فرضت قوات الحكومة العراقية سيطرتها على أكثر من 80 بالمائة من المناطق المتنازع عليها مع أربيل، والتي كانت تحت سيطرة القوات البيشمركة منذ اجتياح عناصر تنظيم الدول لمدن ومحافظات العراق في عام2014.
ولكن دخول القوات العراقية إلى مدينة كركوك وما حولها، دون مقاومة من قوات البشمركة، جعل القوى الكردية على صفيح ساخن، مطلقة اتهمات متبادلة بالخيانة والمؤامرة، ما عزز الانقسامات بينها.
اتهامات بالمؤامرة
اتهمت القيادة العامة للبيشمركة، التي يقودها الحزب الديموقراطي الكردستاني، مسؤولين في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس بالمساعدة في «المؤامرة ضد الشعب الكردستاني»، في حين يلقى الطرف الثاني باتهمات سرقة النفط وضياع حقوق الإقليم على قيادات حزب الديموقراطي.
ومن جهته لفت رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني إلى أن تسليم كركوك، نتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الأفراد التابعين لجهة سياسية داخلية في الإقليم (لم يحددها)، وانتهت نتيجة هذا القرار بانسحاب البيشمركة بهذا الشكل والطريقة التي رآها الجميع.
وحمل بارزاني، منافسيه مسؤولية الخسائر العسكرية للأكردا في كركوك، مؤكدا أن أنه سيبذل «كل ما هو ضروري من أجل الحفاظ على مكتسباتنا وحماية الأمن والاستقرار لشعب الإقليم».
وأوضح الإعلامي والباحث في الجماعات الإسلامية المسلحة في العراق، مقداد الحميدان، أن «هناك رسالة من السيد العبادي للسيد البارزاني بتاريخ 23 سبتمبر، قبل الاستفتاء بيومين، كان في مضمونها عدة امور ومن ضمنها عودة البيشمركة إلى مناطق ما قبل 9 يونيو 2014، أي قبل دخول «داعش»، وايضا إدارة مشتركة للمناطق المتنارع عليها كـ «كركوك وسهل نينوى» وغيرها» .
وقال الحميدان في تصريح لـ «رصد»، إنه «بعد اتفاق بافيل الطالباني ووالدته هيرو مع حكومة المركز، برعاية قاسم سليماني عصر 16 اكتوبر في طوز خورماتو، تغير كل المخطط، مما ادى الى انقلاب واضح من قبل السليمانية وهم جماعة الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال الطالباني، على الحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لرئيس الاقليم مسعود البارزاني».
وأضاف الحميدان، «أن المخطط تم برعاية واضحة من قاسم سليماني حفاظاً على الأمن القومي الإيراني، لأن استفتاء كردستان يهدد الأمن القومي التركي والإيراني»
وتوقع الباحث السياسي، أن «الوضع بين بغداد والاقليم سيتجه نحو الهدوء وأن ينفذ العبادي ما وعد به السيد البارزاني في رسالته يوم 23 سبتمبر التي رفضها السيد البارزاني وقتئذ».
ومن جانبه، قال الإعلامي العراقي، بسام النصر الله، إن «الوضع حتى اللحظة، أن حزب بارزاني لم يستوعب ما حدث، وهو خسارته مناطق كان لم يكن في الحسبان انه سيخسارها» .
وأوضح النصرالله، في تصريح لـ «رصد»، أن « اسباب الانسحاب جاء باتفاق، بين باڤيل طالباني نجل الرئيس الراحل، والحشد بأنسحاب قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد بعد تقدم الحشد وهذا لم يكن في حسبان البارزاني اذ انسحبت القوات فور تقدم القوات العراقية وترك حزب مسعود وPkk وحيدين امام الالة العسكرية العراقية الضخمة».
وأضاف «أن السبب الثاني، هو تقدم القوات النظامية العراقية وليس الحشد، حيث تلقى بارزاني ضمانات انه ستتم قصف اي قوات منقدمة من الحشد الى كركوك من قبل التحالف وهذا ما لم يحدث».
الأحزاب الكردية ستظل في حرب
زادت حدة الانقسامات بين القوى والاحزاب الكردية، خلال الفترة الماضية، بدءا من الاختلاف حول إجراء الاستفتاء، وصولا بتسليم كركوك ونفطها للقوات الاتحادية، في اتفاق عقد بين طرف واحد في الإقليم مع القوات الاتحادية.
ولفت الحميدان إلى أن الانقسام والعداء سيظل بين الحزبين الأثقل في الإقليم، وإن «الاتحاد الوطني الكردستاني سيبقى خائناً بنظر الديمقراطي الكردستاني، وسيبقى يحوك المؤآمرات للسيد البارزاني، والوضع بين الحزبين المتنفذين لن يهدأ، لأن الأول ترعاه إيران والآخر وهو حزب البارزاني ضد ايران».
وأشار نصرالله، إلى أن الأوضاع ابين الاحزاب في الفترة المقبلة ما زالت ضبابية، مضيفا «البعض يقول بأن هنا اتفاق بإقليم جديد سليمانية حلبچة كركوك والبعض يقول الإقليم واحد مقابل حكومة جديدة لادارته وكل السيناريوهات مطروحة».
وصرح الرئيس العراقي فؤاد معصوم ، المنتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس لبارزاني، أن «اجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان أثار خلافات خطيرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، كما بين القوى السياسية الكردستانية ذاتها، ما أفضى إلى عودة القوات الامنية الاتحادية إلى السيطرة المباشرة على كركوك».
ومن جانبه، قال الصحفي المستقل ديلوفان براوي من أربيل، في تصريحات تلفزيونية، إن «الرئيس العراقي حيدر العبادي، حاول خلخلة الأزمة، فافتعل أزمة كبيرة داخل الإقليم، بين الأحزاب الكردية، نتيجة الاتفاق مع طرف دون حضور الطرف الآخر» – في إشارة إلى الاتفاق مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وانسحبت قوات البيشمركة من كركوك دون مقاومة تذكر، تبعتها انسحابات البيشمركة أمس الثلاثاء، شملت سنجار ومخمور وبعشيقة وعددا من المعابر الحدودية، ما يشير إلى تراجع الأكراد بعد الاستفتاء إلى الخط الأزرق أي حدودهم في عهد صدام.
الخط الأزرق المثبت في الخرائط الدولية، وهو خط العرض 36، ويحدّد العلاقة الإدارية والسياسية بين العراق، والمناطق الكردية في دولة العراق الناشئة في قرارات مؤتمر القاهرة في مارس 1921.
ولفت البراوي، إلى أن «انقسامات الأطراف كانت سابقة لأحداث كركوك، وقبل حتى الاستفتاء، وكانت هناك حرب أهلية بين الطرفين، ولكن عقد العبادي الاتفاق مع طرف واحد، عقّد من الازمة ولم يحلها، خاصة وأنه عقده مع أشخاص معينة دون الاخرى داخل الاتحاد الوطني، ما زاد من حدة الانقسامات».
وأضاف الصحفي العراقي، أن «تسريبات غير مؤكدة تشير إلى أن اتفاق التسليم السري، شمل تشكيل إقليم سليماني، وهو ما يعني انقسام أربيل إلى قسمين»، مشيرا إلى أنه «إذا حدث ذلك فتكون كارثة كبيرة».
وكانت حركة التغيير الكردستانية، أصدرت بيانا عقب الاستفتاء، قالت فيه إن الأوضاع الداخلية والخارجية ليست مناسبة لإجراء الاستفتاء. وطالبت بالاستجابة لمبادرات المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتسهيل الحوار والتوسط بين كردستان وبغداد، فيما رفض الحزب الديموقراطي المقترح وأصر على التمسك بنتائج الاستفتاء.
مطالبات بالتنحي ودعوات للحوار
ودعا رئيس برلمان إقليم كردستان المعزول يوسف محمد، رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني إلى التنحي عن السلطة، بعد أحداث كركوك.
وقال محمد، «نحن جميعا أسرى لنخبة سياسية تعمل للسيطرة على ثروات الوطن من أجل توسيع سلطتها».
واتهم رئيس البرلمان المعزول، النخب السياسية في الإقليم، بالمتاجرة بتضحيات الشعب ودمائه، لافتا إلى أن «بطولات البيشمركة رسمت صورة جميلة من المقاومة والتضحية».
وطالب محمد، بارزاني بالاعتراف بالفشل، وأن يقدم خدمة كبيرة لشعبه من خلال استقالته من منصبه وترك الشعب يقرر مصيره بنفسه، قائلا «ليس أن تحدده أنت بحسب رغباتك».
ووفي ذات السياق، طالب «التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة» بحوار وطني بشمل ممثلس العسب الكردستاني وبغداد، لافتا إلى أن تأزم الأوضاع، ليس نتيجة لانسحاب البيشمركة، فقط ولكن المجازفات السياسية الغير واقعية.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، دعا إلى إجراء الحوار بين بغداد والقيادة الكردية لتسوية الأزمة بعد سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك.
وفي المقابل، قال بارزاني، إن استفتاء الأكراد على الاستقلال «لن يهدر»، وأن «الصوت الصارخ والمدوي الذي أطلقه الأكراد لاستقلال كردستان وأوصلوه لشعوب العالم ودولها لن يضيع وسيصل الشعب الكردي لهدفه عاجلا أو آجلا».