أكد الكاتب الصحفي فهمي هويدي، أن إيران حين وقفت داعمة للنظام السوري ضد شعبه الذي ثار عليه، لم يعد بمقدورها أن تتحدث عن دفاعها عن المستضعفين ومنازلة المستكبرين؛ لأنها بذلك برهنت على أنها أسقطت “شاهًا” في إيران، في حين ساندت “شاهًا” آخر في سوريا، مشيرًا إلى أن إيران أصبحت تحتل موقع “الشيطان الأكبر” لدى قطاع عريض من الرأي العام العربي، مشيرًا إلى أن إيران مستعدة للتقارب مع “إسرائيل” أكثر من تفاعلها مع العرب.
وقال “هويدي”، في مقال بصحيفة “الشروق” تحت عنوان “هل تصبح إيران شيطان العرب الأكبر؟”: “صحيح أن ثمة دوائر شعبية “سلفية بالأساس” وأقطارًا عربية ناصبت الثورة الإسلامية العداء من البداية، قبل تمدد النفوذ وانتشاره النسبي، وكان ذلك راجعًا لأسباب مذهبية تارة ولمخاوف سياسية تارة أخرى متأثرة بالضغوط الغربية، إلا أن الوضع اختلف الآن بصورة درامية، فتصالحت إيران مع الدول الغربية ومع “الشيطان” الأميركي الأكبر بدرجة أو أخرى، في حين تباعدت المسافات وتعمقت الفجوات بينها وبين أغلب الأنظمة، فضلًا عن الشعوب العربية، وفى الوقت الذي لاحت فيه بوادر استعادة الثقة بين طهران والدول الغربية، فإن الشكوك والهواجس إزاء إيران تضاعفت في العالم العربي، وبعدما خرجت التصريحات من طهران مزهوة بوصول نفوذ إيران إلى أربع عواصم عربية، فإن الفجوة بينها وبين العالم العربي لم تعد بحاجة إلى ضغوط غربية أو دسائس إسرائيلية لكي تزداد اتساعًا وعمقًا”.
وأضاف “في مرحلة الثورة الإسلامية التي تبدت خلال السنوات العشر الأولى، أثناء قيادة الإمام الخميني، كانت القيم والتطلعات مختلفة في حدود نصرة الإسلام وتحدى الهيمنة الغربية والاستكبار العالمي، وكانت نظرة طهران للعالم العربي الإسلامي أكثر انفتاحًا ونضجًا رغم نشوب الحرب العراقية الإيرانية واصطفاف أغلب دول المشرق إلى جانب بغداد، وبعد وفاة الإمام الخميني وانتهاء الحرب مع العراق حدث التحول التدريجي باتجاه الانحياز إلى حسابات الدولة الإيرانية وليس الثورة الإسلامية”.
وتابع “هويدي”: “ولا أستبعد أن يكون ذلك التحول قد تأثر بدرجة أو أخرى بأجواء عداء بعض الأنظمة العربية للثورة الإسلامية، الأمر الذي أسهم في إحياء الشعور القومي المسكون في جانب منه بالمشاعر السلبية إزاء العرب وبقايا الصراع السياسي والمذهبي بين الدولتين الصفوية والعثمانية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، ونستطيع أن نتفهم أكثر ملابسات ذلك التحول إذا تذكرنا أن إيران حين خرجت من الحرب محملة بجراحها، فإنها وجدت نفسها تحت ضغط الحصار الغربي وحصار الأنظمة العربية، الأمر الذي دفعها إلى التحصن وراء مقومات وجودها واستمرارها، وكان الحس الوطني والقومي أحد أبرز تلك المقومات”.
ويكمل “هويدي”: “في تلك الأجواء برزت حسابات الدولة الإيرانية التي تمثلت في هويتها المذهبية وتطلعات التمدد في محيطها الجغرافي، ساعد على ذلك وشجع عليه حالة الضعف المخيم على دول المحيط الذي أدى إلى انهيار النظام العربي وأحدث فراغًا شديدًا في موقع القيادة والتأثير، وفى ظله انفراط عقد العالم العربي، بحيث أصبح كيانات متناثرة واهنة الإرادة وفاقدة للحصانة، وهو ما عبرت عنه مقالة قيمة نشرتها صحفية “الحياة” اللندنية في 20 يناير الماضي، كان عنوانها “قوة إيران أم ضعف العالم العربي؟”؛ إذ خلص فيها صاحبها الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن “جوهر المشكلة التي يواجهها العالم العربي لا يكمن في قوة إيران أو حتمية المواجهة معها، ولكن في ضعف العرب، بما يثير لعاب كل دول الجوار القوية، وعلى رأسها إيران وتركيا وليس لعاب إيران وحدها”.
وحول الانتخابات التشريعية الإيرانية، قال “هويدي”: “إيران بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي حقق فيها الإصلاحيون تقدمًا مقدرًا تجدد شبابها؛ إذ تتقدم بخطى ثابتة نحو استعادة عافيتها وتعزيز حصاناتها، خصوصًا بعد الاعتراف بها دولة نووية ورفع الحصار الذي ضرب عليها قبل 37 عاما، ثم أنها تتطلع لإحداث نهضة اقتصادية بعد استعادة أرصدتها التي كانت مجمدة في البنوك الغربية “أكثر من 130 مليار دولار، وفى الوقت الذي تتحالف فيه مع روسيا الاتحادية رغم تعارض المصالح بينهما، كما أنها فتحت أبوابها لتنشيط علاقاتها الاقتصادية مع تركيا من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها لطهران الدكتور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي؛ إذ تم فيها تسوية العديد من المشكلات الاقتصادية العالقة وتم الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين البلدين لكي يصل إلى 30 مليار دولار سنويا، وحدث ذلك رغم الخلاف المذهبي المعلن بين البلدين “إيران الشيعية وتركيا السنية” ورغم الخلاف السياسي الجوهري بينهما حول الموقف من النظام السوري”.
وأردف: “ما أريد أن أقوله إن إيران أصبحت رقمًا مهمًا في المنطقة يتعذر تجاهله، وهي تتجه لأن تصبح رقمًا أكثر أهمية، لا نستطيع أن نتجاهله ونكتفي بشيطنته وهجائه في وسائل الإعلام ليل نهار، لذلك فإن الملف يستحق حوارًا جادًا بين الطرفين ينطلق من الاعتراف بأن كل طرف أساء إلى الآخر، وأن الطرفين مضطران إلى التعايش مع بعضهما البعض رغم ما بينهما من خلافات، ليس فقط بأمر الجغرافيا ولكن أيضا لأن ثمة عقيدة سماوية ينتسبان إليها كل على طريقته”.
واختتم بقوله: “أختم بالتنبيه إلى أمور ثلاثة هي:
– إن الخلاف العربي مع إيران ينبغي أن يظل محصورًا في حدود سياسات الدول، بمعزل عن العوامل المذهبية والعرقية؛ لأن الدخول في متاهة الصراع بين السنة والشيعة أو العرب والفرس مؤد إلى تأبيد الصراع الذي لا نهاية له ولا منتصر فيه.
– إن الدولة القومية في إيران مستعدة للتفاعل مع الغرب والتقارب مع إسرائيل بأكثر من استعدادها للتفاعل مع العالم العربي، وبين الإصلاحيين من يعلن عن ذلك صراحة، وذلك مآل ينبغي أن يظل في الحسبان إذا استمر التخاصم مع العالم العربي بوتيرته الراهنة.
– إننا ينبغي أن ندرك أن الشعب الإيراني يظل شقيقا مهما تباعدت عنه المسافات أو تراكمت المرارات، وأيًا كان رأينا في ممارسات حكومته، فإن انتماءه إلى الأسرة الإسلامية يظل باقيًا، ولا أعرف عقلًا رشيدًا يؤيد تأبيد مخاصمة عضو الأسرة أو بتره حتى إذا ما شرد أو جنح؛ حيث لا مفر من ضمه واحتوائه يومًا ما، لذلك فإن سؤال الساعة هو: أين دور العقلاء والراشدين من الجانبين؟ وهل يعقل أن تهدأ وتيرة الصراع ضد إسرائيل في حين يشتد أوار التجاذب والخصام مع إيران؟”.