يمر عالمنا العربى بمرحلة دقيقه من تاريخه المعاصر بدأت بانفجار ثورات الربيع العربى التى أسقطت الطغاه فى تونس ثم مصر و ليبيا و اليمن ، وما تزال رحى المعركه دائره ضد سفاح سوريا ، وهو ما يمثل تغييرا عميقا فى موازين القوى الداخليه والخارجيه للعرب وللغرب على حد سواء ، يُنتظر أن يمتد أثره لكافة البلدان العربية إن عاجلاً أو آجلاً.
ارتكزت الثورات العربيه على مطالب شعبيه أكثر من اعتمادها على منطلقات أيديولوجيه ،وتمثلت تلك المطالب بالأساس فى كرامة المواطن وحقوقه المعيشيه الأساسيه والحريه والديمقراطيه وإنهاء استبداد وفساد الأنظمه الديكتاتوريه ، وبعد انتصار الثوره ومع دوران آلة الديمقراطيه والاحتكام لصناديق الاقتراع أسفر الربيع العربى عن مد أسلامى حصد النسبه الأكبر من المقاعد فى الانتخابات التشريعيه المصريه والتونسيه ، وتوج ذلك بنجاح د. محمد مرسى كأول رئيس شرعى منتخب لمصر.
بينما بدا بوضوح أنه مثل بداية النهاية للمشروع الناصرى والقومى ، لكونه الخاسر الأكبر جراء قيام تلك الثورات التى كشفت عن انحسار شعبيته فى الشارع وهو ما يُعزى إلى عوامل عديده :
1- قامت الثورات أساساً ضد الأنظمه القوميه فالمشروع الناصرى شمولى بطبيعته مهما حاول ارتداء ثوب الديمقراطيه ، والأنظمه التى رفعت راية الناصريه والقوميه قمعت الحريات وجرت الويلات والخراب على البلاد والعباد ، فأولها نظام ناصر المستبد بمهازل عامر وفضائح صلاح نصر وهزيمة العرب المروعه67، ثم سار على الدرب وريثه القذافى ملك ملوك أفريقيا الذى أدخل ليبيا فى عقود من الظلم والظلام و سفك دماء آلاف الشهداء ، وعلى التوازى كان مشروع البعث القومى فى العراق و سوريا ، إذ دمر صدام حسين بلاده و قتل خيرة شبابها فى حروب متتاليه وانتهى الامر باحتلال أمريكى ثم حكم شيعى موالى لايران ، وعن عائلة الأسد فحدث ولا حرج فمن حماه82 الى حمص 2012 استمر الطغيان حتى فاقوا وحشية هولاكو فى ارتكاب المجازر الدمويه بحق الشعب السورى الأبى.
2- تورطت معظم الرموز السياسيه والاعلاميه لهذا التيار فى علاقات تبعيه مباشره فكريه و تمويليه للأنظمة الديكتاتوريه العربيه، ففى مصر كان الناصريون بزعامة مرشحهم الرئاسى ( حمدين صباحى) يدافعون عن نظام صدام ويمجدون نظام القذافى ويدبجون الأشعار فى نظام الأسد المقاوم ، وقد استحال عليهم التبرؤ من مواقفهم أو إنكارها(الاحداث مسجلة بالصوت والصوره و أعداد الصحف محفوظه الكترونياً) ،وهو ما أفشل جهود صباحى تحديداً فى إنكار مواقفه المنبطحه الممجده لصدام وللقذافى.
3- ان معظم الناصريين سياسيين واعلاميين ، يرون فى الديمقراطيه نهاية لهيمنتهم على الساحه السياسيه والثقافيه ، فهم رجال كل العصور لا يتكيفون الا مع الديكتاتوريه ، ونرى مثلا فى مصر كيف أن كثير من الناصريين ما زالوا يدافعون عن نظام الأسد ( أشهرهم عادل الجوجرى رحمه الله)، وكيف أنهم سدنة الاستبداد العسكرى المترصدون للرئيس الشرعى د. مرسى والمساندين لفلول مبارك ومنهم ( مصطفى بكرى – تهانى الجبالى – عبدالله السناوى – جمال فهمى – وائل الابراشى –– فريده النقاش – جمال الغيطانى – يوسف القعيد ….. وغيرهم).
4- أثبتت التجربه عدم قدرة القوميين على تقديم المصلحه الوطنيه فوق الخلافات السياسيه، فرغم ان الأغلبيه الشعبيه تميل بوضوح للاسلاميين فى دولتين كمصر وتونس فانهم مستعدون للتحالف مع الجميع الا مع الاسلاميين الذين يشكلون لهم عقدة لا تنفك تلاحقهم ، فهم يسعون لافشال رئيس مصر وحكومة تونس الاسلاميين رغم كونه فشلاً للبلدين ،لذا مثل لهم الربيع العربى كابوساً مفزعاً دفعهم للتشكيك فى ثوراته برمتها و إدعاء كونها صنيعه للغرب فى إطار نظرية المؤامره الكونيه التى تدعم فيها دول الغرب عدوهم الاسلامى اللدود!!!!
5-أنتهى الأمر برموز الناصريه للهجوم على الشعوب العربيه لانحيازها للتيار الاسلامى فى الانتخابات، وبدلاً من البحث عن اخطائهم كتحالفهم مع الاستبداد واكتفائهم باحتلال الفضائيات دون معايشة للناس فى الشارع ، أنبروا فى حملات متتاليه يرمون شعوبنا بالجهل وفقدان الأهليه على الاختيار واتهموهم بالدروشه والانخداع باسم الدين ، حتى جرؤت تهانى الجبالى على
المطالبه باعطاء الأمى المصرى نصف الصوت الانتخابى للمتعلم ، وهى ممارسات تكاد تقضى على حضورهم الشعبى بالكليه.
إن تياراً يقوم على تمجيد الفرد وإعلاء الديكتاتوريه لن يكون له مكان تحت الشمس فى العالم العربى الجديد، لذا فإن نصيحتنا لهؤلاء أن عليهم أن يعتدلوا أو يعتزلوا.
المصدر: رصد