شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

بسبب التعليم.. “المنوفية” الفقيرة تصنع رؤساء مصر

بسبب التعليم.. “المنوفية” الفقيرة تصنع رؤساء مصر
قد تكون مصر دولة جمهورية تتبع النظام الرئاسي، إلا أن العديدين لاحظوا مثيرة تتعلق برؤساء مصر، بخلاف كون أغلبهم ينحدرون من خلفية عسكرية، وهي أن معظمهم من محافظة واحدة في مصر. ليس الرؤساء فقط وإنما العديد من المسؤولين في الدولة

قد تكون مصر دولة جمهورية تتبع النظام الرئاسي، إلا أن العديدين لاحظوا مثيرة تتعلق برؤساء مصر، بخلاف كون أغلبهم ينحدرون من خلفية عسكرية، وهي أن معظمهم من محافظة واحدة في مصر.. ليس الرؤساء فقط وإنما العديد من المسؤولين في الدولة والجيش والمؤسسات السيادية.

يبدو أن مجلة فورين أفيرز قد جذبتها هذه الظاهرة أيضا، ففي تقريرها، الذي نُشر في التاسع من ديسمبر الجاري لمَّحت المجلة إلى أن خليفة السيسي المقبل ربما يكون هو وزير الدفاع صدقي صبحي، الذي ينتمي إلى ذات المحافظة التي ينتمي إليها السيسي ومبارك ومن قبلهما السادات.

على الرغم من أنه ترعرع فقيرًا وأُميًّا في قرية صغيرة- بحسب المجلة- فإن أحمد فوزي علِم منذ صغره بأن شيئًا غير اعتيادي يُميز هذه الناحية من دلتا النيل.. أثناء سيرهم على الطريق الترابي في قويسنا، كان والد فوزي يشير له إلى المنازل والأماكن، التي يعيش فيها السياسيون المتنفذون والمسؤولون العسكريون. كان والده يخبره أنه ـ«في هذا المسجد كان يصلي رئيس الوزراء كمال الجنزوري»، و«في هذه المدرسة تعلَّم قائد الجيش محمد الجمسي». هذا ما يتذكره فوزي الميكانيكي ذو الخمسة والعشرين ربيعًا مُستعرِضًا معرفة أبيه الموسوعية بأهم مشاهير المنطقة، بحسب موقع “الكشك”.

تشير المجلة في تقريرها إلى أن محافظة المنوفية، موطن فوزي الميكانيكي، أخرجت لمصر أربعة رؤساء من آخر خمسة تولُّوا المنصب، أولهم أنور السادات، ومن بعده مبارك، الذين تعود أصولهم إلى المحافظة، وإن كان آباؤهم قد هاجروا منها قبل مولدهم. ينطبق الأمر نفسه على الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وعدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية الذي تولَّى المنصب كرئيس مؤقت عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في 2013. صدقي صبحي، وزير الدفاع وأبرز المرشحين لخلافة السيسي، وكذلك إبراهيم محلب، رئيس وزرائه السابق، وعدد كبير من الرموز السياسية والعسكرية أصولهم تعود إلى محافظة المنوفية، وهو أمر غريب كون المحافظة هي سابع أصغر محافظة من ضمن 27 محافظة، وترتيبها الحادي عشر في عدد السكان.

يلاحظ المصريون في المحافظات الأخرى هذه الخصوصية الغريبة للمحافظة، وهو ما جعلها مصدرًا للعديد من النِكات مثل السؤال الذي اعتاد القاهريون سؤاله لأصدقائهم عندما تصدر منهم أفعال تدل على البخل أو المكر، وهو “هل أنت منوفي؟”. لكن على الرغم من ذلك، فالمنوفيون يشعرون بالفخر تجاه إنجازاتهم في حكم مصر، حتى إن لديهم أفكارًا ونظريات عن مصدر هذه الميزة التي تتمتع بها المحافظة، منها على سبيل المثال فكرة محمد مكارم، بائع عصير القصب، الذي يقول: «التعليم والإيمان هما الركنان اللذان يقوم عليهما تفوقنا».

وادي الملوك

 

مدرسة

 

على حد وصف التقرير فإن قصة النفوذ السياسي للمحافظة تعود إلى القرن التاسع عشر، حين صمَّم عبد العزيز فهمي باشا، وهو سياسي ليبرالي محلي معروف، على تطوير المدارس والتعليم في المحافظة في تسعينيات القرن التاسع عشر؛ في محاولة لمجابهة الاستعمار البريطاني لمصر، الذي ضيَّق حدود التعليم الحكومي الممنوح للمصريين.

أقنع فهمي مجموعة من مُلاك الأرض في المنوفية لتمويل إنشاء مدارس خاصة. بحلول العام 1914 أصبحت مؤسستهم التي سُميت «جمعية المساعي المشكورة» مسؤولة عن تعليم 15% من الطلاب غير الأجانب، وتبوَّأت المحافظة مكانة رفيعة في ترتيب أفضل المحافظات تعليميًا.

تشير المجلة في هذا السياق إلى أن إبراهيم عيسى، وهو أحد أبرز رؤساء التحرير المعاصرين وسياسي مُعارض تلقَّى تعليمه في إحدى مدارس هذه المؤسسة، وكذلك فعل الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث التقى هناك لأول مرة بوزير الداخلية الأسبق زكي بدر.

معني نشأتك في المنوفية في السنوات التي سبقت قيام جمال عبد الناصر وحركة الضباط الأحرار بالاستيلاء على الحكم في 1952، انك تملك فرصة حقيقية للحصول على التعليم الجيد، في الوقت الذي كانت تعاني فيه معظم المحافظات الريفية الأخرى من نقص في المدارس وهيئات التدريس،  وحتى الآن فإن نسبة الذين يُكملون تعليمهم بعد تجاوزهم سن 15 عاما في المحافظة أعلى منه في أي محافظة أخرى، وتجاوزت نسبتهم 80% في العقد الأول من القرن الحالي.

يلاحظ التقرير أن البرنامج الإصلاحي لعبد الناصر بعد الثورة أدى لتأميم مدارس هذه المؤسسة، وهو ما أثَّر بالتأكيد على جودة التعليم فيها، ولكن عقودًا من التعليم الجيد أتاحت لأبناء المحافظة فرصا أوسع في تشكيل الجيش المصري الجديد. الشباب المتعلمون من المحافظة تسلَّقوا سلم المناصب في جيش عبد الناصر الجديد، حتى إن نسبتهم في سلك الضباط تجاوزت كثيرًا غيرهم من المحافظات. هذا النجاح المُبكر حفَّز المزيد من شُبان المحافظة للسعي للحصول على الجاه والثروة عن طريق الالتحاق بالجيش. وهو ما يؤكده صموئيل تادروس، الباحث السياسي والمؤرخ ذو الأصول المنوفية، والذي يعمل باحثًا رئيسيًا في معهد هدسون: «إذا كنت من مركز قويسنا ورأيت فلانا، وهو أيضا من نفس المركز، لكنه يرتدي بِزّة الجنرال فسيُحفِّزك هذا بالتأكيد للسعي لأن تحذو حذوه».

تخلص المجلة في هذا السياق إلى أن الروابط بين المنوفية والجيش ظلت قوية حتى بعد أن فقدت المحافظة تفوقها التعليمي. في انتخابات 2012 الرئاسية في مصر حصل أحمد شفيق، قائد القوات الجوية ورئيس الوزراء الأسبق، على أغلبية أصوات المحافظة بنسبة تفوق أي محافظة أخرى. نفس الأمر تكرر بعد سنتين عندما صوتت المحافظة لانتخاب عبد الفتاح السيسي، وهو جنرال آخر، للوصول لسدة الحكم في البلاد.

من التلمذة إلى الأستاذية

 

حسني مبارك

 

تشير فورين أفيرز إلى أنه على الرغم من جودة التعليم في المحافظة، وعدد الرموز السياسية والعسكرية المنتمية إليها، إلا أنها تظل محافظة فقيرة؛ وذلك لأنها أحد محافظتين في مصر تفتقدان للظهير الصحراوي. وفي ظل عدم قدرتها على استصلاح أراضٍ جديدة، وفي ظل التنامي المستمر لعدد سكانها، فإن اقتصاد المحافظة الذي يعتمد على الزراعة بشكل كبير قد تضاءل بشكل كبير. وفي النهاية، فإن سكان المحافظة يعيشون اليوم في بيوت أصغر من المُعدل الوطني، ولديهم أعداد أقل من الأسرة بالمستشفيات على مستوى الجمهورية.

لهذا فإن المصدر الثالث لنجاح المحافظة- بخلاف التعليم والجيش- يكمن في نسبة الهجرة الداخلية الكبيرة لسكانها، الذين فضَّلوا تركها والرحيل إلى أماكن أخرى.. نسبة هجرة سكان المحافظة تتجاوز تاريخيًا أي محافظة أخرى في مصر. في محافظة القاهرة القريبة فإن عائلات الفلاحين السابقين من المنوفية تقطن أحياء بأكملها، خاصة في منطقة شبرا الخيمة الصناعية، والطريف في الأمر أن معظم مالكي عربات الهوت دوج الحلال في نيويورك هم من المنوفية أيضًا. وتؤكد المجلة أن الهجرة تُخفِّف الضغط عن المحافظة، وتوفر فرصًا أفضل لأولئك المُغادرين.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023