يقترب «دونالد ترامب» من مهلة حاسمة لسياسة إيران؛ ففي 15 أكتوبر سيتعين عليه أن يشهد أمام الكونجرس ما إذا كانت طهران ملتزمة بالاتفاق النووي أم لا، بعدما وافق على مضض على امتثال إيران مرتين منذ توليه المنصب، ويتعين عليه أن يشهد أمام الكونجرس أربع مرات في العام؛ لكنّ هذه المرة لفت خطابه الصدامي في الأمم المتحدة في 19 سبتمبر إلى أنه قد لا يفعل ذلك، بحسب صحيفة «ميدل إيست مونيتور».
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة »، أنّ الولايات المتحدة إذا تابعت تهديداتها بسحب الاتفاق ولم تلتزم بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يعرف رسميًا باسم «الاتفاق النووي الإيراني»، فإن حلفاءها في أوروبا سيضطرون إلى الاختيار ما بين ارتكاب جريمة أو الوقوع خطأ. وأيًا كان قرارهم، فتحالفهم الموثوق مع الولايات المتحدة سيكون في موضع شك.
وأضافت الصحيفة أنّ إيران ملتزمة حتى الآن ببرنامج العمل المشترك، وهو ما أكدته مرارًا وتكرارًا مخابراتها والوكالة الدولية للطاقة الذرية، مضيفة أنّ القادة الأوروبيين يعارضون نية أميركا في رفض التصديق على الاتفاق؛ لأنّه من المرجح أنه سيعيد فرض العقوبات الأميركية على إيران.
وقالت إنّ ذلك لن يكون مجرد ضربة قاسمة في جسد التحالف الأوروبي والأميركي؛ بل أيضًا إساءة استخدام للسلطة الأميركية لإعادة فرض جزاءات الأمم المتحدة.
قلق من الفشل
ولدى الرئيس الأميركي سلطة إجبار الأمم المتحدة على «تخفيف» العقوبات المتعددة الأطراف التي رفعت بموجب الاتفاق، والتي فرضت قيودًا على البنوك الإيرانية والشركات الأخرى. وإذا أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على إيران فإنها ستعود ثانية.
وأقنعت إدارتا بوش وأوباما روسيا والصين ومجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على الاقتصاد الإيراني من أجل الحد من برنامجها النووي، وخُفّفت هذه العقوبات بسبب موافقة إيران على وضع قيود صارمة على أنشطتها النووية والسماح بالتفتيش عليها؛ لكنّ الولايات المتحدة وشركاءها قلقين من أنّ مجلس الأمن قد يفشل في إعادة فرض العقوبات مجددًا إذا ما راوغت إيران؛ ما يقلل من حافز إيران للامتثال على المدى الطويل.
ولحلّ هذه المعضلة، وُضع حلٌّ إجرائي ذكي في خطة العمل الشاملة المشتركة؛ إذ يمكن لأي مشارك في الاتفاق أن يطالب مجلس الأمن بالتصويت على قرار بمواصلة تخفيف الجزاءات، ويمكن للولايات المتحدة في الوقت نفسه أن تستخدم حق النقض (الفيتو) على هذا القرار؛ حتى إذا صوّت مجلس الأمن على 14-1 فكل القيود السابقة على إيران لا تزال سارية.
حبر على ورق
وقالت الصحيفة إنّ خطة العمل المشتركة أو الاتفاق جاء ردًا على الانتهاكات الإيرانية، حتى لو لم تعد روسيا والصين متماشيتين مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن، من المفارقات أنه إذا اختارت الولايات المتحدة أن تتصرف بمفردها في غياب الانتهاكات الإيرانية وضد رغبات حلفائها فقد تقوّض الهدف الجوهري للأمم المتحدة، وتصبح عقوباتها مجرد حبر على ورق فيما بعد.
وبمجرد أن تطبق الأمم المتحدة العقوبات، أو في هذه الحالة إعادة تطبيقها؛ من المفترض أن تتخذ المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خطوات لجعل جزاءات الأمم المتحدة جزءًا من قانون الاتحاد الأوروبي وتنظيمه، فالاتحاد الأوروبي يأخذه على محمل الجد؛ فهي تلتزم التزامًا قويًا بفكرة أنّ الأمم المتحدة تستطيع، كممثل للمساءلة القانونية الدولية، أن تفرض شروطًا ملزمة على جميع الأعضاء لصالح السلم والأمن الدوليين.
وواجه الاتحاد الأوروبي في أحيان تحديات قانونية في تطبيق عقوبات الأمم المتحدة؛ لكنه لم يختر أبدًا تجاهل قرارات مجلس الأمن الملزمة كمسألة سياسية.
وفي حالة إيران، تفعل أوروبا ذلك أيضًا، وصُمّمت آلية الخداع لحالة عدم الامتثال الإيراني. وبموجب خطة العمل المشتركة، لا تحتاج واشنطن إلى إثبات أنّ إيران انتهكت الصفقة، ولكن أوروبا قد تقرر أنّ سوء النية الأميركية يبرر التملص من التزامات الأمم المتحدة الخاصة بها؛ ومن المؤكد أن أوروبا ستختلف تمامًا مع السياسة الأميركية في هذه النقطة.
بين الجريمة والخطأ
وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية «فيديريكا موغيريني» إنّ الأمر الذي يطمئن بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بعد خطاب ترامب للأمم المتحدة، أنّ الصفقة تعمل حاليًا ويجب الحفاظ عليها؛ وإذا انسحبت الولايات المتحدة أوضح الاتحاد الأوروبي أنه سيبذل كل ما في وسعه لإبقاء الاتفاق حيًا، عبر الحفاظ على علاقات تجارية حديثة مع إيران.
وبالتالي؛ ستواجه أوروبا اختيارًا بين جريمة بموجب القانون الدولي وما تعتبره خطأ في السياسة العامة، وفي كلتي الحالتين ستكون أوروبا غاضبة بصورة مبررة بشأن إجبارها على الاختيار بين سياستين هامتين عميقتين: التقيد بقرارات مجلس الأمن وتنفيذ خطة العمل الشاملة.
كما أنّ دولًا أخرى، بما في ذلك روسيا والصين، قد تثبت أيضًا التراخي في تطبيق العقوبات المستعادة، وقالت الصحيفة إنّ الانسحاب الأميركي من الاتفاق سيضر باقتصاد إيران بشدة؛ لكنه لن يحقق هذا النوع من الخنق الذي كان يحققه الائتلاف الدولي الواسع قبل الاتفاق. إضافة إلى أنه سيسبب كسرًا عميقًا للعلاقات بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا، وسيجعل من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قادرة على حشد مثل هذه الضغوط الاقتصادية الدولية القوية مرة أخرى.
وفي الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وصف ترامب صفقة إيران بأنها «إحراج للولايات المتحدة»، وقال إنه أثار قرارًا بشأن ما إذا كان سيُصدّق على امتثال إيران للكونجرس؛ لكنه رفض إخبار أحد بما قرره، بمن فيهم رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي»، وهناك فرصة أمام أوروبا لتفسير للرئيس ترامب ومستشاريه بأن تقويض خطة العمل الشاملة، ناهيك عن إلغائها، لن يكون كارثة بهدف منع إيران من تطوير أسلحة نووية فقط؛ ولكن أيضًا للسندات بين الولايات المتحدة وأوروبا. والفائزون الوحيدون في هذا هم خصوم أوروبا وأميركا.