دفع الخلاف الأفكار والرؤى السياسية كثيرا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للانشقاق منها والتغريد خارج السرب منذ عشرات السنين، إلا أنهم لم يترددوا في نسيان الماضي في ظل المحنة التي تمر بها الجماعة، لا سيما في ظل سياسة الكيل بالمكيالين التي تعانيها، إثر انقلاب الثالث من يوليو، حيث أظهروا موقفًا شجاعًا وصلبًا في مناصرة الإخوان ضد ما يلقونه على أيدي سلطات الانقلاب.
ويأتي في صدارة المنشقين المدافعين عن الجماعة، الثلاثي يوسف القرضاوي، وهيثم أبو خليل، وعصام سلطان، فرغم خروجهم من جناح الإخوان وانطلاقهم بفكرهم معلنين معارضتهم لسياسة الجماعة، فإنهم وقفوا في الصفوف الأولى الداعمة للإخوان منذ انقلاب الثالث من يوليو الذي استهدف قيادات وشباب الجماعة ما بين قتل واعتقال، وبعدها طال الجميع من داخل الجماعة وخارجها.
يوسف القرضاوي
ظل القرضاوي عضوًا منظمًا في جماعة الإخوان المسلمين، منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، إلى ما يقرب من نهاية الثمانينيات، وتحديدًا في عام 1988م، وطلب من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين إعفاءه من العضوية التنظيمية في الجماعة، نظرًا لأنه أصبح يمثل الأمة كرمز أكثر منه ممثلًا للإخوان المسلمين.
وخرج القرضاوي، منذ ذلك الوقت من الجماعة، وعارض بعض أفكارها وقراراتها تارة، وتارةً أخرى دعمها، وفي محنة الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو أبدى موقفًا واضحًا لرفضه الانقلاب العسكري الدموي على الرئيس محمد مرسي، فلم يفوت فرصة إلا وأصدر بيانًا يدين فيه المجازر التي ارتكبها نظام عبد الفتاح السيسي، وهو ما دفع إعلاميي الانقلاب لمهاجمته دومًا من خلال وسائل إعلامهم.
وحينما دعا السيسي، المصريين للنزول بالتحرير من أجل تفويضه، أصدر القرضاوي، بيانًا يوم الخميس 25 يوليو 2013 أكد فيه على “حرمة الاستجابة لأي نداء يؤدي إلى حرب أهلية، أو لتغطية العنف ضد طرف ما، أو لإثارة الفتنة”.
وقال السيسي، في كلمة الأربعاء 24 يوليو، “لا بد من نزول كل المصريين الشرفاء الأمناء الجمعة ليعطوني تفويضًا وأمرًا لمواجهة العنف والإرهاب”.
وفور وقوع مذبحة رابعة العدوية، دعا رئيس اتحاد علماء المسلمين، في بيان عاجل إلى ضرورة محاكمة المسؤولين عنها، قائلًا “ما حدث في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في يوم 14 أغسطس 2013 هو منظومة قتل منظمة ومعدة سلفًا، وليست منظومة فض على الإطلاق، وبغطاء عالمي في حينه، وقد حدثت تلك المجزرة والمحرقة في حق الآلاف من أبناء الشعب المصري المطالبين بحريتهم وكرامتهم وإرادتهم وهم مسالمون تمامًا ويمارسون حقهم الدستوري والقانوني والثوري”.
وطالب رئيس الاتحاد “الأمة الإسلامية والعربية بل والعالم الحر” بملاحقة “قادة الانقلاب العسكري وسلطاته الجائرة، وتقديمهم لمحاكمة عادلة”.
هيثم أبو خليل
وانشق هيثم أبو خليل، مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، عن جماعة الإخوان المسلمين بعد 22 عامًا من الانضمام إليها، بسبب خلاف في السياسات وإدارة المشهد السياسي عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكنه رغم ذلك لم يخالف ضميره وانضم للرافضين لأعمال القتل الممنهج التي تتم بحق الجماعة والمصريين المعارضين للانقلاب، وكتب عدة تدوينات له عبر صفحته تكشف عن موقفه الرافض للانقلاب ولسحق وسفك دماء المصريين.
ولعل بعد أحكام الإعدام الأخيرة بحق عدد من قيادات الإخوان، انتقد في مقال له يتعرضون له قائلًا “عندما يتم سحق جماعة الإخوان المسلمين التي احتضنت وتبنت الفكرة الإسلامية الوسطية دون غلو أو تطرف، وعندما يحكم بجملة إعدامات على مرشدها الذي قال سلميتنا أقوى من الرصاص فلا تتعجب أن ترتفع ظاهرة العنف وحفلات الذبح والقتل والتفجيرات التي تضرب مصر الآن بشدة من جماعات متشددة”.
وأضاف أبو خليل “نزوح الشباب بكثرة لهذه الجماعات، وللحل المسلح، أنتم من لاحقتم وطاردتم من طرقوا أبواب الدولة المدنية ووسائل المشاركة السياسية المشروعة والتداول السلمي للسلطة وانقلبتم عليها.. فلكم أن تتذوقوا علقم من كفروا بديمقراطيتكم من زمن بل وكفروا جماعة الإخوان لأنها لم تكفركم ..!”.
وتابع “الإخوان فعلًا كانوا حائط صد ضد كثير من العنف والأفكار التكفيرية.. لكن تقول لمين؟ البيادة جماد!”.
وعلق أبو خليل، على مذبحة رابعة والهجمة الشرسة من الاعتقالات، عبر صفحته قائلًا “أختلف أو أتفق مع الدكتور عصام العريان كيفما تشاء لكن يجب أن تغضب على اعتقاله طبقًا للانتماء السياسي وللهوية وبتهم ملفقة مثيرة للسخرية.. للأسف في ظل الخلاف السياسي البعض يفقد شرف الخلاف وحقوق خصمه السياسي ويتشفى فيه بصورة يملأها الكيد والحقد تفوق ما يضمره لأعداء مصر الحقيقيين!”.
عصام سلطان
استقال عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، من جماعة الإخوان المسلمين في تسعينيات القرن الماضي، بهدف تحقيق حلمه في تأسيس حزب سياسي ذات مرجعية إسلامية، حيث قرر برفقة المهندس أبو العلا ماضي الاستقالة من الجماعة وقتها، بسبب معارضة الجماعة لفكرة الحزب السياسي ذات المرجعية الإسلامية واختلافهم فكريًا مع المؤسسين، وانطلقوا في حلمهم بإنشاء حزب الوسط.
وكان سلطان من أوائل المعتقلين عقب الانقلاب العسكري، ولكنه قبيل اعتقاله بأيام قليلة، وتحديدًا في يوم 22 يوليو 2013 توجه إلى ميدان رابعة العدوية وألقى كلمة أعلى منصة رابعة، كان لها أثر كبير في صفوف المعتصمين، مفادها “أنا باسأل السيسي ولو هو راجل يطلع يصرح ويطلع يقول لنا كام عدد الضباط والجنود اللي اعترضوا عليك يا سيسي وموجودين حاليًا في السجن الحربي.. أيها الأخوة الأبطال الشجعان أذهلتم العالم كله.. أنتم الخبر الأول في وسائل الإعلام العالمية.. أذهلتم الناس بصمودكم وأنتم صائمون.. ومتحملون الجوع والعطش والبلطجية ولا تضع لنفسها حدًا ولا يومًا”.
ويعاني سلطان، حاليًا من الانتهاكات بحقه داخل محبسه بسجن العقرب شديد الحراسة، بعدما جردته إدارة السجن من كل متعلقاته دون الالتفات لمرضه وإجرائه عمليات بالعضروف قبل اعتقاله بأيام، ورغم ذلك لم يتراجع قيد أنملة عن موقفه المعارض والمناهض للعسكر والداعم أيضًا للشرعية.