الأزمة هي الانقلاب العسكري الذي يحاول إنهاء المسار الديمقراطي الذي بدأ بعد ثورة يناير المجيدة، والخروج منها يكون بالعودة لهذا المسار.
حاول الكثيرون تقديم مبادرات منذ يوم الانقلاب إلى اليوم، ولكن أحدا لم يوفق حتى الآن في طرح حل شامل يجيب عن الأسئلة الصعبة، والسبب في ذلك أن أهداف المبادرات كانت متباينة، والأفق السياسي ملبد، وكثير من المواقع قد تغيرت، وكثير من التحالفات قد انفضت.
هناك مبادرات طُرِحَتْ بهدف الوصول لحالة تصالح بين القاتل والمقتول، شريطة أن ينسى أهل القتلى قتلاهم، أو أن يرضوا بأي مبلغ "رمزي" وكأنه دية، بل صدرت بعض فتاوى السوء التي تبرر ذلك، ولذلك رُفِضَتْ هذه المبادرات، لأنها تفتقد للعدل.
وهناك مبادرات أخرى كان هدفها العكس تماما، أن تعود كل أمور البلد إلى ما قبل الثلاثين من يونيو، دون مراعاة لأخطاء ارتكبت ممن كانوا مسئولين عن هذه المرحلة في الحكم، ودون مراعاة لتغير المشهد داخليا وإقليميا ودوليا.
المبادرات التي يمكن التفاعل معها هي التي تعيد المسار الديمقراطي بآلياته الحاكمة، وفي نفس الوقت لا تستثني أحدا من الحساب والقصاص، لا فرق في ذلك بين عسكري ومدني، أو بين تيار وتيار.
حقيقة الأمر أننا جميعا قد أخطأنا، ولكن أخطاء من مارس الحكم كانت أكبر، سواء بالتواطؤ مع الدولة العميقة أو بالرضى بفساد الأمر الواقع، أو حتى بمجرد السكوت على انتهاكات حدثت.
هذا الكلام يغضب البعض، ولكنه رأيي، أقوله بكل صراحة، ولا أرى مخرجا مما نحن فيه سوى باعتراف الجميع بأخطائهم، خصوصا هؤلاء الذين جلسوا في مقصورة القيادة لبعض الوقت.
مبادرة المبادئ العشرة التي أطلقت من بروكسل (والتي أطلقها بعض السياسيين المصريين المعارضين للانقلاب) خطوة هامة في تصورات إعادة المسار الديمقراطي، خصوصا أنها تتجاوز اللحظة الراهنة إلى ما بعد إسقاط الانقلاب، وتحاول الإجابة عن الأسئلة الصعبة التي يسألها كثيرون ويتهرب منها كثيرون، أسئلة من نوعية ماذا سوف يحدث إذا سقط الانقلاب؟ هل سنعود لنصبح تحت رحمة التيار الإسلامي الذي خذلنا خلال السنوات الماضية؟
والإجابة في المبادرة واضحة، الحل هو ديمقراطية تشاركية، لا غالب فيها ولا مغلوب، يتعهد فيها الجميع بعدم الاستحواذ على أي أغلبيات لمدة يتفق الجميع عليها، وأنا شخصيا أقدرها بعشر سنوات.
عشر سنوات نسقي فيها شجرة الديمقراطية، وبعد أن تضرب جذورها في الأرض، من الممكن أن يبدأ التنافس والاعتداد بالأكثريات، وعلى الجميع تقديم سائر الضمانات التي تبني الثقة، وتؤدي إلى تطبيق حقيقي لعدم الاستحواذ.
هذا ما حدث تقريبا في النموذج التونسي، والتجربة صامدة حتى الآن، وما زال المسار الديمقراطي – بسبب حكمة الجميع – يتعزز، وتتراجع رغبات التيارات في الاستحواذ الكامل، أو تتأجل إلى أن تنمو جذور شجرة الحرية في أرض بوَّرها الاستبداد !
الورقة تقدم حلا لما بعد الانقلاب، وكيف ينبغي أن يطبق قانون صارم للعدالة الانتقالية لا يستثني أحدا من الحساب، ولا يغمض عينيه في القصاص.
البعض يرفض المبادرة لأن الإعلان عنها جاء من خارج مصر، ولأن من أطلقها ربما قد يكون له علاقة بنظام الإخوان المسلمين، وهذا بالنسبة لي ليس سببا كافيا للرفض، طالما التزم الجميع بالخضوع للعدالة، وطالما تعهد الجميع بالديمقراطية التشاركية وعدم الاستحواذ.
الورقة تستحق الإشادة، وتستحق الدراسة، وفيها من الأفكار ما يمكن الاستفادة منه، ومن يرفض الورقة بكل ما فيها من أفكار لأن فلانا أو علانا وقع عليها عليه أن يراجع نفسه، لأن المخرج الوحيد من العهد الأسود الذي نحن فيه هو توحد الجميع، وتناسي الخلافات، والنظر للمستقبل، كل ذلك في ضوء المبادئ التي لا تعفي أحدا من الحساب أو القصاص.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …
نص إعلان المبادئ :
استرداد ثورة يناير واستعادة المسار الديموقراطي
إعلان مبادئ
إيمانا بمباديء ثورة 25 يناير واهدافها وتمكينا لمكتسباتها .. وتحقيقا لما ارتقي من اجله الشهداء الاجلاء .. وامتدادا للصمود الثوري الراسخ والحراك السلمي المبدع علي مدار عشرة اشهر عقب الانقلاب العسكري، وسعيا لاعلان مشروع سياسي متكامل يوضح مرحلة ما بعد رحيل إنقلاب الثالث من يوليو وازاحة النظام العسكري، بما يسمح بمشاركة الجميع في إدارة مرحلة انتقالية ناجحة ، على أسس رصينة وسليمة، تعاقدية وتوافقية ، ببرنامج زمني مناسب لكل مرحلة ، وتؤسس لفترة تشاركية سياسية ومجتمعية وشعبية ، تراعي التجارب والدروس المستفادة والضمانات المرجوة سواء للتنفيذ او حسم الخلاف إن وجد والاصطفاف .
فإن الموقعين أدناه على هذه الوثيقة يعلنون المبادئ التالية :-
1. إدارة التعددية والتشاركية ضمن حالة توافقية توضع لها الآليات المناسبة بالاتفاق بين كافة التيارات السياسية، وذلك في إطار يقوم على قواعد الديموقراطية و التشاركية السياسية.
2. عودة الجيش الوطني إلى ثكناته، والتفرغ لوظيفته المقدسة في حماية حدود البلاد والدفاع عن الوطن ، مع التزامه بالحياد الكامل والانضباط العسكري التام ومهامه العسكرية بعيدا عن أي انحياز سياسي لأي طرف.
3. بناء استراتيجية متكاملة للعدالة الانتقالية تقوم على اتخاذ كل إجراءات المصارحة والحقيقة والمصالحة المجتمعية و تفعيل القصاص العادل وسرعة الوفاء لحقوق الشهداء والمصابين والمعتقلين واتخاذ كل ما يلزم لبلوغ العدالة الناجزة والفاعلة في هذا المقام.
4. تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الفقراء وأبناء الشعب الكادح وانهاء الظلم الاجتماعي وبدء الإصلاح الاقتصادي الفعال الداعم للتنمية.
5. تمكين الشباب والمرأة من ممارسة أدوار قيادية مؤثرة تتناسب مع دورهم الطليعي في الثورة ، من خلال سياسات حقيقية تمكن من ذلك فى اطار استراتيجيات متكاملة وآليات واضحة.
6. ضمان الحقوق والحريات العامة والسعي الى تحقيق دولة العدل وسيادة القانون والمواطنة والحفاظ على كرامة الإنسان.
7. التعاون في رسم مسار تطهير شامل وعادل لمؤسسات دولة الفساد العميقة ، يرتكز علي دعم الشرفاء والكفاءات والخبرات من أبناء المؤسسات كأولوية لضمان تفعيل مسار ثورة 25 يناير ومكتسباتها ، وإعادة بناء هذه المؤسسات على أسس سليمة بمشاركة من الجميع ، وفتح الوظائف للكفاءات ومنع التمييز والاقصاء بكافة اشكالهما.
8. استعادة حيوية المجتمع المدني وتحريره من تبعيته للسلطة التنفيذية وتمكينه من أداء دوره الريادي كقاطرة للتنمية والنهوض.
9. إعطاء الأولوية الكبرى لاستعادة الأمن الإنساني والقضاء علي الفساد واسترداد الشعب لثرواته المنهوبة بالداخل والخارج.
10. اقرار الاستقلال الوطني الكامل لمصر ورفض التبعية وتفعيل دور مصر الاقليمي والدولي على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشأن الداخلي للاخرين وحفظ المصالح المشتركة.
لأجل مصر وشعبها.. لأجل حاضرها ومستقبلها.. ندعوا كل أبناء مصر الأحرار للاصطفاف معا وتحمل المسئولية التاريخية لتجاوز هذه المرحلة الحرجة ودعم هذه المباديء.
المصدر: عربي 21