قالت صحيفة «ميدل إيست آي» إنّه على مدى عقودٍ لم يَحُزْ أيُّ حاكمٍ سعوديٍّ على انتباه العالم مثلما فعل ابن سلمان؛ فالاهتمام به لم يقتصر على المجتمع العربي وحسب، بل امتد إلى العالم بأسره؛ حتى إنه حاز على «شخصية العام» و«أكثر شخص مؤثر»، وبرز أكثر من أيّ شخصية أخرى في الشرق الأوسط. والسؤال الآن: إذا نجح في تنفيذ إرادته ولديه الوقت لذلك؛ فأيّ نوع من الممالك ستكون تحت إدارته؟
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه منذ تعيينه نائبًا لولي العهد في 2015؛ تحرّك بسرعة لتنفيذ إرادته، وإحكام قبضته على الشؤون والموارد السعودية؛ وتولّى وزارة الدفاع، ورئاسة مجلس التنمية والشؤون الاقتصادية.
لكنّ هذا لم يكن كافيًا؛ ففي العامين التاليين سارع إلى السيطرة على ملفات الأمن والشؤون الخارجية، التي كان يتولاها الأمير محمد بن نايف (ولي العهد)؛ كل هذا بجهله بعواقب ما فعله.
وفي الصيف الماضي، أطاح الملك سلمان بالأمير محمد بن نايف وزجّ بابنه مكانه وليًا للعهد؛ وبذلك أصبح مسيطرًا تقريبًا على معظم الأمور في السعودية.
وبينما لا يزال ابن سلمان متورطًا في حرب اليمن، وكلّف المملكة سياسيًا وماليًا ما فوق طاقتها، وأثار أزمة جديدة مع قطر؛ لم يكن هناك شكّ في أن ما فعله معها بهدف إرغامها على الخضوع للإرادة السعودية، التي لا تختلف عن إرادة ولي العهد.
وفي عام 2017 خطى خطوة أخرى نحو تعزيز سلطته؛ إذ قاد حملة ضد رجال الأعمال والأمراء، واعتقلهم بجانب علماء وشخصيات إسلامية بطريقة تعسفية وغير قضائية، ودون إثبات ما ارتكبوه من جرائم. كما قاد محاولات لتغيير الطابع الثقافي والاجتماعي للمملكة.
وبالإضافة إلى ذلك، شارك في الخطط الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية.
مراكز السلطة التقليدية
وتوضّح الإجراءات المتخذة في العامين الماضيين أنّ ابن سلمان ليس لديه أيّ اعتبار لمراكز القوى التقليدية في المملكة، وهي الأسرة الحاكمة والمؤسسات الدينية والقبائل الكبرى ومجتمع التجار والموالين ورجال الأعمال.
وخلافًا للدولة السعودية الأولى، المنشأة على أساس عقائدي وعشائري؛ فالدولة السعودية الثانية مزّقتها الصراعات والحروب الداخلية. وكانت الدولة السعودية الثالثة عبارة عن مفاوضات مستمرة بين دوائر السلطة التقليدية داخل الأسرة الحاكمة؛ لوضع أسس لحكم الدولة.
وأدرك الملكان فيصل وفهد جيدًا أنّ فاعلية الحاكم والاستقرار عنصران مهمان، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون السيطرة على مراكز القوة التقليدية وأخذها في الاعتبار؛ كالمؤسسات الدينية والقبائل الكبرى وغيرهما.
وعلى الرغم من مساعي الملوك المتعاقبين لبناء دولة سعودية حديثة، من حيث الهيكل والقدرة على الحفاظ على الهيمنة والسيطرة؛ حرصوا عمومًا على تجنّب تجاهل أيّ مركز للسلطة داخل المجتمع.
وبطبيعة الحال، سيكون من السذاجة التغاضي عن حقيقة أنّ تحديث السعودية في العقود الأربعة الماضية أدى إلى تغييرات ملموسة في علاقات القوة بين الدولة والمجتمع، وأصبحت الدولة السعودية أقوى وأكثر استبدادية مما كانت عليه منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات.
غير أنّ التحديث والتغيير حدثا بطريقة تدريجية ودون تمزّق أو صراع.
مخطط صادم
ويقود ابن سلمان الآن مخططًا سريعًا ومفاجئًا لإعادة تأكيد السيطرة على الدولة، ولا يأخذ في اعتباره أثناء فعل ذلك موقف القبائل وسلطة رجال الدين وموقف بيت آل سعود ورجال الأعمال وغيرهم، أو الدور الذي تؤديه مراكز السلطة في تمثيل قطاعات كبرى من الشعب السعودي.
ويعلم الجميع أنّ ما يفعله انقلاب؛ وإذا نجح في مسعاه فالدولة القادمة استبدادية بامتياز، ولن تتعامل مع السعوديين كمراكز قوى وقبائل؛ بل كأفراد، ولن يكون هذا جيدًا في دولة كالسعودية؛ وسيُحرم غالبية المواطنين من التعبير عن إرادتهم.