لو كان لي من الأمر شيء لرجوت الرئيس محمد مرسي بأن يؤجل لبعض الوقت زيارته إلى السعودية، وأن يكتفي بها في الوقت الراهن، مستبعدا أي زيارات أخرى لدول الخليج. وقبل أن أشرح وجهة نظري في ذلك أذكر بأن دول الخليج لم ترحب بالثورة المصرية، وأنها نظرت إليها منذ اللحظات الأولى بدرجات متفاوتة من الامتعاض والاستياء، وقد تضاعف عدم الترحيب بعد فوز الإخوان في الانتخابات التشريعية. أما الانتخابات الرئاسية فقد اعتبرها بعض المسؤولين الخليجيين صدمة لهم، ومنهم من عبر عن ذلك في تصريحات نقلت على ألسنتهم.
هذا الاستياء له أربعة أسباب على الأقل. الأول أن بعض القادة الخليجيين احتفظوا بعلاقات شخصية ومصالح خاصة مع الرئيس السابق وأسرته. الثاني أن أغلبهم لم يستوعبوا فكرة أن ينتفض الشعب على حاكمه الذي قبض على السلطة طوال ثلاثين سنة، فيخلعه أو يسقطه ثم يودعه في السجن ويقدمه إلى المحاكمة. الثالث أن أعدادا غير قليلة من رجال أمن الدولة المصريين الذين كانوا من أعوان النظام السابق منتشرون في الأجهزة الأمنية الخليجية منذ التسعينيات، وقد انضافت إليهم أعداد أخرى من عناصر تلك الأجهزة التي استبعدت من مواقعها بعد الثورة. وهؤلاء لهم دورهم في التخويف مما حدث في مصر، خصوصا بعد الظهور القوي للإخوان في الساحة. السبب الرابع أن ثمة توجسا في بعض الدول الخليجية من أجواء الربيع العربي بوجه عام. ومن صعود الإخوان بوجه خاص، ذلك أن أصداء الربيع حركت الحياة الراكدة في مختلف الدول العربية. ولم تكن دول الخليج استثناء على ذلك. ومن يتابع تلك الأصداء التي تظهر من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية يلاحظ أن الصامتين رفعوا أصواتهم بالنقد وأن القاعدين نهضوا وتشاوروا وقدموا مطالبهم في عرائض متداولة. ومنهم من أقدم على إنشاء بعض المراكز الحقوقية في منطقة الخليج وفي عدة عواصم أوروبية، وحين برز ذلك الحراك في الأفق تفاوتت ردود الأفعال التي استهدفت احتواء ما يجري، بالإغراءات والعطاءات المالية حينا، وبالقمع والاعتقال وإسقاط الجنسية والترحيل في أحيان كثيرة.
ورغم أن أعدادا غير قليلة من الإخوان استقرت في دول الخليج منذ ستينيات القرن الماضي، ولم يكن ذلك مصدرا لأي قلاقل، إلا أن نظام مبارك قام بدور مهم في تأليب أغلب الأنظمة الخليجية عليهم. ولاح ذلك بوضوح بعد جولة خليجية قام بها الرئيس السابق في عام 1994، وحين تلاحقت الأحداث بعد ذلك وأطلقت حملة الحرب ضد الإرهاب بعد أحداث سبتمبر 2001 أصبح هؤلاء وغيرهم من النشطاء مصدرا للتوجس والارتياب. فقيدت أنشطتهم وحلت الجمعيات الإسلامية التي انخرطوا فيها، وتم ترحيل البعض في حين ضيق على الناشطين من المواطنين في وظائفهم ومنع أبناؤهم من التوظف في الحكومة… إلخ. وما يهمنا في هذه الجزئية الأخيرة أن الأجهزة الأمنية التي أصبحت ذات كلمة مسموعة في دوائر القرار تبنت مواقف الأجهزة الأمنية المصرية إزاء الإخوان.
الخلاصة أن أنظمة الربيع العربي لم تكن محل ترحيب من جانب أغلب دول الخليج. وكان حظ مصر من إشارات عدم الترحيب أكبر من غيرها، ليس فقط نظرا لأهمية البلد، ولكن أيضا بسبب الحضور القوي للإخوان في المشهد السياسي بعد الثورة. وبدا عدم الترحيب أوضح ما يكون في إحجام أغلب الدول الخليجية عن مساندة مصر في أزمتها الاقتصادية. وكان من أخطاء حكومات ما بعد الثورة في مصر أنها تحدثت أو توقعت موقفا إيجابيا من «الأشقاء» إزاء هذه الأزمة، وتلقت ردا خجولا متحفظا من جانب البعض وصدَّا مهذبا من البعض الآخر.
لم يعد سرا أن البعض أساء فهم هذا الموقف، وهو ما تجلى في إشارة المسؤول الخليجي إلى أن الرئيس المصري «سيأتي إلى الخليج حبوا». وهو تعليق سيبقى في الذاكرة طويلا حتى إذا كان تعبيرا عن رأي شخصي لمسؤول كبير. وقد ذكرت قبلا أن مصر أهانت نفسها في عهد مبارك، الأمر الذي شجع البعض على التطاول عليها وإهانتها. لذلك تمنيت لو أن الرئيس مرسي أجل زيارته حتى تستقر الأوضاع الداخلية فتشكل الحكومة وتدور عجلة الاقتصاد، ولكن أما وقد أعلن عن موعد الزيارة (اليوم الأربعاء 11/7)، فأرجو أن تظل مقصورة على التعبير عن مشاعر المودة والأخوة بين البلدين الكبيرين، وألا يأتي الرئيس أثناء زيارته على ذكر الوضع الاقتصادي من أي باب. أما الأزمة التي تمر بها مصر، فأمرها ينبغي أن يعالج بسواعد المصريين وعرقهم، بعد أن تتم مصارحة الشعب بحقائق الموقف لكي يستنفر ويتحمل مسؤوليته في الدفاع عن اقتصاد بلده وكرامته. وأتمنى أن يكتفي الرئيس مرسي بزيارة الدولة الخليجية الأكبر فقط، وأن يؤجل أي تفكير في زيارة غيرها من دول الخليج حتى توضع العلاقة في إطارها الصحيح، بما يعطي لكل طرف قدره وحجمه ويتم التصالح بين المكان والمكانة.