مع هبوب غبار المعارك على محيط القصر الرئاسي بصنعاء، يبدو أن الموقف بات ينذر بأنها "الأيام الأخيرة" للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في الحكم، وأنه أصبح "فاقدًا للسيطرة على السلطة لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، منذ أشهر "، بحسب محللين.
والاشتباكات التي وقعت صباح أمس الاثنين، بين قوات تابعة له، وأخرى تابعة لجماعة "أنصار الله" المعروفة بـ"الحوثي"، في عدة شوارع متفرقة بمنطقة الـ70، بصنعاء، كانت على مرمى حجر من دار الرئاسة الكائنة في المنطقة نفسها.
هذه الاشتباكات التي يقول الحوثيون "إنها اندلعت في أعقاب إطلاق قوات الحرس الرئاسي، النار على عناصر من اللجان الشعبية تابعة للجماعة في جولة المصباحي، بالمنطقة، والتي أسفرت عن سقوط قتيل وتسعة جرحى، بحسب مصدر مسؤول في وزارة الصحة، جاءت بينما كان الرئيس هادي في منزله الكائن في شارع الـ60 القريب من المنطقة".
ورغم تشكيل لجنة وزارية، برئاسة وزير الدفاع اليمني وعضويه وزير الداخلية ورئيس دائرة الدفاع والأمن بالرئاسة، لمعالجة مشكلة محافظة مأرب (شرق)، إلا أن ثمة شبه إجماع بين المحللين السياسيين على أن معركة في مأرب بين جماعة "أنصار الله" (الحوثي) والقبائل صارت وشيكة، لا سيما بعد اشتباكات أمس بين مسلحين حوثيين وحرس الرئاسة بالعاصمة هي الأشرس منذ أن سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر الماضي.
وعن ذلك، يقول رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية (مركز بحثي غير حكومي)، عبد السلام محمد، في حديث مع "الأناضول": "اندلاع المعركة بات مسألة وقت.. ليس لأن اللجان الرئاسية المماثلة كانت فاشلة في وقف معارك الحوثيين السابقة التي تقدموا من خلالها للسيطرة على صنعاء، وإنما لأن الأمر مرتبط فقط برغبة الحوثيين، الذي صاروا يسيطرون على أغلب محافظات شمالي اليمن، باستثناء محافظتي مأرب وتعز، واللتان يحتاج الحوثيون إلى السيطرة عليهما بأي ثمن سواء كانوا يهدفون إلى السيطرة على كل اليمن أو على الشمال فقط".
الأزمة في مأرب
وتتصاعد في جنوب اليمن أنشطة قوى الحراك الجنوبي، الذي يطالب بانفصال الجنوب عن الشمال؛ بدعوى تهميش الحكومات المتعاقبة في صنعاء للجنوب، وسط رفض لمقترح الدولة الفيدرالية من 6 أقاليم، بواقع 4 أقاليم في الشمال، وإقليمين في الجنوب.
وتتمثل أهمية محافظة مأرب، بحسب الباحث اليمني، في 3 نقاط، أولها أهميتها في مجال الطاقة حيث أنها محافظة صحراوية تستحوذ على مخزون البلاد الأكبر من النفط، وبالتالي منشآت البلاد النفطية، حيث يصدر منها النفط عبر خط "صافر" – رأس عيسى على البحر الأحمر، والغاز إلى منشأة "بلحاف" على بحر العرب، وتوجد بها مصفاة مأرب، التي تزود البلاد بجزء لا بأس به من حاجتها للمشتقات النفطية والغاز، كما يوجد في المحافظة محطة مأرب الغازية للكهرباء، وهي المزود الرئيسي للبلاد بالطاقة الكهربائية.
كما أن مأرب، البالغ مساحتها حوالي 17405 كم 2، ويسكنها نحو 238.522 من أصل حوالي 26 مليون نسمة، هي موطن لأهم القبائل السنية المقاتلة في البلاد، وهي بذلك تشكل مركزًا قبليًا لإقليم سبأ (شرق)، الذي يضم إلى جانبها محافظتي الجوف والبيضاء، واللتان تشاطرانها ذات الصفات القبلية (السنية) المقاتلة، أمام ثالث وآخر دوافع الحوثي للسيطرة على هذه المحافظة، فتتمثل في أنها بوابة للسيطرة على عدة محافظات، أكبرها مساحة وأغناها بالثروات النفطية هي محافظة "حضرموت".
وبحسب قيادات حوثية، لا تفضل الكشف عن هويتها، فإن "الجماعة تحشد كل مقدراتها وقوتها العسكرية لمعركة مأرب لتكون سريعة وحاسمة، ولتجنب أي تداعيات محتملة على المنشآت النفطية، التي تُعد المصدر الرئيس والأكبر لموارد البلاد المالية".
أطراف المعركة
لكن، هل يبدو ذلك ممكنُا ؟. للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التعرف على قدرات طرفي المعركة المحتملة:
1- الحوثيون (أنصار الله):
يتقدم الحوثيون نحو معركة "مأرب" بعد انتصارات كبيرة مكنتهم من السيطرة على أغلب شمالي البلاد، ومن ثم فهم مزودون بعتاد عسكري ضخم نهبوه من معسكرات الدولة التي أسقطوها في أيديهم، بينها حوالي 120 دبابة، وبمقاتلين كثر انضموا إليهم بعد تلك التوسعات، ولاسيما من أبناء المرتفعات الشمالية (الزيدية الشيعية).
وبذلك يتفوق الحوثيون على قبائل "مأرب" عددًا وعتادًا.
إلا أن مصادر قبلية ترى أن العدد الكبير لن يكون مفيدًا للحوثيين، فليس كل من قد يقاتل معهم يعتنق أفكارهم. فهؤلاء الذين ينحدرون من القبائل في المرتفعات الشمالية (الشيعية)، والذين يشكلون أغلب قوام "اللجان الشعبية" للحوثي (المسلحين) منذ بعد السيطرة على صنعاء، يقاتلون مع الجماعة بدوافع الارتزاق (مقابل مكاسب مالية أو مادية).
ومن المُستبعد، بحسب مقربين من الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، أن يدفع صالح بمن يوالونه من قبائل وعسكريين للقتال إلى جانب الحوثي، كما فعل مع سقوط العاصمة صنعاء، فربما يسحبهم بعد أن يكون قد ورط الحوثيين في المعركة، لغرض إضعافهم لصالحه أو تحت ضغط الجارة السعودية التي يسعى صالح إلى ترميم العلاقة معها، وفقًا لهؤلاء المقربين.
وثمة صراع على النفوذ بين السعودية وإيران في عدة ساحات، منها اليمن وسوريا ولبنان والبحرين.
2- قبائل مأرب :
عدد وعتاد قبائل مأرب المرابطة على حدود المحافظة أقل كثيرًا من عدد وعتاد جماعة الحوثي. وبحسب الشيخ القبلي، "حمد وهيط"، في تصريح صحفي، فـ"إن القبائل حشدت نحو 14 ألف مقاتل على حدود مأرب".
تتميز قبائل مأرب عن قبائل عمران، التي خاضت معارك مع الحوثي، بتوحدها، رغم توجهاتها السياسية المختلفة، على القتال ضد الحوثي ورفض سيطرته على محافظتهم. لا سيما وأن الأغلبية الساحقة من تلك القبائل تتبع المذهب الشافعي السني.
قبائل مأرب، بحسب ما يتردد، تحظى الآن بدعم سعودي، وهو ما لم يكن متوفرا للقبائل الأخرى التي قاتلت ضد الحوثي في عمران وصنعاء.
وتتميز قبائل مأرب أيضًا بأنها تخوض المعركة على أرضها الصحراوية على عكس مقاتلي الحوثي القادمين من الجبال.
سيناريوهات المعركة
وبما يتوفر للطرفين، الحوثي وقبائل مأرب، من قدرات، يقول رئيس مركز أبعاد للدراسات، في حديثه مع "الأناضول": "يبدو لي أن كل الاحتمالات واردة بشأن المآلات التي قد تذهب إليها المعركة". وهي:
1- أن يحسم الحوثيون المعركة سريعًا لصالحهم، ويكونون بذلك قد أحكموا السيطرة على كل الشمال، وامتلكوا أيضًا المقدرة للذهاب إلى الجنوب للسيطرة عليه.
2 – أن تتطور المعركة إلى حروب استنزاف بين الحوثيين والقبائل، على غرار ما يحدث في "رداع" بمحافظة البيضاء، وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً من وجهة نظري.
3- أن يدرك الحوثيون مبكرًا صعوبة السيطرة على مأرب، ويتوقفون بعد مناوشات مع القبائل عن المضي في المعركة حتى النهاية، وهذا الأمر يجعل الأوضاع الراهنة تستمر على ماهية عليه، حيث يسيطر الحوثيون على العاصمة وكل الشمال، باستثناء مأرب، التي تظل عامل قلق بالنسبة إليهم.
4- أن تتطور المعركة إلى هزيمة كبيرة للحوثيين ثم ملاحقتهم حتى العاصمة صنعاء لإنهاء سيطرتهم عليها وعلى المحافظات التي توسعوا إليها، وهذا احتمال أجد فيه تفاؤلاً مبالغًا فيه.
وأيًا يكن السيناريو المتحقق، فإن عبد السلام محمد يرى: "أن معركة مأرب الوشيكة ستكون مهمة وحاسمة لمستقبل اليمن، ولا تقل أهمية عن معركة العاصمة التي سيطر الحوثيون من خلالها على معظم محافظات الشمال، فعند معركة مأرب يبدأ الحوثي بسهولة في إكمال سيطرته على البلاد أو تبدأ السيطرة الحالية في الانحسار".
الرئيس في خضم المعركة
ويرى مراقبون أن هادي الذي أتى إلى الحكم في فبراير 2012 بموجب المبادرة الخليجية لتسوية ثورة العام 2011، كمرشح وحيد لطرفي الأزمة، نظام الرئيس السابق "علي صالح" ،حيث كان يشغل فيه منصب الرجل الثاني كنائب لرئيس الجمهورية، ونائب لرئيس حزب المؤتمر الحاكم، ولطرف الثورة ممثلاً في تحالف اللقاء المشترك المعارض هو اليوم فاقد للسيطرة على السلطة، لصالح الحوثي الذي بات يسيطر على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد منذ سبتمبر الماضي.
وجراء ذلك، يواجه هادي الذي كان يحظى بتأييد جماهيري واسع في بدايات حكمه وانعكس في الملايين السنة الذين انتخبوه من إجمالي عدد السكان 25 مليون نسمة على أمل التغيير والاستقرار، أسوأ تأييد شعبي لرئيس يمني على الإطلاق، ويكاد يكون منعدمًا، حيث إن الجميع يحملونه المسؤولية عن وقوع البلاد تحت سيطرة الحوثي، بل إن بعضهم يذهب إلى اتهامه بالتآمر معها في ذلك، وفقًا لمراقبين.
ولا يقتصرسخط "على هادي" على الطرفين السياسيين اللذين أتيا به إلى الحكم النظام السابق الذي كان الرجل الثاني فيه، وطرف الثورة الذي هو من أتى به فعليًا إلى الرئاسة، بل تجاوزهما إلى المواطن العادي الذي يجد أن الدولة بقيادة الأول خذلت الناس وسلمتهم للميليشيات، والتفجيرات الإرهابية التي أصبحت أكثر عنفًا وتصاعدًا مع غياب الدولة، والسيطرة الحوثية على البلاد.
وكان حزب المؤتمر، وهو حزب "صالح"، قد أقصى "هادي" من منصبي نائب رئيس الحزب ،والأمين العام في أكتوبر الماضي، كما أن قوى الثورة من عسكريين وسياسيين وشباب ترى "أن هادي هو من تآمر عليها مع الحوثي لشن الحرب عليها وإقصائها وصولاً إلى السيطرة الحوثية على صنعاء".
هادي فقد غطاءه السياسي
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي، رياض الأحمدي: "أصبح هادي فاقدًا للغطاء السياسي داخليًا، إلا من تأييد بعض الفصائل الجنوبية المحسوبة على محافظته أبين- جنوبًا والممولة منه كـ لجان شعبية، إلا أنها تمثل نسبة قليلة في فسيفساء الحراك الجنوبي المتعدد الزعامات والولاءات، حتى إن فروع حزب المؤتمر في الجنوب انحازت إلى صال" ضده، حيث إنه جاء بجنوبيين آخرين إلى منصبي نائب رئيس الحزب والأمين العام اللذين كان يشغلهما".
الدعم والتأييد الإقليمي لـ "هادي"، وعدم قدرة جماعة الحوثي على أن تكون البديل المقبول به محليًا وإقليميًا ودوليًا، ذلك هو فقط -بحسب الأحمدي- ما يبقيه رئيسًا في دار الرئاسة مع سيطرة فعلية للجماعة التي يقول: "إنها تتشاطر تلك السيطرة مع الرئيس السابق علي صالح المتهم بالتآمر معها في إسقاط البلاد، ويواجه بسبب ذلك قرار إدانة مع قياديين حوثيين من مجلس الأمن الدولي".
ومن ملامح التعاون بين الحوثي وصالح، ما دفعه الأخير من رجاله القبليين، وضباط من قوات الحرس الجمهوري سابقًا التي كان يقودها نجله (أحمد) للانخراط ضمن عناصر الحوثيين الذين اقتحموا العاصمة، ويتشاركون الآن في السيطرة عليها وعلى مدن أخرى.
وبحسب الكاتب والناشط، حمزة المقالح، فإن: "صالح يحتاج إلى التخلص من هادي، ليكون تحركه مع الحوثيين لإسقاط البلاد مفيدًا له ولعودته من خلال نجله (أحمد) أو بأي شكل آخر إلى السلطة، فيما يبدو أن بقاء هادي هو الخيار الأمثل للحوثيين للسيطرة على السلطة بالتدريج من خلال التعيينات التي يفرضونها عليه في أجهزة الدولة التنفيذية والعسكرية والأمنية التي تنقلهم من السيطرة من خلال المليشيا إلى السيطرة عبر الدولة".
من جانبها، تنفي وسائل إعلام المؤتمر، التحالف بين صالح والحوثي من جهة، وإثباته بين هادي والحوثي من جهة أخرى.
وبحسب قيادات في حزب المؤتمر، تحدثت مفضلة عدم الإفصاح عن هوياتها، فإن "صالح ونجله أحمد، لا يزالان يحظيان بالتأييد الكبير داخل وحدات الجيش المتبقية التي يحسب جميعها على الحرس، كما أن صالح لا يزال بالغ النفوذ في المحيط القبلي في الشمال، الذي يشكل منه الحوثي ميليشياته المقاتلة، كما أن الشبكة الواسعة لحزب المؤتمر في الشمال والجنوب يمكن لها أن توفر الغطاء الاجتماعي لأي تحرك من قبلهما للإطاحة بهادي والحوثي، ولا ينقص كل ذلك إلا الغطاء السياسي والمالي الذي يكفي لو توفر من قبل السعودية".
ووفقًا لهذه القيادات، فإن ذلك "ليس بعيدًا حين تفعل المملكة ذلك، والمهمة الآن هي إقناع المملكة بأن هادي أصبح كرتًا محروقًا وعديم الجدوى بالنسبة لها".
لكن، هل يحدث ذلك السيناريو من خلال تحرك سياسي على غرار المبادرة الخليجية التي كان للمملكة الدور الأبرز فيها، والتي تم بموجبها إخراج صالح من الحكم وتنصيب هادي؟ أم أن ذلك سيحدث من خلال تحرك عسكري؟
سؤال أجاب عنه مقربون من صالح، أجابوا بأن "الخيارين مطروحان على الطاولة".
غير أن الكاتب "المقالح" يترك في هذا الصدد تساؤلات عدة بينها: "كيف سيحدث ذلك؟، وهل يتخلص صالح من الحوثي أيضًا؟، أم أن التخلص من هادي سيكون بالتنسيق بينهما، ومن ثم يتقاسمان السلطة؟ وهل التحالف بينهما مرحلي أم هو استراتيجي؟ ،وهل ينجح صالح في توفير الغطاء السياسي السعودي لذلك؟، أم إنه سيحدث بدون المملكة؟ وهل يكون التحرك للتخلص من هادي ناجحًا وفي الحدود الآمنة، أم أنه سيؤدي إلى تداعي ما تبقى من مؤسسات الدولة، وبالتالي سيفتح الباب واسعًا أمام الفوضى، والمزيد من الحروب الأهلية التي تعيش البلد بداياتها الآن؟".