بعد احداث الثالث من يوليو عام 2013 وبالتحديد في شهر سبتمبر في نفس العام بدأت حملة عسكرية مكبرة في سيناء لتطهير سيناء من الارهاب . ولكن من وجهة نظر الكثيرين فان شعار الحرب علي الارهاب غير دقيق وان مصطلح “تطهير عرقي” لسكان شمال شرق سيناء من “البدو” هو المصطلح الاكثر دقة .
السؤال هنا ما الدليل ان ما يحدث في سيناء هو “تطهير عرقي”؟
قبل ان نجيب علي هذا السؤال لابد ان نعرف مصطلح “التطهير العرقي”.
احدي التعريفات لمصطلح التطهير العرقي تقول الاتي :
التطهير العرقي هو ذلك الفعل العنيف الذي تقوم به جماعة تجاه جماعة أخرى ينحدر سكانها أو “أغلبيتهم” من أصل واحد، أو يؤمنون بديانة واحدة، أو يتكلمون بلغة واحدة، “أو كل هذه الأشياء معا”، وذلك من خلال التصفية الجسدية وحبس المدنيين في معسكرات الاعتقال، وإبعادهم عن أراضيهم والاستحواذ على ممتلكاتهم.
غرض التطهير العرقي هو استئصال الجماعات العرقية المرتبطة بالمقاومة أو الجماعات الإرهابية أو الهادفة إلى تغيير الأوضاع السياسية أو التي تتبع أسلوب حرب العصابات وفي أحيان كثيرة يكون التطهير العرقي مدفوعا بعقيدة تعتبر الجماعة العرقية المستهدفة كيانا قذرا ينبغي التخلص منه “كما حدث مع اليهود في القرون الوسطى في أوروبا” وذلك بهدف ضمان فرض السيطرة الكاملة على المنطقة.
لكي نفهم الاجابة بشكل كامل لا بد ان نشير لشئ مهم وهو ان الحرب في سيناء ليست في كاملها وليست ايضا في شمال سيناء كلها ولكن العمليات المسلحة تتركز في مدينتي الشيخ زويد ورفح والمناطق الشرقية للعريش واحيانا تتم بعض العمليات في قلب مدينة العريش . معني هذا الكلام ان المساحة التي تتم فيها العمليات العسكرية هي 40 كم (من الشرق الي الغرب) وهي المسافة بين مدينة رفح الي العريش ، و20كم (من الشمال الي الجنوب) وهي المسافة من ساحل البحر الي القري الجنوبية للشيخ زويد ورفح والعريش . كما ايضا يجب ان نشير الي ان هناك اختلاف أعراق بين العائلات في هذه المنطقة ، فقبيلة السواركة هي اكبر قبائل شمال سيناء ويعتبر تمركزها الرئيسي في مدينة الشيخ زويد والضواحي الجنوبية لها مع انتشارها ايضا حتي مناطق شرق العريش ، تليها قبيلة الارميلات ويتمركز سكانها في مناطق رفح والشيخ زويد . هناك بعض العائلات في الشيخ زويد ورفح ولكن اعدادها قليلة ، وعائلات مدينة العريش ايضا يختلفون مع القبائل الاخري من الناحية الثقافية وفي العادات والتقاليد .
يمكننا ان نقسم الاعراق في هذه المنطقة الي :
1- البدو: وهو لفظ يطلقه ابناء محافظات الوادي واهل العريش علي ابناء القبائل الكبيرة ومن اشهرها (السواركة _ الارميلات _ الترابين_التياها ) والذين تعود اصولهم الي الجزيرة العربية .
2- العرايشية : وهو لفظ يطلقه البدو وجميع سكان شمال سيناء علي ابناء عائلات مدينة العريش والذي تعود اصول معظمهم الي اعراق غير عربية ومن اشهرها (الفواخرية _ اولاد سليمان_ الشوربجي).
3- عائلات اخري : عائلات صغيرة منتشرة في الثلاث مراكز ويسمون ابنائهم علي اسم العائلة المنتمي اليها .
الان نجيب علي السؤال الذي يقول ما الدليل علي ان ما يحدث في سيناء هو “تطهير عرقي”؟
كما وضحنا فان اكبر واشهر قبيلتين في هذه المنطقة هم السواركة والارميلات
بعد بدأ الحملة العسكرية في سيناء انصب تركيز الجيش علي “البدو” بشكل عام وعلي قبيلة السواركة بشكل خاص مما جعل البعض يطلق علي الحملة اسم “الحرب علي البدو” او “الحرب علي السواركة”.
لكي نثبت صحة التوصيف لا بد ان نقارن التعريف بما يحدث علي ارض الواقع .
– التطهير العرقي هو ذلك الفعل العنيف الذي تقوم به جماعة تجاه جماعة أخرى
وهذا بالفعل ما يحدث علي ارض الواقع فجماعة “الجيش” تقوم بفعل عنيف تجاه “جماعة اخري” وهم “البدو” وهل هناك اكثر عنفا من الحملات الامنية والاعتقالات والتصفية الجسدية وتهجير السكان؟!!! .
– ينحدر سكانها أو “أغلبيتهم” من أصل واحد، أو يؤمنون بديانة واحدة، أو يتكلمون بلغة واحدة، “أو كل هذه الأشياء معا”
تحقق ايضا هذا الشرط فالبدو من اصل واحد وتعود اصولهم الي الجزيرة العربية ويمكننا ان نقول ان لهجتهم تختلف بشكل كبير عن اللهجة المصرية .
– وذلك من خلال التصفية الجسدية وحبس المدنيين في معسكرات الاعتقال، وإبعادهم عن أراضيهم والاستحواذ على ممتلكاتهم.
بالفعل حدث ذلك ومع نفس العرق ايضا”العرق البدوي” في شهر اكتوبر 2013 بدأت اولي حالات التصفية الجسدية في الكتيبة 101 لشخص يدعي “عيد حرب” من قبيلة السواركة وتوالت بعدها التصفيات وكان للسواركة النصيب الاكبر منها وبعد ذلك يأتي ابناء قبيلة الارميلات في المرتبة الثانية . شكل عدد الذين تم تصفيتهم من “البدو” حوالي 98 % من الذين تم تصفيتهم في سيناء .ايضا كان العدد الاكبر من المعتقلين هم من “البدو” والذي بلغ عددهم في بعض التقارير الي 11الف معتقل عدد كبير منهم تم اخفاؤه قسريا . تم تهجير السكان في مناطق”البدو” قبل الاعلان عن انشاء المنطقة العازلة بعام كامل وفي مناطق تبعد عن الحدود اكثر من 15 كم فعلي سبيل المثال قرية “التومة” جنوب الشيخ زويد تم تهجيرها بالكامل من سكانها وقرية اللفيتات جنوب المدينة ايضا تم تهجير جميع سكانها وقرية المقاطعة جنوب شرق الشيخ زويد تم تهجيرها من السكان بنسبة 60 % وايضا قرية المهدية ونجع شبانة وبعض المناطق في الجورة وهي مناطق كلها يسكنها “البدو” .كما تم الاستيلاء علي المنازل ونصب كمائن فوقها وطرد سكانها دون تعويض او اعطاء مهلة لسكانها لنقل امتعتهم .هدم المنازل ليس هدفه محاربة الارهاب واكبر دليل ان الجيش في مناطق البدو كان اذا تم استهداف جندي او الية عسكرية كان يهدم جميع المنازل القريبة من الحادث . وهذا الامر لم يحدث اطلاقا في مدينة العريش التي وقعت بها عشرات العمليات العسكرية ولم يتم هدم اي منزل الا في المناطق الشرقية للعريش التي يوجد بها البدو
– الجزء الثاني من التعريف يقول : غرض التطهير العرقي هو استئصال الجماعات العرقية المرتبطة بالمقاومة أو الجماعات الإرهابية أو الهادفة إلى تغيير الأوضاع السياسية أو التي تتبع أسلوب حرب العصابات وفي أحيان كثيرة يكون التطهير العرقي مدفوعا بعقيدة تعتبر الجماعة العرقية المستهدفة كيانا قذرا ينبغي التخلص منه “كما حدث مع اليهود في القرون الوسطى في أوروبا” وذلك بهدف ضمان فرض السيطرة الكاملة على المنطقة.
هذا التعريف يرد بشكل كبير علي الرأي الاخر الذي لا يري ان الصراع الحالي هو “تطهير عرقي” ويؤكد أن المبررات لا تلغي التوصيفات بمعني انه لا يمكن نزع صفة “تطهير عرقي” لمبررات حتي لو كانت واقعية .
للتوضيح اكثر نعرض لكم وجهة النظر التي تعترض مع توصيف الصراع الحالي ب”التطهير العرقي” يقول اصحاب هذا الرأي :
ان الامر ليس كما يصوره البعض انه تطهير عرقي وانما الاسباب هي من جعلت الجيش يركز علي هذه العائلات وهذه الاماكن ومن ضمن هذه الاسباب:
1- ان تنظيم ولاية سيناء ينتشر في المناطق التي يتمركز فيها “البدو” وعدد كبير من ابناء البدو منضمين بالفعل الي التنظيم.
2- المرشدين الذين يعملون مع الجيش اغلبهم من البدو وتصفيتهم للحسابات مع بعض اعدائهم من البدو سبب مباشر لاستهداف الجيش للبدو.
بالنسبة للنقطة الاولي فتنظيم ولاية سيناء(انصار بيت المقدس سابقا) نفذ اكثر من عملية خارج سيناء وفي قلب مدينة العريش ، ايضا كما هو معروف فان التنظيم لا يسيطر فعليا علي الارض بقدر ما يمارس هجمات مباغتة ، اما بخصوص انضمام بدو الي التنظيم فهذا الامر حقيقي ولكن في نفس الوقت لا يمكننا ان ننكر ان عدد كبير من ابناء المحافظات انضموا الي التنظيم ، ايضا يمكننا تأكيد انه الوحيد الذي يظهر دون قناع علي وجهه في اصدارات ولاية سيناء الاخيرة هو “كمال علام” وهو احد ابناء قبيلة الفواخرية احدي عائلات مدينة العريش “عرق ليس بدوي” لم يمس الجيش منزله ولم يهدمه ولم يعتقل ابناء عائلته كما حدث لابناء قبيلة السواركة والارميلات اليس هذا التمييز يدعم مصطلح “التطهير العرقي” ؟!
اما النقطة الثانية التي تقول ان المرشدين اغلبهم من البدو فهذه ايضا يمكن الرد عليها بانه يوجد مرشدين من العرق الغير بدوي ولكن لم نري علي سبيل المثال عرايشي تم تصفيته بسبب جاسوس عرايشي .
ما يدعم رأينا ايضا ان اسرائيل صنفت في وقت سابق قبيلة السواركة انها قبيلة “ارهابية”
فقد نشرت القناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلى تقريراً يتهم قبيلة “السواركة” وهي اكبر قبيلة في سيناء بمسئوليتها عما يجرى من أحداث فى شبه جزيرة سيناء، وعنونت التقرير بـ”القبيلة التى حولت جنة عدن إلى جهنم”.
كما اضاف محلل اسرائيلي في وقت لاحق قبيلة الارميلات مع السواركة ،وبناء علي ذلك لا يمكننا تجاهل هذه التقارير بعد ان شاهدنا التصريحات التي ادلي بها المسؤولون الاسرائليون بان هناك تنسيق امني عالي المستوي بين الاجهزة الامنية الاسرائيلية والاجهزة الامنية المصرية .
من ملاحظاتنا علي الارض ايضا ان بعد اعتقال اي فرد من ابناء “البدو” تتجه ام او زوجة المعتقل الي المعسكر لتسأل عنه كنا نلاحظ ان اذا سمع الجندي اللهجة البدوية يتعامل مع السيدة بطريقة غير لائقة وهذا عكس اذا كانت اللهجة مصرية التي عندما يسمعها الجندي يبدأ في السؤال (انتي منين يا حاجة انتي مش من هنا صح ؟؟)
كما افاد لنا شهود تم اعتقالهم في الكتيبة 101 في العريش ان المعتقلين من اهل العريش والمغتربين من المحافظات الاخري لهم معاملة افضل نوعا ما من المعتقلين من ابناء البدو ، بل يصل الامر الي تعذيب المعتقلين من ابناء البدو قبل التحقيق معهم .
الاعتقالات بشكل تعسفي التي طالت ايضا الذين يعانون من مشاكل عقلية والتصفيات الجسدية وهدم البيوت كان من الممكن تجنب كل هذه الاساليب باساليب افضل وانجح وتضمن عدم توفر حاضنة شعبية للمسلحين . هذه التصرفات لا يمكن تجاهلها وتدعم بشكل قوي رأينا وتعريفنا للحرب لاننا لا يمكن ان نفصل جهاز المخابرات الحربية عن قوات الجيش كل الافرع في الجيش تسمي جيش، بمعني انه لا يمكن ان نبرر او نقول ان الجيش يفعل ذلك لان الجواسيس يتهمون المعتقلين بالارهاب اذا اين المعلومات؟! واين المخابرات؟! وهل فشل الجيش فقط مع البدو ووقع ضحية الجواسيس ولماذا لم يقع في نفس الاخطاء مع العائلات الغير بدوية؟!!!
يمكن مراجعة حرب البوسنة والهرسك في اوائل التسعينيات والحرب الاهلية في رواندا لم يشفع التاريخ للمجرمين الذين نفذوا “ابادة عرقية” بحق الطرف الاخر وكتب اسمائهم في سجلات المجرميم رغم المبررات التي كانوا يضعونها لتحسين صورة جرائمهم ، ولم يتم الغاء التعريفات والتوصيفات لان هناك مبررات .
هذه الادلة كافية لكي نستطيع وصف ما يحدث في سيناء علي انه “تطهير عرقي” لعرق بعينه وهو عرق “البدو” وفي القلب من عرق “البدو” هناك قبيلة السواركة التي كان لها النصيب الاكبر من الانتهاكات .
في النهاية نؤكد علي اننا لا نقصد من هذا المقال تكريس مفهوم العنصرية او التفرقة بين ابناء سيناء ومصرنا الحبيبة كلنا واحد ودمنا واحد وكل الدماء محرمة ، ولكن اردنا فقط تحليل الامر بشكل موضوعي وتسليط الضوء علي امور قد تكون غائبة علي كثير من المتابعين .