أثارت تصريحات الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا، التي هدد فيها بالتدخل الأجنبي حال عدم معاقبة المتهمين في أحداث الفتنة الطائفية الأخيرة في قرية الكرم بالمنيا، جدلًا واسعًا بين النشطاء الحقوقيين والسياسيين، فمنهم من يراها أنها تعود بنا لنفق الطائفية المظلم وآخرون اعتبروها أسوأ دفاع عن قضية عادلة.
نرحب بالتدخل الأجنبي
قال أسقف المنيا، في مداخلة تليفزيونية مع قناة “دريم”، مساء أمس السبت، إن لم يحسم الأمر داخل مصر على وجه السرعة، فإن الكنيسة الأرثوذوكسية ستترك الساحة مفتوحة لكل شخص وجهة من خارج مصر، لتدلي بدلوها في القضية، وتشارك بما تراه مناسبًا لنصرة الأقباط ومساعدتهم في استعادة حقوقهم.
وعندما استوقفته المذيعة، ولفتت نظره إلى أن تصريحاته قد يفهم منها أن الأقباط يدعون إلى تدخل خارجي لحل مشكلاتهم مع أبناء وطنهم، أصر مكاريوس على موقفه، وقال: “نحن نطالب بسرعة حل القضية وفقًا للقانون، لكن إذا لم نتوصل إلى حل، فهناك الكثير من الجهات الأجنبية التي أبدت استعدادًا لمساعدة الأقباط، هناك جلسات استماع في الكونجرس الأميركي، وفي مجلس العموم البريطاني والبرلمان الأوروبي، فلماذا تتلكأ الحكومة المصرية في حل المشكلة حتى يتدخل الغرب فيها؟
وأضاف مكاريوس أنه تلقى اتصالات من حكومات ومؤسسات أجنبية ترغب في التدخل في الأزمة وتصعيدها، لكنه يرفض حتى الآن أي تدخل خارجي؛ لثقته في مؤسسات الدولة، مشددًا على أن الكنيسة لن تتنازل عن محاكمة المتهمين في القضية أمام القضاء.
وفد الأزهر لم يستأذن!
وطالب الأنبا مكاريوس، مؤسسة الأزهر بإدانة واضحة للواقعة، لئلا يفسر الصمت بأنه تأييد منهم لما حدث، على حد قوله.
وأوضح أن تدخل بيت العائلة (التابع للأزهر) في أحداث سابقة انتهى بصلح وهمي والتقاط صور تذكارية دون حل المشكلة، مشددًا على أنه يجب أن يتصدر المشهد في تلك القصية أجهزة الدولة وليس رجال الدين.
وأكد أسقف المنيا أنه رفض لقاء وفد الأزهر؛ لأنه لم يستأذن قبل الحضور، وحين حضر الوفد إلى مقر مطرانية المنيا، أصر على عدم مقابلته، مشددًا على رفض الأقباط حل المشكلة في جلسات الصلح العرفية، كما كان يحدث في السابق.
وأشار إلى أن معالجة محافظ المنيا الخاطئة للأزمة أسهمت في إشعال الموقف، متابعًا: الأقباط في حالة ترقب، وينتظرون إلقاء القبض على باقي المتهمين المشاركين في الأحداث”.
تفويض من تواضروس
استنكر الدكتور أحمد رامي، القيادي بحزب “الحرية والعدالة”، تصريحات الأنبا مكاريوس، وقال -في تصريح خاص لـ”رصد”-: هذه التصريحات لا بد أن يحاسب عليها “مكاريوس”؛ لأنه مفوض من قبل تواضروس، كمتحدث باسم الأقباط.
وأضاف “رامي” “ألم يقل تواضروس نعم تزيد النعم؟.. هذا التصعيد منه محاولة لإدخال الأقباط مرة أخرى في ضيق الطائفية بعيدًا عن سعة الوطن، وأقول للأخوة الأقباط إن روايتكم للحدث اتفقنا أو اختلفنا معها لم يسلط تواضروس عليها الضوء، إلا حين خرجتم بها للمجتمع وتبناها معكم غيركم”.
أسوأ دفاع عن قضية عادلة
ويعلق محمد عصمت سيف الدولة، الباحث في الشأن القومي العربي: “يجب على الأنبا مكاريوس الصمت، فهو يقدم أسوأ دفاع عن قضية عادلة، مشيرًا إلى أن التهديد بالضغوط الخارجية غير مقبول ولن يقبله المسيحيون قبل المسلمين.
وأضاف “سيف الدولة” -في تصريح خاص لـ”رصد”- “تصريحات مكاريوس جاءت بتفويض من البابا تواضروس؛ حيث قال البابا تواضروس إن الكنيسة لم تفوض أي شخص بتبني قضية سيدة قرية الكرم بالمنيا، للتحدث باسم الكنيسة أو الدفاع عنها، وأن المسؤول المفوض من الكنيسة للحديث في هذا الشأن، هو نيافة الأنبا مكاريوس، الأسقف العام بالمنيا.
وتابع: “عفوًا قداسة البابا، إن قضية أبو قرقاص هي قضية مصرية وليست قضية مسيحية، وكل المصريين مفوضين بالدرجة نفسها، للدفاع عن #سيدة_المنيا، ولا يجوز للكنيسة أن تعطي لنفسها حق الانفراد أو احتكار الدفاع عنها أو عن أي أخ مسيحي، كما لا يجوز للأزهر أو لأي جماعة إسلامية أن تدعي تحدثها باسم المسلمين، كما أنه ليس من حق الكيان الصهيوني (إسرائيل) أن تدعي تمثيلها لكل يهود العالم، أو لإيران أن تعطي لنفسها حق التحدث باسم الشيعة العرب، أو السعودية أو لغيرها ادعاء تمثيلها للسنة”.
سيناريو فج لتشجيع الجناة على الإفلات من العقاب
وتقول نيفين ملك، المحامية والناشطة الحقوقية: إن حقوق المواطنة يكفلها القانون والدستور الذي يحمي الأقلية أو الأغلبية، وإرادة الحكومة في إنفاذ القانون والدستور هي المحك وتراجع الحماية القانونية وإفلات الجناة من العقاب وتراجع حقوق الإنسان المصري في العموم أقلية أو أغلبية هي التحدي الآن أمام حكومة لا تكترث كثيرًا لحقوق المصريين أغلبية أو أقلية وفي تعاطيها مع أدوات إنفاذ القانون.
وأضافت “ملك” -في تصريح خاص لـ”رصد”- أن حل الموضوع الجنائي عن طريق الجلسات العرفية، بمثابة دفن للرؤوس في الرمال وسيناريو فج لتشجيع الجناة على الإفلات من العقاب.
وأكدت أن حقوق أي مواطن في الحماية هي حقوق مواطنة وليست هبة يتم استجداؤها من حكومة أو مسؤول أيًا كان وما حدث لتلك السيدة المصرية المسنة هو ترجمة لواقع مرير من تفشي الظلم وتخلي الحكومة عن حماية المواطنين وتفشي سياسة العقاب الجماعي خارج نطاق القانون وكأننا في عهد ما قبل الدول.