلم الشجاع، كما انتقدت استخدام الحادث لمعاداة الإسلام أو التنديد بالمسلمين والدعوة إلى طردهم، قائلة: دعونا نحكم على بعضنا البعض وفقا لأعمالنا الفردية وليس من خلال لون بشرتنا أو معتقداتنا".
وفي السياق نفسه تساءل أكاديميون مثل طارق رمضان وجون كين، وبريان كلغ من جامعة أوكسفورد حول مدى حرية التعبير التي لا تعني بالضرورة واجب القيام باستفزاز وإهانة اتباع دين آخر كما صار ديدن «شارلي ايبدو». وكان لدى البعض مجال للتذكير بازدواجية المعايير التي آمنت بها المجلة الساخرة، وذكروا بأنها تجنبت الحديث عن جماعات أخرى وركزت باسم حرية التعبير على الإسلام.
وكتبت الصحفية نبيلة رمضاني، فرنسية المولد جزائرية الأصل، لصحيفة "الجارديان" البريطانية قائلة: "كما يرينا التاريخ الفرنسي، فإن العنف الشديد يولد في كثير من الأحيان عنفاً أكبر، وتستمر دائرة الدم، كما استمرت دائماً"، مضيفة: "إلا أن إلقاء اللوم على ملايين المسلمين الفرنسيين الملتزمين بالقانون، أمر من السخرية بمكان كمحاولة إلقاء اللوم على مجموعة صغيرة من الفنانين والكتاب" في التحريض على هذا العنف من الأساس.
وكتب صحفي موقع "فوكس" الإخباري الأمريكي، ماكس فيشر، في مقال نشر سابقاً بعد حادثة الحصار في سيدني الشهر الماضي، إلا أنه حدّثه بعد أحداث شارلي إيبدو قائلاً: "علينا التعامل مع منفذي هجمات مثل تلك التي طالت شارلي إيبدو كما هم فعلاً: وحوش يقومون بالقتل من أجل القتل ويحاولون التحريض على صراع ديني انغمس فيه مهاجمو المسجد".
وأضاف: "كما علينا التعامل مع المسلمين على أساس حقيقتهم أيضاً: أشخاص عاديون يرفضون، بطبيعة الحال، الإرهاب، عوضاً عن اعتبارهم نوعاً أقل من البشر يتوقع منهم أن يعلنوا نبذهم العنف في كل مرة يحدث فيها حادث إرهابي".
إيان ماك إيوان، على موقعه على الإنترنت، يصف منفذي الحادث بالمرضى النفسيين، قائلا: "هم مرضى نفسيا اختطفوا الدين الإسلامي، وحرفوا رسائله بشكل صارخ من خلال أوهامهم الملتوية عن الاستشهاد والحرب المقدسة، لتحقيق غاياتهم المجنونة. هل هو عبء علي، وعلى الآخرين مثلي، أن نقوم بالاعتذار عن فواحش هؤلاء؟ سيكون سخفًا، إن لم يكن جارحًا، قول ذلك".
وتابع: "نحن نعلم أن الدين اختطف مرارًا عبر العصور، وتضمن ذلك اختطاف المسيحية خلال الحروب الصليبية في العصور الوسطى، وخلال قرون من الإمبريالية الأوروبية بعد ذلك. لقد جعل المسلمون من الواضح تمامًا أن هؤلاء المجانين المتعصبين لا يمثلون الروح الحقيقية للإسلام؛ بل يتلاعبون بها.
واختتم قوله: "بالنسبة للمسلمين، الاعتذار يعني أن يعترفوا بأنهم منحوا هؤلاء الرجال المأوى، ودعوهم إلى مساجدهم، واستمعوا إلى كراهيتهم، وربما حتى إلى خططهم. ولكن، كم منا فعلوا ذلك، أو كم منا ما زالوا متواطئين في هذا؟ لا أنا، ولا الغالبية العظمى من الـ 2.8 مليون مسلم في بريطانيا هم كذلك".