انقضت أيام وليالي شهر رمضان الفضيل هذا العام بسرعة فلكأنه كان 29 دقيقة ولم يكن شهرًا هجريًا، ومع بركات الشهر ونفحاته الروحية والإيمانية إلا أن الأحداث المتلاحقة فيه من ناحية وحرص قيادات إصلاحية من ناحية أخرى على التفرغ للعبادة في الشهر المبارك مع ترك قضايانا كما هي معلقة أثار في النفس عدد غير قليل من الأسئلة والشجون.
وهكذا تتنامى الآلام ما بين إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر في فجر الاثنين العاشر من رمضان الموافق الخامس من يونيو الجاري، حظر التعامل مع قطر في دلالة تاريخية لا تخفى آلامها على عربي بل مسلم، ثم تتبعها دول أخرى، ثم عما قليل ترتفع أعداد المُستشهدين في مصر على يد قوات الانقلاب، فيما اصطلح على تسميته بالتصفية الجسدية وسط ارتفاع للأعداد بشكل مُخيف، بخاصة في العشر الأواخر من رمضان وقبيل عيد الفطر بساعات، حتى أن الظلمة صاروا يتفنون في التنكيل بالشرفاء فيتأخرون في إعلان أسماء المُستشهدين من المختفين قسريًا فارضين آلامًا علم الله بها على مئات الأسر المصرية، إذ تخشى كل أسرة لها مختفٍ قسريًا أن يكون تم التخلص منه، وبين حدث الأربعاء الماضي 26 من رمضان بإقرار الملك “سلمان بن عبد العزيز” ابنه وليًا لعهد السعودية عوضًا عن نجل أخيه “محمد بن نايف”، في سابقة أولى لانتقال المُلك من أبناء الراحل “عبد العزيز آل سعود” إلى أحفاده، وفي تولية ملك سعودي لابنه مباشرة المُلك وفي حياته، وأثارت الخطوة ردود فعل بخاصة مع ربطها بالحصار القطري من ناحية كمقدمة لها في رأي البعض، أو صرفًا للأنظار عن الحدث الداخلي السعودي الهائل المقبل بآخر خارجي ضخم، وفي النهاية صار لدينا ملك سعودي موعود بالعرش عمره لم يتعد الثلاثين بكثير، وليست لديه خبرة كافية لا حياتية ولا سياسية، وإنما جاء كحدث جديد يليق بواقعنا العربي الإسلامي بامتياز، ويُقال لك وهل كان ابن عمه أفضل بكثير منه؟ وكأنما كُتِبَ علينا استقبال الحدث السيئ بافتراض أن البديل مثله دون محاولة التطلع، مجرد التطلع إلى نسبية الأمور ومن ثم صوابها بالانتقال الديمقراطي الحقيقي للسلطة في أوطاننا.
وفي المنتصف وخلال شهر رمضان تم دهس عدد من المسلمين في مسجد في شمال لندن، الاثنين الماضي، بعد ادائهم صلاة التراويح مما أسفر عن استشهاد واحد منهم ووجود عدد من الجرحى قدر بعشرة، فيما استشهدت “نبرة محمود حسنين” نتيجة حادث عنصري على الأرجح في أمريكا على يد متعصب.
الشاهد أنه خلال الشهر استمر طوفان دماء المسلمين هنا وهناك، وما سبق غيض من فيض، أو طرف على سبيل المثال وليس حصرًا، فهناك المزيد في سوريا وفلسطين والعراق ودول أخرى، فيما خلال شهر رمضان يرى كثير من المُفترض أن يكونوا فعالين في البحث عن مخرج لما وصلت إليه الأمة من انحدار، يرون أن العبادة هي الفعل المُقدم خلال الشهر، بخاصة في العشر الأواخر، وألا صوت يعلو على الصيام والقيام فحسب، وفيما يتملل الشباب المؤمن المُتطلع إلى الحل يزيد بعض القادة من رفع شعارات أن الهجمة هي الأكثر شراسة في تاريخ الأمة، وأن الحل الذي ننتظره سيأتي من فوق سبع سماوات.
ومع كامل الاحترام والتقدير للعبادة ولكن محاولة العمل على حفظ الدماء والتخطيط لغد يعم السلام بلاد المسلمين والعالم أمر أكثر وجوبًا في رمضان قبل غيره..
وحينا يهل العيد على الامة تزاد القناعات رسوخًا بأنها (أيام العيد) أيام أكل وشرب وعبادة ليس إلا، فيما المآسي تستمر في النمو هنا وهناك داخل الأمة وخارجها، وهو ما يشير إلى خلل، في التفكير قبل الممارسة، خطير حل بساحتنا ويجب البحث فيه قبل البحث عن حل لما نحن فيه .. ولا حاجة هنا للتأكيد على المرات التي تم ذكر وجوب السير في أرض الله في “القرآن الكريم” والتدبر في عظمة خلقه تعالى، ولا الحديث الشريف الذي يدعو إلى ساعة تفكر في خلقه تعالى، ويعدها أفضل من أضعاف أضعافها في العبادة، فماذا إذا كانت الساعة للبحث عن حل لمشكلات الأمة المتنامية ووقف طوفان دماء مخلصيها؟ ودم واحد منهم أعظم عند الله من هدم الكعبة فضلًا عن زوال الدنيا وما فيها..!
غايات الوجود في الحياة، وسبب خلق الله للإنسان وسمو غاية عمارة الأرض أمر يحتاج إلى كثير تفكير وبحث ودراسة من جانب عقلاء ومصلحي الأمة لا مجرد الانخراط في العبادة وترك الأحداث والتواكل على الله في البحث عن حل وكف عقولهم عن الوصول إليه، وقد يكون الحل فكرة تولد اليوم فيكتب النجاح لها غدًا، وربما يكون غدًا بعد سنوات؛ وإن تمنينا ألا تطول المسيرة الزمنية، وربما تنتشر الفكرة بعد فترة ويبدأ التطبيق قريبًا فيتوقف السقوط ويأذن الله للمنحدر بقرب الاستواء، وفي هذا السياق أعجبتني فكرة تداولها البعض عن أحد المخلصين العرب إذ يقول أن كلًا منا في هذه الظروف والملابسات البالغة الصعوبة مسئول عن متر واحد مربع يشمل نتيجة عمله في الحياة، وهذا المتر المربع واجب على كل منا العمل على ازدهاره، والتواصل مع الآخرين المُماثلين عبره، فإن على كل منا إن يحسن العمل حتى تزدهر بلادنا كلها، فكرة سهلة بسيطة لا تقتضي إلا عدم الارتكان إلى اللحظة ونبذ اليأس، والفكرة نفسها تلقي بمسئولية ضخمة على كل متقدم في المكانة الفكرية أو العملية في أوطاننا فما مترهم المربع كمتر غيرهم.. وما الأمتار المحيطة بهم منتظرة إيجابيتهم بالقليلة!