خلافًا لوجهة النظر القائلة إنّ «إسرائيل» تعاني من عزلة شبه دولية بسبب سياسات حكومتها اليمينية المتطرفة، يعتقد محللون سياسيون أنّها تعيش حاليًا واحدًا من أفضل أزمنتها، ليس بسبب سياساتها؛ لكن بسبب ضعف محيطها الموجودة فيه، بحسب «جولف نيوز».
وأضافت، بحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه للمرة الأولى منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة عام 1949، فازت «إسرائيل» في يونيو الماضي بانتخابات رئاسة اللجنة القانونية للأمم المتحدة، وهي إحدى اللجان الدائمة الست للأمم المتحدة، وقال محللون إنها «تضغط بشكل مكثّف ومنتظم» للفوز بدعم في سعيها للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي.
عوامل مساعدة
وعلى الرغم من أنّ «إسرائيل» تواجه تحديات، لكنّ لديها أيضًا عوامل مساعدة على نموها وازدهارها؛ مثل الحروب الداخلية في دول عربية كانت في وقت من الأوقات ضد أيّ نوع من تطبيع العلاقات معها قبل حل القضية الفلسطينية. ومن ناحية أخرى، خلقت الانقسامات الفلسطينية الداخلية «شللًا سياسيًا» واستفادت «إسرائيل»، كما ذكر المحللون.
وقال «غيث العمري»، الزميل في معهد واشنطن والمدير التنفيذي السابق لفرقة العمل الأميركية في فلسطين، إنها «مجموعة من الفرص لإسرائيل». وأضاف غيث، المستشار للفريق التفاوضي الفلسطيني أثناء محادثات الوضع الدائم في المدة من 1999 إلى 2001: «من ناحية، تحاول إسرائيل بشكل مكثف الوصول إلى شركاء جدد في جميع أنحاء العالم؛ وتمكنت من تحقيق نتائج».
وفي الأسبوع الماضي، أصبح «بنيامين نتنياهو» أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور أميركا الجنوبية، وفي يوليو الماضي، استضاف نظيره الهندي «ناريندرا مودي»، كما استضاف القادة الأفارقة وزار إفريقيا مرتين في عام 2017؛ على الرغم من تأجيل القمة الإسرائيلية الإفريقية المقرر عقدها في توجو في أكتوبر إلى أجل غير مسمى.
وأضاف غيث أنّ «ظهور إيران باعتبارها التهديد الإقليمي الرئيس لإسرائيل والدول العربية أدى إلى تعاون أمني محدود، ولكن لم يسبق له مثيل بينها ودول عربية».
توتر وتراجع
لكن، من ناحية أخرى، توترت علاقتها مع الدول الأوروبية، الشريك التجاري المهم؛ بسبب السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وقال غيث إنّ نجاح «إسرائيل» الاقتصادي وإنجازاتها الكبيرة في مجالي الأمن والتكنولوجيا، إضافة إلى تناقص أهمية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الساحة العالمية، ساعدها في إقامة علاقات دولية أوسع.
وأضاف أنه من دون تقدم ملموس في السلام مع الفلسطينيين، من المرجح أن تظلّ علاقاتها مع أوروبا متوترة، وستظل علاقاتها مع دول عربية سرية ومحدودة على الصعيد الأمني.
وأقامت دول كثيرة علاقاتها الدبلوماسية مع «إسرائيل»، أو استأنفتها، بعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، المفترض أن يكون بداية لحل المشكلة الفلسطينية، وهي أطول نزاع لم يُحلّ في التاريخ الحديث. واليوم، يُقدّر أنّ نحو 159 بلدًا أقامت علاقات دبلوماسية معها، على الرغم من أنه كان أكثر من ذلك في وقت سابق؛ ولكن بعد هجماتها على قطاع غزة في عام 2009 قطعت بلدان علاقاتها معها.
ولم تنجح جميع المحاولات المبذولة في السنوات الماضية في إحياء «السلام»، ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود.
الاستفادة من «الربيع العربي»
وبينما ينقسم الفلسطينيون بشأن نزاع داخلي بين فتح وحماس، ما زالت قضايا خاصة بدول عربية عالقة؛ مثل الفوضى والحروب الأهلية، خاصة بعد «الربيع العربي» الذي بدأ في أواخر عام 2010.
وقال «معتز سلامة»، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام في القاهرة، إنّ «إسرائيل اتخذت موقفًا محايدًا تجاه الثورات في الدول العربية». وتساءل في مقابلة مع «جولف نيوز»: لماذا عليها أن تتخذ إجراء بينما الدول التي عارضتها تتفكك وحدها؛ مثل سوريا وليبيا.
وأضاف أنّ غياب أيّ تدخل إسرائيلي عسكري في القضايا العربية جعل محللين يعتقدون أنّ «إسرائيل» أضعف من السابق؛ ولكنّ هذا غير صحيح، مضيفًا: «إذا كانت المصالح الإسرائيلية مهددة أو مهاجمة ستستجيب تل أبيب عسكريًا»، و«في حال وقوع هجوم إسرائيلي ستجمع الدول العربية قوتها وتعبئ القوات العامة ضد إسرائيل».
وفي الوقت نفسه، لا توجد تنمية يمكن أن تجبر «إسرائيل» على تقديم أيّ تنازلات للفلسطينيين على طاولة المفاوضات، كما أنه لا يوجد شيء يجعلها على استعداد لتقديم أيّ تنازلات للسوريين على مرتفعات الجولان المسيطرة عليها منذ حرب عام 1967، وقال المحللون إنّ «إسرائيل» تحصل على دعم الإدارة الأميركية ودونالد ترامب بطريقة غير مسبوقة.
وتحدثوا عن وقائع، بما في ذلك وعد السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة «نيكي هالي» بأنّ أيامها المتوترة في الأمم المتحدة قد انتهت. وفي الآونة الأخيرة، بدأت «إسرائيل» العمل على التقليل من خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم «الأونروا» إلى أدنى درجة؛ ونتيجة لذلك توقفت خدمات تعليمية وطبية للأونروا.
وقال «هاني المصري»، المحلل السياسي في الضفة الغربية، إنّ «إسرائيل» تحقق إنجازات في الأمم المتحدة.
كما تعمل على تعقيد عمل داعمي الفلسطينيين، مثل منظمة العفو الدولية، وهي هيئة مراقبة لحقوق الإنسان. وذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الأسبوع الماضي أنّ «إسرائيل» تعتزم معاقبة منظمة العفو الدولية على الحملة الأخيرة التي شجعت فيها الناس على المطالبة بمقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية المبنية في الضفة الغربية.
وأضاف هاني: «لكننا ما زلنا هناك، ونحن موجودون وحصلنا على دعم أطراف»؛ فالفلسطينيون يحتاجون إلى العمل للحصول على مزيد من الدعم وجعل إسرائيل تشعر بآلام سياسية واقتصادية وأخلاقية وثقافية لسياساتها ضدهم».
والأمر المقلق لـ«هاني» أنّ «إسرائيل» تحقق نجاحات في الوقت الذي ترأسها حكومة يمينية، متسائلًا: «فما هو الوضع إذا كانت ترأسها حكومة يسارية أخرى ترتدي قفازات حريرية ولكنها تقدم السم نفسه للفلسطينيين بطريقة مختلفة؟»، لافتًا إلى وجهة نظر عرب بأنه لا يوجد فرق كبير بين الليكود والأحزاب العمالية عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية.
وطلب الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» من صهره «جاريد كوشنر» رئاسة وفد أميركي في جولة بالشرق الأوسط تهدف إلى إحياء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأثناء اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، طلب جاريد إعطاء الإدارة الأميركية مهلة من الوقت قبل اتخاذ الفلسطينيين إجراءات أحادية الجانب في السلام المتوقف.
ونقلت الصحيفة عن «جاريد» قوله أمام الكونجرس الأميركي إنّ الإدارة الأميركية لن تنجح مثل الإدارات السابقة، ولا شك أن إدارة ترامب لن تجد حلًا يحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ووفقًا للمحللين، تعرقل السياسات الإسرائيلية والانقسام الداخلي الفلسطيني جهود السلام.
وتعليقًا على السياسة الأميركية تجاه جهود السلام، قال «غيث» إنّ السياسة الجديدة للولايات المتحدة هي السعي إلى إشراك دول عربية كبرى، مثل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، في السلام. لكنّ هذه الدول ليست مهتمة بمحادثات السلام؛ بل تفضّل تقوية المفاوضين الفلسطينيين، وسيقنعون «إسرائيل» بأنّ السلام مع فلسطين سيفتح الباب أمام السلام مع العالم العربي بأسره «كما جاء في مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية عام 2002 فى بيروت».