نشر موقع المونيتور الأميريكي مقالا مطولا عن الخلاف القائم بين مؤسسة الأزهر وعبدالفتاح السيسي، وهو الخلاف الذي اشتعل إبان دعوة السيسي إلى إحداث ثورة في الدين الإسلامي وتجديد الروح فيه وإصلاحه، وهو ما لقي اعتراضا من قبل هيئة كبار علماء الأزهر.
عندما قدم المشير عبد الفتاح السيسي -وزير الدفاع حينذاك- خطابا متلفزا يوم 3 يوليو 2013، أعلن أن الرئيس محمد مرسي كان قد أطيح به فقط، توسط الرجل في تلك الليلة عددا من زعماء مصر الدينيين، من بينهم البابا تاوضروس، زعيم الأقباط في مصر، والشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر و شيخ الأزهر.
الطيب، الذي كان قد دعا في وقت سابق الرئيس محمد مرسي – أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد – إلى التنحي لوقف اراقة الدماء، وألقى بثقله وراء الرجل العسكري الذي ساعد في تخليص مصر من جماعة الإخوان المسلمين، ومذاك وصفت الجماعة من قبل الدولة بأنها “جماعة إرهابية”.
ويرجح المقال أنه بعد مرور ما يقرب من أربع سنوات، ظهرت تصدعات في التحالف بين السيسي (وهو يقدم نفسه بأنه مسلم متدين)، الذي أصبح رئيسا في عام 2014، والأزهر، أقدم هيئة تعلم الإسلام السني. حيث رفض الأزهر النداءات المتكررة من قبل السيسي إلى “تجديد الخطاب الإسلامي” و”تحديث الإيمان”.
ربما كانت تكهنات المتشككين حول التوتر بين الطيب والسيسي لا تُرى للعيان في ما يتعلق بـ”تحديث الإسلام”, لكن الأمور بدت عندما همز السيسي علناً شيخ الأزهر خلال الشهر الماضي، حين قال له: “تعبتني يا فضيلة الإمام” على الرغم من أن التصريح قد جاء مازحا، فإنه أشار إلى التوترات الكامنة في العلاقة بينهما، مما يدل على أن صبر السيسي من تعنت الأزهر على الإصلاحات قد ينفد.
ويورد المقال أنه في أول حديث له عن الأمر, خرج السيسي بخطاب حماسي عن ما أسماه “ثورة دينية”، وذلك قبل عامين خلال كلمته بمناسبة حلول رأس السنة الميلادية في الأزهر، معربا عن أسفه من أن “التفكير المتطرف ومعاداة العالم كله يؤدي إلى تمزيق الأمة [الأمة الإسلامية]”؛ تصريحاته الجريئة تلك أكسبته الثناء من مؤيديه الغربيين الذين أشاروا إلى أن السيسي قد فعل شيئا لم يتسن لأي زعيم غربي الشجاعة للقيام به.
ومع ذلك فإن المتشككين، حذروا من أن السيسي هو مصلح غير مرجح, حيث قال دانيال بايبس في مقال نشره منتدى الشرق الأوسط للأبحاث: “هو قال أنه يدافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية”، وعلاوة على ذلك، فإن السيسي لم يقدم أي تفاصيل بشأن الثورة التي يسعى إليها.
واستنادا إلى المقال فإن علماء الأزهر قدموا نصائح للسيسي أن الإصلاحات التي يطالب بها لا بد أن تصدر عن علماء الأزهر لا عن وزراء الحكومة أو رجالاتها، حيث قال لنا مصدر من الأزهر رفض الكشف عن اسمه أن ثمة دعاة من الأزهر الشريف يشعرون بالاستياء من تدخل الدولة في شؤونهم الدينية، حيث انتقدوا قرار وزارة الأوقاف لتوحيد الخطب في صلاة الجمعة في المساجد في جميع أنحاء البلاد.
وقال المصدر: “وزارة الأوقاف تقر المواضيع الواجب على الأئمة الوعظ بها في كل أسبوع، ولكن غالبا ما تكون الخطب التي تعدها الوزارة لا تعير اهتماما لظروف المكان الذي يجري الحديث فيه”، متابعا: “موعظة عن النظافة قد تكون جيدة لمرتادي المساجد في القاهرة ولكن سيكون الأمر غير مناسب عندما يعظ إمام الناس في مساجد منطقة شمال سيناء، حيث تعتبر المنطقة مركزا للعنف في الأشهر الأخيرة”.
ورفض المطالبات من قبل بعض النقاد من أن منهج الأزهر يشجع التطرف والعنف، قائلا: “عشرات الآلاف من الطلاب – محليين أو أجانب – أتموا دراستهم في الأزهر. كم منهم أصبحوا من الإرهابيين؟”.
شيخ الأزهر، أيضا، كان قد دحض الادعاء بأن المؤسسة الإسلامية تنشر الأفكار المتطرفة منذ قرون، مصرا على أن “الأزهر هو منبر الاعتدال، والوسطية والتسامح الإسلامي.”
ويؤكد المقال أن لجنة خاصة من الخبراء التربويين قد شُكلت عام 2015 بناء على طلب من السيسي، بهدف مراجعة وتحديث المناهج التعليمية في الأزهر، واستئصال أي محتوى ينظر إليه على أنه يقوم بالتحريض على العنف.
وفي الوقت نفسه، أُطلقت قناة يوتيوب قبل عامين، ويشرف علماء من الأزهر عليها بهدف معلن هو “مواجهة دعاية الدولة الإسلامية”. وهناك أيضا خطط تجري لإطلاق قناة جديدة “قناة الأزهر” في الأشهر المقبلة لتعزيز “الفكر المعتدل” .
في حين أن كل هذه الخطوات تصب في الاتجاه الصحيح، فإنها تعجز عن وقف تطلعات السيسي حول”إحداث ثورة في الفكر الإسلامي “. ولا يزال هناك الكثير من الخطوات التي يتعين على الأزهر القيام بها إذا أراد أن يظهر أنه جاد في مكافحة تزايد الهجمات الإرهابية والحد من انتشار التطرف، جنبا إلى جنب مع الحكومة، التي تقاتل الجماعات المرتبطة بداعش في شبه جزيرة سيناء.
وقد أخفق رجال الدين في المؤسسة أيضا إلى دعم دعوات من نشطاء حقوقيون حول إلغاء قوانين التكفير المثيرة للجدل في البلاد والتي تسمح للقضاء بمحاكمة مواطنين بتهمة “إهانة الدين” على الرغم من أن السيسي أعطى إشارة إلى مثل هذه الدعوات غير مرغوبة، حيث شمل عفو رئاسي عن معتقلين في سجون مصرية شمل المفكر الديني والإعلامي في قناة القاهرة والناس إسلام بحيري الذي كان معتقلا على خلفية اتهامه بـ”ازدراء الدين” بعد رفع دعوة عليه من مواطن عادي استند إلى دعوة علماء الأزهر بايقاف برنامجه بسبب تشكيكه بنصوص دينية واضحة.
“بحيري” خرج من السجن متعهدا بمواصلة التحدث علنا ضد “الفكر المتطرف” قائلا: “المشكلة تكمن مع السلفيين داخل المؤسسة الذين يستمرون في الدفاع عن النصوص الدينية الإشكالية التي تستند إليها داعش في ممارساتها”.
وقال “بحيري” لـ”المونيتور”: “السيسي جاد في إصلاح الخطاب الإسلامي، ولكن توحيد الخطب في المساجد لن يغير شيئا”، مضيفا: “لمواجهة خطر الإرهاب، يحتاج الأزهر أن يعترف بأن المشكلة تكمن في كتب التراث الإسلامي القديمة التي كتبت في فترة العصور الوسطى أو في وقت سابق. هذه الكتب تشجع على الجهاد والتعصب. ستستمر الهجمات الإرهابية ما دامت هذه الكتب متاحة، لتسميم عقول الناس “.
في حين اعترف إسلام عبد الرؤوف، أستاذ مساعد في الصحافة في جامعة الأزهر أن هناك انقسامات داخل المؤسسة. “مثل أي مؤسسة أخرى في البلاد”، وقال للمونيتور: “المجموعة الأولى تدعم دعوات السيسي للإصلاح في حين أنه هو ضدها”، مستطردا: “إن الرأي السائد بين علماء الأزهر في أن التغيير هو موضع ترحيب طالما أنه لا يمس أصول الدين. في حين أنه لا بأس من تحديث الخطاب الديني لجعله أكثر جاذبية للشباب، ولكن تدخل الدولة في المراسيم الدينية والفتاوى يعتبر خطا أحمر يجب عدم تجاوزه “.
ويُنظر للسيسي من قبل رجال الدين على أنه قد تعدى هذا الخط عندما دعا مؤخرا لقانون يحظر الطلاق اللفظي في مصر في محاولة للحد من معدلات الطلاق المتزايدة في البلاد، والتي وصلت في عام 2015 إلى نسبة 10.8٪، وفقا للوكالة المركزية المصرية للتعبئة العامة والإحصاء. وكان السيسي قد عبر عن أسفه في خطاب ألقاه في أكاديمية الشرطة عشية يوم الشرطة الوطنية يوم 25 يناير من أن 40٪ من جميع حالات الزواج في مصر تنتهي في غضون السنوات الخمس الأولى. وحث شيخ الأزهر، الذي كان حاضرا في الجمهور، لتقديم دعمه للتشريع المقترح.
ومع ذلك، رفض الأزهر الخطة، ووضع خطا واضحا بين الدين والسياسة. حيث جاء في بيان صادر عن مجلس كبار علماء الأزهر أن “الطلاق اللفظي، عند تلبية جميع الظروف – على الزوج أن يكون واعيا تمام الوعي وسليم العقل عندما ينطق عبارة” أنت طالق “- هي ممارسة واضحة منذ أيام النبي محمد “.
رفْض الأزهر لاقتراح السيسي يضع المؤسسة الدينية على مسار تصادمي مباشر مع رئيس الدولة، مما يشير إلى تحول كبير في العلاقة، وربما بداية لعمليات شد وجذب لمزيد من الحكم الذاتي للمؤسسة – التي ينظر إليها على أنها “مسيسة” كما قال بعض المحللين. في هذه الأثناء، فإن دفع السيسي للإصلاحات الدينية على المحك.