نشرت صحيفة «لوب لوج» تخيلا أو سيناريو مطولا لـ«جوردون آدمز» المحلل السياسي والمسؤول السابق في البيت الأبيض، عن شكل العالم ومآخذ السياسة إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من المشهد العالمي، موضحا أن العالم سيصبح بالتأكيد أكثر استقرارا وأمانا وعدلا، خاصة إذا تأكدنا أن معظم الحروب وأعمال القتل والتدمير المنتشرة في العالم حاليا هي بسبب خطوات أمريكية مباشرة أو غير مباشرة.
ومن المقرر أن تنطلق القمة المقبلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونج، خلال أيام في سنغافورة، في ظل الأخطاء الكارثية التي ارتكبها ترامب خلال فترة حكمه القليلة، من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس المناخية والشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ وغيرها.
وأشار المحلل، إلى أن خطط ترامب وأفعاله وسياسته، يمكن توصيفها بأنها «عقيدة ترامب»، والتي تهدف إلى سحب أميركا من المشهد الدولي، وهو الأمر الصعب، خاصة وأنه كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها الضامن لأمن واستقرار العالم والنظام الدولي لأكثر من 70 عاما.
إلا أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تعتبر من أكثر الدول الداعمة للعنف وعدم الاستقرار، وهو ما تجلى في أفعالها في العراق وغزوه في 2003 والانسحاب من الاتفاق النووي وما فعلته في جواتيمالا وشيلي وجمهورية الدومينيكان ناهيك عن حرب فيتنام المميتة، ورغم ذلك ما زالت أسطورة مساعدة أميركا على استقرار العالم قائمة.
وتحدث ترامب من قبل في نبرة وصفتها الصحيفة بالسيئة، عن أن الولايات المتحدة هي من تملك مفتاح الأمور وتحكم النتائج في كل مكان بالعالم سواء الأمن النووي أو إنقاذ النظام المالي العالمي أو حتى المناخ، وفي نفس الخطاب أكد أنه ينوي أن يجعل «أميركا أولا»، وترك الأمور الخاصة بالدول الأخرى لإداراتها المحلية لتولي زمام المبادرة.
وفيما يلي سيناريو تخيلي للوضع الذي سيكون عليه العالم دون الولايات المتحدة الأمريكية.
تغير المناخ
لا يوجد شك في أن الولايات المتحدة هي المنتج الرئيسي للانبعاثات الضارة في العالم، وتتحمل الجزء الأكبر من المشكلة باعتبارها أكبر بلد صناعي، مضيفا: تخيل عالما يوافق الجميع فيه باستثناء الولايات المتحدة على تخفيض الانبعاثات الضارة، بالتأكيد لن يتم تحقيق نتائج مرجوة في ظل عدم موافقة أكبر دولة منتجة لتلك الانبعاثات على وقفها.
لكن هناك أمر إيجابي آخر، فالعالم والولايات المتحدة نفسها تتجه نحو استخدام الطاقة المتجددة، وعلى حد سواء انسحبت الولايات المتحدة أو بقيت فإن تلك الانبعاثات ستتوقف سواء شاركت أو لم تشارك.
التجارة العالمية
تعد الولايات المتحدة أكبر سوق تجاري عالمي، ويعتبر الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية الأساسية، لذا فإن التجارة الأمريكية والسياسات النقدية الأمريكية مهمة للجميع، إلا أن هذا الواقع الاقتصادي يتغير بسرعة البرق بحسب الكاتب، موضحا أن الاقتصاد الصيني آخذ في النمو المتسارع، ومن المتوقع أن يسبق النظام الاقتصادي الأمريكي بسنوات، وهو ما يسهم في خلق نظام عالمي جديد بعيدا عن واشنطن.
وأكد الكاتب أن علامات تغير الوضع والنظام الاقتصادي العالمي أصبحت واضحة بالفعل، حيث تعمل دول أميركا اللاتينية على ترتيبات للتجارة الحرة دون الولايات المتحدة، ودخلوا بالفعل في مفاوضات مباشرة مع الصين، فيما تؤكد الصين أن خططها وأجنجتها الاقتصادية، مثل مبادرة الحزام والطريق، ستغير الواقع الاقتصادي العالمي 180 درجة.
الأمن الآسيوي
تمتلك الولايات المتحدة الأسطول الأكبر في المحيط الهادئ بجانب الكثير من الحلفاء والوجود العسكري المهم بشكل واضح، إلا أنه من ناحية أخرى تتزايد مساعي الصين نحو السيطرة على بحر الصين الجنوبي، فيما يتنامى وجودها العسكري غرب المحيط الهادئ.
تخيل أن دولا أخرى في المنطقة الآسيوية تنضم إلى هذا التوازن المتغير سواء عبر التدريبات والبعثات المتبادلة أو حتى اتخاذ مواقف أكثر حيادية تجاه مساعي الصين، فوفقا لهذا الوضع، فإن الولايات المتحدة لن يكون لها ميزة أو أفضلة، خاصة إذا ما اتفقت دول مثل الصين واليابان وكوريا الشمالية، فتهميش الولايات المتحدة سكيون حينها أمرا لا مفر منه.
الشرق الأوسط
تلك أصعب قضية يمكن تخيلها دون الولايات المتحدة، فعلى مدار السنوات الـ18 الأخيرة تواجدت الولايات المتحدة عسكريا في منطقة الشرق الأوسط، مما ساهم في زعزعة استقرار المنطقة والمستمر حتى اليوم، وما يفعله ترامب حاليا لا يصب في صالح إنهاء الصراعات المتفرقة والمنتشرة بكثرة.
لكن تخيل معي، بدون الولايات المتحدة ستخرج السعودية والإمارات من اليمن وتتخليان عن طموحاتهما في إسقاط النظام الإيراني، فيما ستتوقف إراقة الدماء في سوريا والعراق، وضمان نوع من نظام الأمن الإقليمي، ووفقا للكاتب يتوقع بالفعل أن يحدث هذا مستقبلا، أي أن تشكل دول الشرق الأوسط والقوى الإقليمية نظاما إقليميا أكثر استقرارا دون الولايات المتحدة، لكنه مرهون باتفاقهم أولا ونبذ خلافاتهم.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن وجود الولايات المتحدة من عدمه لن يشكل فرقا، في ظل استمرار السياسات «الإسرائيلية».
الإرهاب
من الواضح أن الولايات المتحدة هي المتدخلة العالمية عندما يتعلق الأمر بمكافحة المنظمات الإرهابية، لكن وفقا للواقع فإن الولايات المتحدة نفسها أحد مسببات الإرهاب العالمي، ناهيك عن عدم الاستقرار، تخيل مثلا أن تجتمع الدول الإفريقية معا ويتفقون على إنشاء قوة إقليمية مشتركة لمكافحة الإرهاب، ومطالبة الجيش الأمريكي بالمغادرة، حينها لن يكون الأمر مشكلة.
روسيا وأوروبا
هناك تخوفات وقلق داخل الكونجرس الأمريكي من أن الولايات المتحدة تدخل حاليا بالفعل في فترة حرب باردة مع روسيا، لكن تخيل دون وجود الولايات المتحدة، ما ستفعل روسيا؟ بالتاكيد ستستطيع الترويج لمصالحها وأهدافها بطريقة أقل كلفة وأسرع تطبيقا.
أما بخصوص أوروبا، فمن الصعب تخيل دخولها في شراكات أمنية مع روسيا، إلا أنه للأسف فإن عقيدة ترامب، تسير في اتجاه تغيير العلاقات والتحالفات العالمية، وتشكيل نظام عالمي جديد، سواء برضى أو دون رضى الجميع.