تيقنت مصر من وصول أزمة مياه النيل إلى حائط سد، وكذلك من إصرار إثيوبيا على استكمال مشروعها، ومن حينها، بدأت مصر في تبني خطاب مغاير عن السابق، وانتقلت من مرحلة “لا نريد الضرر لأحد” إلى “من يريد أن يجرب فليجرب”، وارتفعت لغة التهديد، وتبعتها إبرام الاتفاقات العسكرية مع الجيران الأفارقة وتودد مصر بالمساعدات إلى آخرين، بينما تعد أبرز الخطوات، زيارتي الرئيس التونسي ووزير الخارجية الروسي لمصر.
السيسي يهدد والجيش يتحرك عسكريا
في الـ30 من مارس الفائت وأثناء إلقاء السيسي كلمته عقب تعويم ناقلة الحاويات البنمية “إيفر غيفين”، تطرق إلى أزمة مياه النيل واستغل فرصة الاهتمام العالمي بالحدث ليوصل رسالته متوعدا بأن تشهد المنطقة حالة من عدم الاستقرار لا يتخيلها أحد، إذا تم المساس بمياه مصر.
لتُعلن القوات المسحلة المصرية، في اليوم التالي مباشرة، 31 مارس، عن انطلاق فعاليات التدريب الجوي المشترك “نسور النيل – 2” بين القوات الجوية المصرية والسودانية، إضافة إلى عدد من قوات الصاعقة لكلا البلدين.
فشل المفاوضات واستمرار التحركات
أعنلت الخارجية المصرية فشل مفاوضات سد النهضة، والتي انتهت في الـ6 من أبريل الجاري واحتضنتها جمهورية الكونغو الديموقراطية، ورعاها الاتحاد الأفريقي، دون أي تقدم يذكر، واتهمت مصر والسودان، إثيوبيا بالتعنت، بعد أن رفضت إثيوبيا كل المقترحات والبدائل التي طرحتها مصر وأيدها السودان، كما رفضت مقترح السودان بتشكيل لجنة رباعية للوساطة، والذي أيدته القاهرة.
بعد الإعلان عن فشل المفاوضات، وتحديدًا في الـ8 من أبريل، وقعت مصر وأوغندا، في العاصمة الأوغندية كامبالا، اتفاقية أمنية لتبادل المعلومات العسكرية بين جهاز المخابرات المصري والمخابرات العسكرية الأوغندية.
وفي سياق عسكري آخر يمكن قراءته على أنه بمثابة هدية أو “عربون محبة”، كانت مصر قد أعلنت في بداية الشهر الجاري عن إرسال شحنات ومساعدات طبية إلى جمهورية بوروندي، على متن طائرات عسكرية، لتعلن بعدها القوات المسلحة المصرية في الـ10 من أبريل، انعقاد اجتماع عسكري انتهى بتوقيع اتفاق تعاون عسكري بين مصر وجمهورية بوروندي.
ماذا وراء الزيارات الأخيرة
سياسيا، بدأت مصر في التحرك لجلب الدعم الدولي لها في الأزمة القائمة، ويبدو أنها تعرف ما تريد جيدًا فدعوة السيسي للرئيس التونسي قيس سعيد لها أبعاد عدة، فتونس هي البلد العربي الوحيد في مجلس الأمن وبالتأكيد فإن السيسي في أمس الحاجة لتأييدها لها في ملف المياه.
وعلى الجانب الآخر كانت لزيارة روسيا إلى مصر أهمية كبيرة بالنسبة للنظام، خصوصًا في هذا الوقت الحساس الذي تواجه فيه مصر أزمة كبيرة بسبب مشكلة سد النهضة الإثيوبي، بعدما عول السيسي كثيرًا على الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية في هذا الملف.
لكن بالرغم من ذلك فإن أبعاد الزيارة الروسية الأخيرة لم تكن على قدر تطلعات النظام المصري على ما يبدو، فبينما أعلنت روسيا أن مصر أحد الشركاء الأساسيين لها، وأنها تدعم حقها في مياه النيل، إلا أنها أكدت ضرورة التغلب على الأزمات والصراعات بالوسائل السياسية فقط.
ليبقى السؤال الأخير الأهم، لماذا أتت روسيا متأخرة في أزمة السد؟، وهل جاءت من أجل دعم مصر حقًا أم للتأكيد على أنه لا سبيل لأي تدخل عسكري نهائيًا؟.