سلطات الانقلاب في مصر، تواصل البطش والتنكيل، بكل من رفع صوته بالاحتجاج على جنونها يوماً، يستوي في ذلك تلميذ بالمرحلة الإعدادية أو الثانوية، يجري اقتياده من المعتقل إلى لجان الامتحان مقيداً بالكلبشات، أو شيخ تسعيني من كبار علماء اللغة والبلاغة، تتم إحالته للتحقيق وإيقافه عن العمل.
كان يمكن للمستشار حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية، ونائب شيخ الأزهر السابق، أن ينحني لريح الانقلاب ويطأطئ رأسه، للسادة الجدد، ويشتري راحته، وهو في التسعين من عمره، بقليل من التنازلات، والصمت، والاكتفاء بالفرجة على مصر، وهي تسقط في قاع الدم والقبح معاً.
كان يمكن لرئيس مجمع اللغة العربية، ونائبه، الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، أن يكونا “علي جمعة”، أو غيره من علماء، حملوا أسمال الانقلاب، ورمحوا في كل واد، يلوون عنق الكتاب والسنّة، ليخرجوا بنتائج تضع جنرالات الانقلاب في مقام الأنبياء والصالحين.
كان يمكنهما، مثلاً، بعد فضيحة “المهابرة الرئاسية” أن يصدرا بياناً عن مجمع اللغة العربية، يصف هذيان الزعيم بأنه قمة الإعجاز اللغوي، ويضعا مفردة “مهابرة” واحدة من مفاخر البلاغة العربية، وساعتها لم يكن رئيس جامعة القاهرة، جابر مأمون نصار، ليجرؤ على اتخاذ قرار معبّر عن سيكولوجية انتقام خفيضة وواطية، بما لا يمكن تصوره، ويحيلهما إلى التحقيق، ويوقفهما عن العمل أستاذين كبيرين للغة العربية في كلية دار العلوم.
لو تزحزح الشافعي وحماسة قليلاً، مبتعدين عن مصر العالية، متجهين إلى مصر الخفيضة الحطيطة، لكانا من المكرمين المنعمين الآن، لكنهما من ذلك الصنف المريض بالكرامة وعزة النفس والاحترام، في زمن الوضاعة والانحطاط.
وحدهما، الأستاذان، حسن الشافعي ومحمد حماسة عبد اللطيف، طالهما قرار ابن أمانة سياسات دولة مبارك العميقة، الوفي، جابر نصار، وأصدر رئيس الجامعة، الدكتور جابر نصار، بوقف صرف راتبيهما، بحجة الجمع بين وظيفتهما بالجامعة وعملهما رئيساً ونائب رئيس لمجمع اللغة العربية.
تبلغ المهزلة ذروتها، حين تعلم أن جميع الأعضاء بالمجمع اللغوي وعددهم 35 عضواً، أساتذة بالجامعات المصرية المختلفة، ماعدا فاروق شوشة ومصطفى حجازي. ومن بين هؤلاء 23 عضواً من أساتذة جامعة القاهرة، ولم يحصل أحدهم على موافقة الجامعة، أو أي جهة، قبل عضويته، ومع ذلك، لم يحالوا إلى التحقيق، ولم يوقفوا عن العمل في التدريس في الجامعة..وتتحول المهزلة إلى فضيحة، حين تعلم أن جابر نصار نفسه، قبل أن يلتحق بقطار الانقلاب السريع، ووقت أن كان مجرد عضو في لجان فنية، تتبع أمانة سياسات جمال مبارك، وتحديداً في عام 2009، كان قد تولى، كمحامٍ، الدفاع بأجر، عن نائب رئيس مجمع اللغة العربية، في ذلك الوقت، الدكتور كمال بشر، حين أقام دعوى قضائية، ضد استبعاده من موقعه في المجمع، على الرغم من حصوله على أعلى الأصوات في الانتخابات، وكان جابر نصار المحامي يعلم، وقتها، أن الدكتور كمال بشر يعمل أستاذاً في جامعة القاهرة، ولم يجد في جمعه بين العملين غضاضة.
ماذا حدث لكي ينقلب جابر نصار، الواصل إلى رئاسة جامعة القاهرة فوق دبابة، على جابر نصار المحامي؟
القصة باختصار أن سلطة الانقلاب لم تشبع رغباتها في الانتقام المجنون من الدكتور حسن الشافعي، بعد، يقف صامداً وشامخاً كالجبل، لا يهتز مهما ألقوا على جلبابه الناصع من قاذورات، على الرغم من اقترابه من التسعين من عمره، غير متراجع عن صرخته المدوية لإيقاظ الضمائر المترنحة، عقب أولى مجازر الحكم العسكري في التاسع من يوليو/ تموز 2013، حين حصدت المدافع أرواح الساجدين في صلاة الفجر، عند مقر نادي الحرس الجمهوري.
ينتقمون من الدكتور حسن الشافعي، لأنه، في بيانه الشهير عقب المذبحة، أعلن أن ما جرى في 30 يونيو مؤامرة انقلابية كاملة الأركان، قبل بدء الدكتور مرسي حكمه. واستمسك بأن ثورة 25 يناير لن تنسخ ولا تستبدل، فهي قائمة دائمة في قلوب المصريين، ومن يخرجون عليها فاسدون مضللون. وقال “لا أرضى لجنود مصر أن يتورطوا في السياسة، وعليهم أن يسارعوا لحماية الوطن فقط“.
وأظن هذه أسباباً كافية تماماً لكي يلبي رئيس جامعة القاهرة رغبات الانتقام الخسيسة في الرجل ونائبه.